حين هاجم فاروق حسنى الحجاب جنّدَ للدفاع عنه بعض رجاله فى عالم الصحافة وهم كثُر، واستمر فاروق فى هجومه باعتبار أن رأيه فى الحجاب رأى شخصى، وأنه من حق أى إنسان أن يعبر عن رأيه فى وطن حر، وحين طلب منه الاعتذار لف ودار ورفض أن يعتذر لملايين المحجبات!
لكن الصورة بدت مختلفة حين تقدم للترشح لرئاسة (اليونيسكو) وحين أراد أن يثبت للمجتمع المصرى بيمينه ويساره أنه (لا يهمه إسرائيل ولا اليهود) وأعلن فى شجاعة نادرة أنه مستعد لحرق الكتب اليهودية والصهيونية ليثبت للمثقفين المصريين، أنه ضد التطبيع والتلميع وأن مواقفه الوطنية غير قابلة للتمييع، لكن هذه الشجاعة بدت مؤقتة وسريعة الذوبان مثل (حليب نستله) ثم جاءت دعوته للموسيقار الإسرائيلى (دانيال بارنبويم) ليعزف فى دار الأوبرا وساعتها قامت ضجة كبرى وتحداه محمود سعد على الهواء فى(البيت بيتك) لكنه وبقدرة عجيبة تصدى للمعارضين وأعلن استمراره فى خطته المرسومة للحصول على تأييد (إسرائيل) واللوبى الصهيونى فى أمريكا وأوربا خصوصا فى فرنسا.
مضى فاروق فى خطته، ولكن الحكومة الإسرائيلية لم تنس ما قاله ولم تغفر له تصريحاته ولم تشفع له دعوته للموسيقار الإسرائيلى ولا كلامه عن السامية والتطبيع وأصرت إسرائيل على (اعتذار رسمى وواضح) ولم يخيب فاروق ظن الصهاينة، وأعلن اعتذاره عبر نفس المنبر(اللوموند الفرنسية) الذى هاجم فيه اليهود قائلا: أريد أن أعرب عن أسفى على كل ما قلته (...) هذه الكلمات تتناقض مع شخصيتى وقناعاتى، مؤكدا أنه بعيد كل البعد عن العنصرية وإنكار الآخر أو النية فى الإساءة إلى الثقافة اليهودية أو أى ثقافة أخرى.
وواضح من الكلمات السابقة أنه ليس مجرد اعتذار عادى ملفوف بلغة دبلوماسية كما جرت العادة، ولكن الوزير استخدم وحسب ما طلب منه كلمات واضحة وصريحة لا تقبل التأويل ولا تبتعد عن الموضوع بل تمس جوهره بشكل مباشر.
بالطبع لم يكن المسلمين فى مصر ولا فى أى مكان ليحصلوا على نفس الكلمات أو كلمات قريبة منها عندما صرح ضد الحجاب باعتباره رمزا للتخلف وعودة للوراء، وأتصور لو أنه هاجم قلنصوه اليهودى (ولن يفعل) فإنه سوف لن يتردد فى الاعتذار مائة مرة!!
ما يعنينى فى الأمر أن سلوك وزير مصرى تجاه عدو حقيقى لا يزال يغتصب الأرض والعرض، ولا تزال قاعدة عريضة من أبناء الوطن يتوجسون منه خيفة، هذا السلوك يزيد من قوة الاعتقاد بأن السياسة المصرية على عكس الشارع المصرى تؤمن بأن إسرائيل صديق وحليف يمكن التقرب إليه والاعتذار له، بل وتسول الشفاعة والعفو من أجل منصب فى مؤسسة دولية لن يضيف لنا شيئا ولو كان يضيف لكان منصب الأمين العام للأمم المتحدة فعل، لكننا والحمد لله شهود على أسوأ فترة مرت على الأمم المتحدة حين تولاها بطرس غالى ليس بسبب عدم كفاءة الرجل، ولكن لأنه كان يتعين عليه دفع ثمن وصوله! ولا أظن أن ثمن وصول فاروق حسنى لرئاسة (اليونيسكو) هو فقط الاعتذار ما قادم هو أسوأ.
آخر السطر
نسيت فى مقالى السابق أن أشيد بفريق حرس الحدود عند ذكرى لفرسان الدورى هذا العام وأعترف أن طارق العشرى اللاعب والمدرب هو واحد من إبداعات الرياضة المصرية فى الوقت الراهن، وهو دليل على أن مصر الولادة ستظل ولادة.