حملت عبارات الرئيس مبارك، خلال برقيته لتهنئة أقباط مصر والجاليات القبطية فى الخارج، رسالة واضحة أكدت على محاسبة من يقفون وراء محاولات الوقيعة تلك بقوة القانون.
قال الرئيس مبارك، "لن نسمح بمحاولات الوقيعة بين المسلمين والأقباط"، قبل أن يؤكد فى النهاية على أن مصر ستظل وطناً آمناً لكافة أبنائها دون أدنى شبهة للتفرقة أو التمييز. ولم تشر رسالة الرئيس إلى أشخاص بعينهم أو مواقف محددة، لكنها حملت مضموناً اتفق عليه مفكرون ومثقفون أقباط ومسلمون، وإن اختلفت الطريقة التى يراها كل منهم لعلاج أسباب الاضطرابات الطائفية.
يرجع الكاتب الصحفى صلاح عيسى رئيس تحرير جريدة القاهرة، عودة الفتنة الطائفية بين الحين والآخر للمتعصبين من المسلمين والأقباط، مؤكداً أن التعصب الذى تغلغل فى المجتمع المصرى، تسبب فى خلق حالة من الاحتقان الطائفى، الجاهز للانفجار عند أبسط خلاف بين المسلمين والأقباط.
وشدد عيسى على أن المتطرفين، من الجانبين، هم الأساس فى تصعيد حالة الاحتقان، مستبعداً أن تكون هناك رغبة للانحياز ضد أى طائفة فى مصر، لأن ذلك "ليس فى مصلحة أحد" بحسب عيسى، الذى أضاف أن نسبة المتطرفين التى لا تذكر مقارنة بباقى المصريين، هى التى تشعل أزمات وصراعات يدفع ثمنها جميع المصريين فى النهاية.
شعور بالفزع فى نفوس الأقباط
اتفقت د.فادية مغيث الباحثة فى المشاركة السياسية، مع طرح عيسى مؤكدة أن 80 مليون مصرى يدفعون ثمن تطرف نسبة لا تذكر، لكن تأثيرها كبير، وأضافت أن التطرف الذى امتد خلال السنوات الثلاثين الماضية، خاصة من الجماعات الإسلامية الأصولية، تسبب فى ترسيب شعور بالفزع فى نفوس الأقباط، تضاعف مع انتشار مفاهيم ومصطلحات ذات بعد طائفى، يقف وراءها متطرفون إسلاميون، وأضافت "كل مدعى إسلام دلوقتى بيحاول يعمل بطولة على حساب الآخر، فيهاجم المسيحية تحت دعوى الدفاع عن الإسلام".
وانتقدت د.فادية التعامل الأمنى مع قضايا الأقباط والمسلمين على طريقة "قعدة العرب"، و"بوس راس عمك"، التى لا تخرج عن كونها مسكنات وقتية لا تعالج الأسباب الحقيقة لاشتعال المشاكل الطائفية، التى تنقلب إلى فتن وأحداث دموية بعد ذلك.
من جانبه أكد المفكر القبطى جمال أسعد، أن قلة من أقباط الخارج يتسببون بأفعالهم فى مضاعفة الاحتقان الطائفى بين المصريين، وقال "للأسف هؤلاء يستغلون مشاكل صغيرة وعادية لإثارة الغرب، واستعداء الخارج للضغط على النظام المصرى تحت دعوى مشاكل الأقباط"، وأضاف أنهم بذلك يطبقون أجندة أمريكية تسعى لتقسيم منطقة الشرق الأوسط على أساس طائفى، وشدد أسعد على ضرورة حل مشاكل الأقباط فى الداخل، برغبة حقيقية، وليس استجابة لضغوط خارجية، لأن تلك الضغوط، وإن كان لها تأثير على النظام المصرى، إلا أنها لن تخفف حدة الاحتقان الذى تنامى عبر سنوات من التطرف عند كلا الجانبين.
ممارسات فردية
وأكد المفكر القبطى ميلاد حنا، أن الإسلام والمسيحية تعايشا مع مصر لأكثر من 14 قرناً متصلة، لم تتصاعد خلالها القلاقل إلا فى العقود الأخيرة، ووصف هذه القلاقل بالفردية، مشيراً إلى أن الغرب ساهم بشكل كبير باستعدائه للإسلام فى الخارج، وهو ما انعكس على الداخل فى صورة حساسيات بين المسلمين والمسيحيين، تنطفئ جذوتها أحياناً فى المهد، وتتصاعد فى أحيان أخرى بصورة مأسوية، وأكد حنا أن علاج أسباب الاحتقان ممكن، لكنه يحتاج رغبة حقيقية، وخطوات جادة من القيادة السياسية، تدعهما رغبة حقيقية فى الإصلاح الداخلى من جميع الأطراف