أحب دائماً أن أخرج مبكراً وألتزم بالعديد من الطقوس القديمة، التى طالما عودنى عليها والدى والتى كان أهمها الاهتمام بالمظهر، خاصة الحذاء، فأقوم بتلميعه ثم أخرج، تزامن مع هذه العادة المحمودة أخرى غير مرغوبة، إلا وهى أخذ ما يدعى بمترو الأنفاق رفيقاً، وهى عادة ليست مقصودة بقدر ما كانت وما زالت مفروضة. تلك العادة أجهضت كل مجهودات والدى فى الإبقاء على حذائى براقا كما كان، فبمجرد خروجى من المنزل منتشياً بمظهرى واثق الخطى بحذائى وابدأ فى ارتياد هذه التقفيصة "مترو الانفاق"، فإذا بى أواجة غابات من سيقان آدمية بأحذية منتهية الصلاحية لأخرج بعد انتهاء رحلتى بحذاء مهدور دمه. المهم اتخذت قراراً بعدم تلميع حذائى قبل ركوب المترو ثانية ولعل هذا يكون رزق ماسحى الأحذية، لأننى بدأت أذهب إلى بعضهم بشكل شبة يومى، وذلك ليس إلا تنفيذاً لأوامر والدى. وبإحدى أحياء وسط العاصمة وجدتنى أدنو من إحدى المقاهى لرغبتى الملحة لتناول الشاى وتصفح جريدتى المفضلة، فإذا بماسح الأحذية يسحب قدمى ويلقى بعدها السؤال "تمسح يا استاذ؟" ... و بنوع من الخضوع وافقت، لكننى لاحظت اقتضاب وجه ماسح الأحذية فبادرته... "خير يا .." قال "اسمى سعيد.." قلت له "مش باين.. لماذا يبدو عليك الضيق والغضب يا عم سعيد..؟" قال "اليوم هو العاشر الذى أسأل فيه عن السفارة ولا أجد سوى السخرية"، "سفارة دولة إيه اسألنى وأنا هجوبك دا شىء عادى .." قال "السفارة بتعتنا إللى هنا فى العاصمة.." قلت "يا عم سعيد أنا لا أفهمك، أنت عايز منها إيه ..؟" "يا بيه أصل من يومين واحد أفندى أجنبى لمعت جزمته وبالخطأ إيدى طالت شراب سعادته".. قلت له "شىءعادى وبيحصل كثيراً".. قال "لكن الشراب لم يكن واضح يعنى م الآخر الفرشة طالت رجله لأن لم يكن هناك شراب"
"عادى برضو يا عم سعيد".. "المشكلة يا بنى إن السائح اشتكانى للشرطة واتسحبت وكانت حالتى حالة".. "وأنت عايز السفارة تشتكى الأجنبى فيها ؟؟!! ... قال "لا أنا عايز أشتكى الحى لأنه طردنى من الدكان ولم يرأف بحالى وعوضنى عنه بآخر فى إحدى المدن الجديدة التى لا يرتدى أهلها فيها نعالاً من الأساس".. "ماذا تقصد يا عم سعيد؟".. "يا أستاذ دى مدينة من مدن الإيواء، أنا عايز دكانى أو دكان فى مكان مناسب" .. "لماذا لم تذهب للحى" .. "ذهبت ولم يفيدنى الذهاب إلا شقاء"
"يا عم سعيد لا توجد سفارة مصرية داخل العاصمة ولا حتى خارجها".. "يعنى حقى ضاع .. لماذا هذا التمييز؟" .. "تمييز إيه تقصد، إيه يعنى يا عم سعيد؟" ... "أقصد إشمعنى الأجنبى يذهب فى البلد الغريب إلى سفارة دولته وده لما يتعرض لإسائة أو ظلم يدفعه إلى الاستغاثة .. يريد العون والمساعدة من أهله وعشيرته، ونحن فى بلادنا يلجأ الأجانب أيضاً حين يتعرضون لإسائة .. لا سمح الله .. إلى سفارة بلدهم ... بل الأمر الأكبر من ذلك يا أستاذ... إن السفارة تستشعر قلقهم وقلة راحتهم فتسرع هى الأخرى لتقديم المساعدة، وإن كانت الأمور لا تستدعى ذلك" ....
يا عم سعيد دى نقرة ودى نقرة، ثم إنك شكلك متعلم إنت معاك شهادة ....
دبلوم صنايع ...
شىء رائع افهم يا عم سعيد تلك الدول تقدس ثرواتها البشرية ... يعنى المواطنون هم رقم واحد فى بلادهم و الأجنبى رقم اثنين ... دول تعرف قيمة العقول والأبدان وتعترف بأهميتها لأن الدولة بدون قيمة أهلها تفقد هى الأخرى قيمتها بتبعية..
فى دول أخرى لا تعرف معنى هذا الكلام .. ذلك الكائن الهلامى المدعو أنساناً يساوى بالأرقام صفراً كبيراً أو بمعنى أوضح مجموعة كبيرة من الأصفار .. هذا الإنسان فى بلده هو رقم 3 او 4 متفرقش.. يسعى وراء حقه بالأيام ... أنا أعتذر بالشهور .. أنا آسف بالسنين .. و لا يحصل عليه إلا من رحم ربى .. أفضل رعاية صحية تقدم لغيره.. أنقى مياه يرتوى بها الآخرون
القانون و العدل وضع ليسير عليهم بمفرده .. وإن عاجبك .. كل هذا فى بلده .. مواطن بدرجة سالب واحد ... فما بالك بخارج بلاده.. هو من يهان .. هو من يجلد.. هو من يعذب .. هو أحياناً من يكرم إذا عمل مثل اسمه ايه اللى فى الساقية ...
قال عم سعيد تصدق يا أستاذ كلامك سليم .. طب إيه رأيك نقدم اقترحاً ونعمل سفارة لينا فى العاصمة.
و تكون لها قنصلية فى كافة المحافظات بكده سيكون لنا الحق أن نشتكى لجهة أكثر مسئولية ....
بس يا عم سعيد لو حصل و واحد فينا تعدى حدوده السفاره هترحله على فين ؟؟!!!!