لا أعرف من هو مؤلف تلك المسرحية "الوطنية" التى كنا نقوم بتجسيدها - بمنتهى الحماس والإخلاص – ونحن عيال " مطلعناش من البيضة"، لم يكن أكبرنا قد تجاوز العاشرة من عمره، ولم يكن ضعف الإمكانيات يقف عائقا أمام إقامتنا لنهضة مسرحية ريفية!
كنا نتجمع فى ليالى الصيف ونتسلق أسطح بيوتنا الطينية وفوق مصاطب القش والدريس "البرسيم المجفف" يتحلق الجمهور من بنات وصبيان القرية، ونحن أمامهم مندمجون تماما فى الأداء وقد أخذتنا الجلالة! لا سيما حين نصل إلى الجزء الذى تصيح فيه أختى الكبرى، وهى توجه كلامها لى قائلة:
- شايل سلاحك ورايح على فين؟
- اخزى الشيطان واقعد يا حسين!
فأرد بمنتهى الكبرياء وأنا أحمل "حتة خشبة " سطونا عليها – بشق الأنفس – من مخلفات ورشة نجارة:
- أنا موش ابنك ياماه
- أنا ابن مصر وأبويا النيل!
هنا كانت تلتهب أيادى الجمهور بالتصفيق الحار ونشعره بنشوة غريبة مشوبة برجفة خفيفة تهز أجسادنا بسبب وقع تلك الكلمات:
إلا – مصر – النيل!
كان هذا قبل ربع قرن، لم يكن التليفزيون قد استولى على المكانة التاريخية " لأبو قردان" وأصبح صديق الفلاح والفضائيات عشيقته، ولم يكن الكلام عن الانتماء تسقيه لنا برامج القناة الأولى كما تسقينا أمهاتنا دواء مرا : مهدئ للسعال وطارد للبلغم!
لم نكن كبرنا بعد، وأفقدتنا المبيدات المسرطنة براءتنا، وقضت حفلات التحرش الجماعى على آخر أمل للنخوة فينا، لم يكن "أجيب لكم منين " شعار كبار المسئولين، وكانت 99 % من أوراق اللعبة لا تزال فى يد أمريكا ولم تتحول إلى إسرائيل بعد، مضافا إليها 0.9 " تسعة من عشرة فقط لا غير"، لزوم العبور إلى المستقبل!
كانت الكاتبة الثورية لطيفة الزيات لا تزال تحلم بتغيير العالم وتغنى : يا أهلا بالسجون ، وهى لا تعرف أنه بعد مرور عشرين سنة سيصبح أقصى أحلامها عبور الطريق دون أن تدهسها عربة طائشة!
وأنا لا أريد ان "أعكنن" على معاليك، فهذا المقال شعاره : زورونا ما تنسونا، واضحك قبل ما بطرس غالى يفرض ضريبة على القهقهة، وقول يا باسط تلاقيها هاصت، وفى أسوأ الأحوال عك وربك يفك!