احمد شعلان
عدد الرسائل : 17047 الموقع : جريدة الامة تاريخ التسجيل : 24/09/2008
| موضوع: موجبات الغسل للرجل والمرأة (2) الجمعة 17 أبريل 2009 - 15:21 | |
| وفي الصحيحين عن أبي سعيد الخدري: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسل إلى رجل من الأنصار، فجاء ورأسه يقطر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لعلنا أعجلناك!" قال: نعم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا أُعْجلت أو أُقحطت، فعليك الوضوء" وفي رواية: "فلا غسل عليك، وعليك الوضوء".ومعنى: أُعجلت أو أُقحطت: أي جامعت ولم تنزل. (يروى: أقحطت وأُفحطت). وفي حديث آخر لأبي سعيد: أن أحد الصحابة سأله: يا رسول الله! أرأيت الرجل يُعجل عن امرأته، ولم يُمْن: ماذا عليه؟ قال: "إنما الماء من الماء".ومعناه: لا يجب الغسل بالماء إلا من إنزال الماء الدافق، وهو المني. وليس بمجرد الإيلاج.وهذه الروايات الصحيحة كلها واضحة صريحة الدلالة على أن الرجل إذا جامع ثم أقحط، أو أكسل ولم ينزل: فلا غسل عليه.قال الحافظ في (الفتح): وقد ذهب الجمهور إلى أن ما دل عليه حديث الباب (أو أحاديثه) من الاكتفاء بالوضوء إذا لم ينزل المجامع: منسوخ بما دل عليه حديث أبي هريرة وعائشة المذكوران في الباب قبله. واستدل الحافظ على النسخ بما رواه أحمد وغيره عن أبيِّ بن كعب: أن الفتيا التي كانوا يقولون: "الماء من الماء": رخصة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم: رخص بها في أول الإسلام، ثم أمر بالاغتسال بعد. وهذا الحديث وإن صححه ابن خزيمة وابن حبان والإسماعيلي: بيّن الحافظ أنه معلول، وكذا في طريقه الأخرى عند أبي داود.وقد روى البخاري حديثا صريحا في ذلك عن أبي بن كعب: أنه قال: يا رسول الله: إذا جامع الرجل المرأة فلم ينزل؟ قال: يغسل ما مس المرأة منه، ثم يتوضأ ويصلي. قال أبو عبد الله (أي البخاري): الغسل أحوط، وذلك الأخير، وإنما بينا لاختلافهم.وقول البخاري: الغسل أحوط: ظاهر في أنه لا يرى وجوب الغسل عند عدم الإنزال، بل يستحبه من باب الاحتياط.ذلك أن الاختلاف بين الصحابة كبير في هذه القضية، والمختلفون فيها من كبار الصحابة ومن فقهائهم وعلمائهم المعدودين.وقول الإمام النووي: المسالة اليوم مجمع عليها، ومخالفة داود لا تقدح في الإجماع عند الجمهور: دعوى غير مسلمة، كيف وقد رأينا قول البخاري: الغسل أحوط؟ومحاولة بعضهم ـ كابن العربي ـ نفي الخلاف: معترض، فإنه مشهور بين الصحابة، ثابت عن جماعة منهم، كما قال في الفتح.وادعاء بعضهم ـ كابن القصار ـ ارتفاع الخلاف بين التابعين: معترض أيضا، فقد قال به منهم: الأعمش، وأبو سلمة بن عبد الرحمن، وهشام بن عروة، وهو ثابت عنهم بأسانيد صحيحة، كما قال الحافظ.وروى عبد الرزاق عن عطاء قال: لا تطيب نفسي إذا لم أنزل حتى أغتسل من أجل اختلاف الناس، لأخذنا بالعروة الوثقى.فهذا أحد فقهاء التابعين بين لنا أن الناس في عهده مختلفون في المسألة.وقال الشافعي في (اختلاف الحديث): حديث "الماء من الماء" ثابت، لكنه منسوخ، إلى أن قال: فخالفنا بعض أهل ناحيتنا ـ يعني من الحجازيين ـ فقالوا: لا يجب الغسل حتى ينزل. اهـ. قال الحافظ: فعرف بهذا: أن الخلاف كان مشهورا بين التابعين ومن بعهدهم، لكن الجمهور على إيجاب الغسل، وهو الصواب. والله أعلم. اهـ.ومنهجي الذي أرجحه في مثل هذه القضايا الخلافية الكبيرة: أن لا نهيل التراب على الخلاف الثابت، وندعي الإجماع فيما وقع فيه الخلاف، بل يجب أن تظل القضايا الخلافية خلافية، كما يجب أن تظل الإجماعية إجماعية، ولا نحاول أن نحدث فيها خرقا، لما في الخلاف ـ عادة ـ من توسعة ورحمة بالأمة. ولا سيما إذا كان الخلاف بهذا الحجم الذي رأيناه بين الصحابة، ثم من بعدهم. وهو يحمل رخصة قد يحتاج الناس إليها في عصرنا، فلا نغلق عليهم بابا للتيسير فتحه الله تعالى.الموت: ومن موجبات الغسل: الموت. فهذا مما أجمعت عليه الأمة: أن يغسل الميت، ذكرا كان أم أنثى، كبيرا أم صغيرا، إلا من قتل شهيدا في سبيل الله، فيترك على حاله، ويكفن في ثيابه التي استشهد فيها.وفي الصحيحين عن أم عطية قالت: دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم حين توفيت ابنته، فقال: "اغسلنها ثلاثا أو خمسا، أو أكثر من ذلك ـ إن رأيتن ـ بماء وسِدْر. اجعلن في الأخيرة كافورا، أو شيئا من كافور، فإذا فرغتن فآذنني"… الحديث.وغسل الميت من فروض الكفاية على الأحياء، وخصوصا أهل محليته، وقد أوجب الإسلام غسل الميت وتكفينه، والصلاة عليه، ودفنه في مقابر المسلمين، وكلها فروض كفائية، وسنفصل أحكامها عند حديثنا عن (الجنائز). والله أعلم | |
|