الحكم الصادر عن محكمة الجنايات قبل أسبوعين ببراءة زوجة من تهمة تزوير، وجهتها لها النيابة العامة، لكونها أقرت فى وثيقة زواجها الرسمى أنها لم تتزوج قبل ذلك، رغم أنها كانت متزوجة عرفياً.. أثار جدلاً دينياً وقانونياً، وأعاد تعريف الزواج العرفى إلى المربع رقم واحد.. هل الزواج الثانى بعد الزواج العرفى يعتبر الأول، وأن إنكار المتزوجة عرفياً سابقا فى حالة زواجها على يد مأذون بأنها لم يسبق لها الزواج جائز شرعاً وقانوناً!
بالعودة إلى حكم محكمة الجنايات نكتشف أن أسباب الحكم استندت إلى فتوى اثنتين من كبار الهيئات الإسلامية فى مصر هما دار الإفتاء ولجنة الفتوى بـ مجمع البحوث الإسلامية، أنكرت الهيئتان الزواج العرفى ووصفتاه بالعقد الباطل والسرى، ولو كان على ورقة موقع عليها شهود. واعتبرت المحكمة أن إقرار المتهمة بعدم زواجها قبل ذلك إقرار صحيح لأن ما قبله لم يكن زواجاً وطلبت منها التوبة! رجال القانون من جانبهم يعرفون الزواج العرفى بأنه الزواج غير الموثق الذى يتم بإيجاب وقبول بين الطرفين- الزوج والزوجة- من خلال ورقة عرفية أو وسيلة أخرى وهو غير موثق أو مسجل سواء على يد مأذون شرعى من محكمة الأحوال الشخصية أو فى الشهر العقارى. فى حين يرى علماء الشرع أن الزواج العرفى السليم من الناحية الشرعية هو الذى يتم بإيجاب وقبول من الطرفين مع مباشرة الولى لعقد الزواج- لمن تحت ولايته- مع حضور شاهدى عدل يوقعان على عقد الزواج مع إعلان وإشهار هذا الزواج وعلم الناس به ويكون موثقاً. فى سياق متصل كانت كلية الأداب بجامعة القاهرة قد قامت بدراسة حصرت فيها أشكال الزواج العرفى فى مصر وقالت: أن هناك شكلين أساسيين لهذا النوع من الزواج.. الأول وهو الصورة الغالبة حيث يتم عقد الزواج العرفى بإيجاب وقبول من الطرفين- الزوج والزوجة- من خلال ورقة عرفية يوقعان عليها باسميهما مع حضور شاهدين مستأجرين، أو من أصدقاء الزوجين يوقعان على العقد العرفى مع عدم إعلان وإشهار هذا الزواج العرفى، أو علم الأهل والأصدقاء به إذ غالبا ما يتم فى سرية تامة ويؤمر الشاهدان بكتمان هذا الزواج. هذا الزواج- كما قالت الدراسة- يفتقد بعض شروط الزواج الصحيح وهو حضور ولى الفتاة العقد والإعلان والإشهار. أما الصورة الثانية وهو الزواج بإيجاب وقبول الطرفين من خلال ورقة عرفية فقط، دون حضور شهود للتوقيع عليها، دون إعلانه وإشهاره بين الناس. وهذا الشكل من العلاقة يفتقد معظم شروط الزواج الصحيح، وهو عدم حضور الولى وعدم وجود الشهود وعدم الإعلان.
ومن هنا يرى البعض أن هذا الزواج ليس عرفياً، وإنما هو علاقة سرية يطلق عليها البعض «الزواج السرى»!! أما باقى الأشكال للزواج العرفى فى مصر، فهى غير منتشرة ويتم بدون ورقة زواج عرفى ومنها زواج الدم، بأن يخرج كل من الشاب والفتاة جرحاً فى أحد أصابعه ثم يمزجان دمهما معاً، وبعدها يكون الزواج قد تم . وزواج الهبة ويبنى على أساس أن يهب كل من الشاب والفتاة نفسه للآخر، فيقول الشاب للفتاة «وهبتك نفسى» فترد عليه الفتاة بالعبارة نفسها وهكذا يتم الزواج، ولكن هذا النوع من الزواج- كما قالت الدراسة- أسقطه الإسلام وأن هبة المرأة لنفسها غير جائزة! وهناك الزواج على شريط كاسيت وهو أن يردد كل من الطرفين بصوته صيغة عقد الزواج، وهذا الأسلوب فيه تحايل على الورقة العرفية التى اعترف بها القانون فى رفع دعوى التطليق من الزواج العرفى. فى دراسة أخرى أجراها الدكتوران «معتز سيد» و«جمعة يوسف»- أستاذا علم النفس- عن الزواج العرفى فى مصر، ذكرت العوامل التى تؤدى إلى الزواج العرفى، أولها: الرغبة فى الإشباع الجنسى خاصة أن بعض الناس وبخاصة الشباب لا يقوون على الوقوف أمام مطالب الرغبة، ويرغبون فى إشباعه والتخلص من التوتر الذى يسببه، وفى الوقت نفسه لا يريدون الوقوع فى الحرمات من خلال ممارسة علاقات جنسية محرمة.
والعامل الثانى: حسب ما جاء فى الدراسة، هو جهل الشباب بأمور الدين الصحيحة، لعدم تنشأتهم تنشئة دينية صحيحة تعرفهم الحرام والحلال، كما أنهم يجهلون مفاهيم دينية مشوهة ومغلوطة، ومنها ما يتصل بأمر من أمور حياتهم وهو الزواج وماهية شروطه وأركانه وكيف يكون صحيحاً.
العامل الثالث: هو الظروف الاقتصادية ،التى تقف عقبة أمام إتمام الكثير من الزيجات الرسمية ويؤدى إلى تأجيلها لفترات طويلة تستنفد فى محاولة توفير ضروريات الحياة الزوجية. أما العامل الرابع : فهو الظروف الاجتماعية حيث تعانى بعض الأسر من مشكلات اجتماعية كالتفكك الأسرى والانفصال والطلاق، وهو ما يؤدى إلى ضياع الأولاد وتشردهم أو ضعف الرقابة عليهم، وعدم القيام بالدور الوالدى التربوى الذى يوجه الشباب ويبصرهم بأمور دينهم ودنياهم. إضافة إلى ذلك حدوث عدد من التحولات الاجتماعية تمثلت فى سفر عدد كبير من المصريين للخارج؛ للبحث عن فرص العمل ، وهو ما يؤدى إلى غياب الوالد لفترة طويلة عن أولاده ويفرض على الأم القيام بدور مزدوج قد لا تستطيع فى كثير من الأحيان القيام به خاصة مع وصول الأبناء والبنات إلى سن المراهقة والتحاقهم بالجامعة. ورغم عدم اعتراف دار الإفتاء ومجمع البحوث الإسلامية بالزواج العرفى، إلا أن قانون الأحوال الشخصية لسنة 2000 اعترف به فى المادة 17 منه وأعطى الحق للزوجة المتزوجة عرفياً أن ترفع دعوى قضائية أمام محاكم الأسرة للحصول على الطلاق من هذا الزواج، حيث نصت هذه المادة «لا تقبل الدعاوى الناشئة عن عقد الزواج إذا كانت سن الزوجة تقل عن ست عشرة سنة ميلادية، أو كانت سن الزوج تقل عن ثمانى عشرة سنة ميلادية وقت رفع الدعوى، ولا تقبل عند الإنكار الدعاوى الناشئة عن عقد الزواج ما لم يكن الزواج ثابتاً بوثيقة رسمية، ومع ذلك تقبل دعوى التطليق أو الفسخ بحسب الأحوال دون غيرها إذا كان الزواج ثابتاً بأية كتابة». كما أعطى هذا القانون الحق للمتزوجة عرفياً إذا كانت حاملا حق إثبات النسب. إذا كان قانون الأحوال الشخصية اعترف بالزواج العرفى وحق النسب من الزواج العرفى، فلماذا لا تعاقب من تتزوج عرفياً ثم تتزوج رسميا على أنها أول مرة ؟ المحامى «فتحى كشك» قال لنا: بالنسبة للقانون والسجلات الرسمية مثل دفتر المأذون ومصلحة الأحوال المدنية، إن الزواج الرسمى بعد العرفى هو الزواج الأول، أما بالنسبة له من الناحية الشرعية هو الزواج الثانى!
وأضاف: ولكن فى المقابل من حق الزوج الذى يكتشف أن زوجته سبق لها الزواج عرفيا أن يطلقها، ولا يحق للزوجة فى هذه الحالة الحصول على نفقة المتعة لأن نفقة المتعة كما نص عليها قانون الأحوال الشخصية تعطى للمرأة إذا تم طلاقها بدون رضاها ولا لسبب من قبلها، ويحق للزوجة فى هذه الحالة الحصول على نفقة العدة وقائمة العفش. المشروع لا يعتبر عدم إثبات المرأة سابقة زواجها سواء عرفيا أو رسميا جريمة يجب أن تعاقب عليها على أساس أنها ليست من البيانات الجوهرية التى تتلخص فى الاسم الحقيقى والديانة، وألا توجد موانع فى الزواج مثل زواج الأخت والعمة والخالة والأم، ولهذا سبق وأن حكمت محكمة الجنايات ببراءة إحدى الزوجات من تهمة التزوير لعدم إثباتها سابقة زواجها رسميا من قبل زوجها الثانى، حيث عقد قرانها على ابن عمها وطلقها قبل الدخول بها، وعندما تزوجت للمرة الثانية لم تثبت فى قسيمة زواجها سابقة الزواج، فأقام ضدها زوجها الثانى بلاغا اتهمها بالتزوير وأحالتها النيابة لمحكمة الجنايات التى أصدرت حكمها ببراءتها لأن عدم إثبات الزواج السابق ليس من البينات الجوهرية. الشيخ «فكرى حسن إسماعيل»- وكيل وزارة الأوقاف السابق وعضو المجلس الأعلى للشئون الإسلامية- قال: من المعلوم شرعاً أن للزواج شروطاً وأركانا لابد من توافرها، فإذا لم توجد هذه الشروط، فإن الزواج لايكون صحيحاً عند أكثر الفقهاء والزواج العرفى المتعارف عليه عندنا هو زواج السر، وليس بالزواج العلنى بمعنى أن يتفق رجل وامرأة على الزواج بدون إعلان وإشهار من غير أن يعلم أحد من الأولياء بهذا الزواج ولا غيرهم، ويكتبان عقدا بينهما فى كثير من الأحيان يحتفظ كل منهما بصورة من هذا العقد لإبرازها عند الضرورة، وهذا الزواج بهذه الصورة باطل لعدم إشهاره ولعدم الإشهاد عليه ولعدم معرفة الأولياء به. وأضاف: هذا مخالف للزواج الشرعى من جميع الوجوه وعليه لا يكون زواجاً، ولا تترتب عليه آثار الزوجية وما بنى على باطل فهو باطل، كما قال النبى صلى الله عليه وسلم: «لا زواج إلا بشاهدى عدل وولى»، وإذا كان فى بعض الأحيان بالنسبة للزواج العرفى، قد تم الإشهاد عليه علنا لا يكون هذا الزواج باطلاً ولاسيما إذا عقد العقد عند رجل من رجال القانون «كالمحامى»، وقدر لهذا الزواج مقدم صداق ومؤخر وإعلان وشهر وعرف أهل المنطقة بهذا الزواج، فإنه يكون زواجاً صحيحاً ويترتب عليه كل ما يتعلق بالزواج عند المأذون. ويؤكد الشيخ فكرى لو أن سيدة وقعت فى الخطأ واستطاعت أن تعيد لنفسها صفة العذراء بأى طريقة وتزوجت زواجاً متكامل الأركان، ولم تخبر أى إنسان أو زوجها وسترها الله وتابت إليه وندمت على ما فعلت هذا الزواج أصلاً صحيح؛ لأنه متكامل الأركان.