نيويورك تايمز: النيل ملاذ المصريين الأخير

لطالما قدس المصريون نهر النيل واعتبروه مصدراً للحياة منذ عهد القدماء المصريين وحتى وقتنا هذا، وأصبح ملاذاً لهم بعيداً عن هموم الحياة اليومية ومشقة العمل، وترصد صحيفة نيويورك تايمز فى عددها الصادر اليوم الخميس، أهمية هذا المأوى الآمن بالنسبة للمصريين، إذ تقول إن الكثير من الشباب يلجئون إلى ضفاف النهر للتخلص من الضغوط التى يشعرون بها بعد يوم طويل من العمل.

ويصف كاتب التقرير، مايكل سلاكمان، كيف يأتى الناس من كل صوب عندما يجن الليل إلى كوبرى المنيب، هذا الكوبرى العتيق الذى لا يكل ولا يمل من حمل السيارات والعربات التى لا تكف عن الجرى طوال الليل والنهار، للبوح للنيل بمشاكلهم وأعبائهم.

يقول سلاكمان إن القاهرة مدينة مزدحمة يقطنها العديد من الناس، وتعرف بمبانيها القديمة والمكتظة بالسكان، وشوارعها الضيقة وحركة السير البطيئة والمخنوقة. وعلى الرغم من وجود بعض الحدائق، إلا أنها مسورة ويجب دفع رسم دخول للتجول فيها، لذا ينقض المصريون على الأماكن العامة ويجعلوها ملكاً لهم، وأكثر هذه الأماكن شعبية هى الكبارى التى تطل على نهر النيل، وتأتى بعدها الحدائق الصغيرة التى توجد على الطريق وتحيطها السيارات من كل جانب.

يقول أحمد نادى، الذى يأتى كل يوم إلى كوبرى المنيب "نحن متعبون ومضغوطون، ولا يجد الناس سبيلاً آخر سوى خلق مساحة لهم، وعلى الرغم من أنه مساحة ضيقة، إلا أنهم يشعرون بالسعادة فيها".

ويشير الكاتب إلى أن شدة وحجم المشاكل التى تعانى منها مصر، من فقر مزمن، وفساد، وركود سياسى، قد دفع الكثير من الدبلوماسيين الغربيين خلال السنوات الماضية إلى التساؤل عما إذا كانت مصر دولة مستقرة؟، وهل ستشهد انقلابا سياسيا أو اندلاع موجة من أعمال الشغب؟. يقول الكاتب إن دبلوماسيا أمريكيا بارزا خلص إلى أن مصر دولة "مستقرة نسبياً"، وعلى الرغم من أن الشعب يشعر بالانهزام والسلبية، إلا أن المصريين يعرفون كيف يتدبرون أمورهم فى الظروف الصعبة.

المصريون يعرفون كيف يتجاهلون ما لا يستطيعون تغييره ويرتجلون إذا سنحت لهم الفرصة، ويقودون بعكس الطريق فى الشوارع ذات الاتجاه الواحد، ويتعامون عن رؤية إشارات المرور، ولا ينتظرون طوعاً أبداً فى الصف، ويتجاهلون البيروقراطية الحكومية، فهم يقاتلون من أجل استمرار مسيرتهم وحياتهم اليومية. ويقول سلاكمان إن الوقوف أو الجلوس على الكبارى من الناحية الفنية، أمر غير قانونى، ولكن فى مصر، من يهتم بالفنيات؟.

ويقول عبد الرحمن الأبنودى، الشاعر المصرى الشهير، إن "الناس يلتزمون بالقانون حتى فى دول الخليج، أما الناس هنا إذا أصبحوا منظمين، سيموتون. (والسلوك الذى يتبعونه) نوع من أنواع الهرب، فالضغوط التى يواجهونها فى حياتهم اليومية أكثر من كافية". ويصف الكاتب كيف يتشح النيل بالسواد ليلاً، ليصبح بمياهه الغامضة الملاذ الوحيد لأهالى هذه المدينة المزدحمة ليحدقوا بهذا الفضاء الواسع الذى يوفر لهم علاجاً روحانياً بعيداً عن الشقق الضيقة، والرواتب الضعيفة، والفرص القليلة.

ومن جانبه، يقول عبد الحليم إبراهيم عبد الحليم، أستاذ الهندسة المعمارية فى جامعة القاهرة، إن "المصريين مناضلون" ليتمكنوا من تحمل مشقة هذه الحياة بل ويعثرون على لمحات من السعادة تحت وطأة هذه الظروف. ويضيف أن هذا الشعور "متأصل فى الثقافة المصرية، تلك الثقافة التى استمرت لآلاف السنوات". ويلفت سلاكمان إلى أن القاهرة كانت مدينة واسعة تعرف بالأماكن الشاسعة ولكن هذا كان منذ زمن بعيد، قبل أن تزداد الكتلة السكانية بهذا الشكل.

aj_server = 'http://rotator.adjuggler.com/servlet/ajrotator/'; aj_tagver = '1.0';
aj_zone = 'sarcom'; aj_adspot = '458170'; aj_page = '0'; aj_dim ='436842'; aj_ch = ''; aj_ct = ''; aj_kw = '';
aj_pv = true; aj_click = '';