لا أنكر أننى من مؤيدى سامح عاشور، رغم أننى لست محامياً ولا ناصرياً، لكن خلال السبع سنوات التى أمضاها نقيباً للمحامين، وفى ثلاثة انتخابات خاضها كان حريصاً على قومية النقابة، بمعنى أن يخوض الانتخابات ومعه قائمة من المحامين الذين يمثلون كافة ألوان الطيف السياسى، وهذا فى حد ذاته أمر يحسب له.. لا عليه.
وانطلاقا من هذه المقدمة فإننى لا أخفى حزنى على فشل سامح عاشور فى الفوز للمرة الثالثة بمنصب النقيب، وإن كنت أخذ عليه، ترشحه هذه المرة استناداً إلى حكم قضائى حل مجلس نقابته قبل اكتمال المدة القانونية وكان يفترض به كرجل قانون أن يكتفى بدورتين حتى ولو غير مكتملتين ليضرب بذلك مثالاً يغيب كثيراً عن حياتنا.
عموماً أدلى المحامون بأصواتهم، وانتخبوا من يرونه الأصلح، وإن كانت الانتخابات لا تأتى دائماً بالأفضل، لكنها إرادة الناخبين التى يجب احترامها على أية حال، وذلك لا يمنع أيضاً من القول، إن الفرح الإخوانى الكبير والزعم بأنه أسقطوا سامح عاشور ليس فى محله على الإطلاق.
لقد ترشح سامح عاشور فى دورتين سابقتين وصوت الإخوان ضده، وتحالفوا مع رجائي عطية، ولم يفلحوا فى توصيله لمقعد النقيب، لذلك لا مكان للزعم بأن قوة الإخوان الطاغية هى التى أطاحت بعاشور من نقابة المحامين، لأن الحقيقة المجردة هى أن سامح هزم نفسه بنفسه حين خاض الانتخابات للمرة الثالثة، ولأن الناس فى كل الأحوال تفضل التغيير، ولا تريد مسئولاً فى أى موقع لسنوات طويلة، ولأن عاشور تعرض لحرب شعواء، وتعريض بذمته المالية رغم عدم ثبوت أية اتهامات بحقه، لكن العيار الذى لا يصيب "يدوش".
وأعتقد أنه لو كان الإخوان بمثل القوة التى يزعمونها لاستطاعو إيصال كل مرشحيهم، بينما النتائج الأولية غير الرسمية حتى فجر اليوم تظهر فشل 12 من مرشحيهم فى المحافظات، وهو رقم كبير جداً لمن يدعون أنهم يسطيرون على الشارع، وهو نفس الكلام الذى يمكن أن يقال عن الحزب الوطنى.. لا أحد يملك الشارع.. ولا أحد يمكنه تحريكه وتوجيهه كيفما يشاء ومتى أراد.
انتخابات المحامين رسالة لكل القوى السياسية فى هذا البلد مفادها، أن التغيير سنة الحياة، والجماهير لا تريد من يتشبث بالسلطة، والنجاح الحقيقى فى أى انتخابات هو نجاح للمصوتين الذين يدلون بأصواتهم ويختارون من يمثلهم وفقاً لقناعات داخلية وبعيداً عن أى تأثيرات أو مغريات، أو حتى مزاعم هذا الفصيل أو ذاك بالقوة.
وأود التوقف أيضا عند حالة الشك والريبة فى القضاء، وقد رأينا خلال فرز أصوات الناخبين تظاهرات إخوانية ضد الهيئة القضائية المشرفة، تطالب بإعلان النتيجة، فيما يشكل ضغطاً معنوياً على القضاة من ناحية، وتشكيكاً فى مصداقيتهم من ناحية أخرى، ولم يقف الأمر عند المظاهرات إنما امتد إلى بيانات وأخبار على موقع الإخوان على الإنترنت.
وأخشى أن مثل هذه التصرفات تؤثر على العلاقة بين المواطنين والقضاء، وتفقد الناس الثقة فى العدالة القضائية، وكان قد استقر فى وجداننا أن القضاء هو حصن العدالة الأخير، لكن التجرأ عليه والتشكيك فى حياديته "عمال على بطال" سيكون الحجر الأخير الذى نرمى به استقرار هذا الوطن.
كنت من أشد الداعمين لفكرة الإشراف القضائى على أى انتخابات تجرى فى مصر، لأننا لا نستطيع الحفاظ على نزاهة أى انتخابات، لكننى أرى فى نفس الوقت أن هذا الإشراف أفقد القضاء الكثير من هيبته لدى الناس، لذلك نحن مطالبون بإعادة الاعتبار للقضاء المصرى الشامخ، لأنه ليس قضاءً تحت الطلب، ولا يمكن أبداً وصمه بالتزوير أو الانحراف، رغم أنه قد يكون به بعض ضعاف النفوس مثل أى مجال آخر فى البلد.