فوز تاريخي لمصر على بطل العالم بكل خبراته ونجومه وتكتيكاته وخطوطه المغلقة، ساهم فيه عصام الحضري بالدور الأكبر. حارس بوابة "سوبرمان" أغلق كل الطرق إلى مرماه، صواريخ وانفرادات ومفاجآت كان لها في الوقت المناسب والمكان المناسب.
أكثر من مشهد لنجوم ايطاليا وهم حائرين مندهشين من هذا الساحر الذي جعل مديرهم الفني "ليبي" يصفه بأنه من الحراس العظماء القليلين في العالم.
مشهد نجم كوت ديفوار "دروجبا" وهو يسدد من جميع الاتجاهات وبكل أوضاع جسمه في زوايا قاتلة، ومع ذلك يمنعها "السد العالي" تكرر أمس أكثر من مرة ومع أكثر من نجم من نجوم الكرة الايطالية العالمية.
كان دروجبا في كل مرة يشد شعره ويضع يديه على رأسه ناظرا إلى الحضري. وهكذا فعل الايطاليون أمس، فقد عدموا كل الحلول وانسدت أمامهم السبل، ولم يعد أمامهم شيء يفعلونه ليسجلوا فيه.
كما هاجمنا الحضري ولدغناه بأقلامنا وتحليلاتنا، من حقه أن ننسب له الفضل الأكبر في الفوز التاريخي. لنقل له هذا فائدة النقد وفائدة أن يتفهم الأقوال والكلمات التي قست عليه وأوجعته عندما اهتز مستواه وهبط هبوطا كبيرا، فتحدى الجميع وتحدى نفسه وعاد إلى لقبه الغالي "السد العالي".
صحافة روما أشادت بأداء الفراعنة، واختارت إحداها عنوانا طريفا "ايطاليا بالملابس الداخلية" استهلمته من مشهد اللاعب الذي انخلع عنه الشورت نتيجة للضغط الذي فرضه المصريون بطول وعرض الملعب، وهو المشهد الذي ركز عليه مخرج المباراة!
لولا المستوى العالي للحضري وثبات مستواه طوال الغزوات الايطالية التي لم تتوقف حتى نهاية المباراة، بمساعدة الحكم الذي تحامل علينا في الربع ساعة الأخيرة، لانهزمنا بعدة أهداف. فكل الكرات التي امسك بها أو تصدى لبعضها بطرق انتحارية، لا يلومه أحد لو دخلت.
بعد الحضري يأتي دور عريس الفرح.. حمص الذي سجل الهدف بكرة متقنة وصلته من ضربة ركنية نفذها أبو تريكة.
حمص في أول مشاركة رسمية له مع المنتخب كأساسي، سجل في مرمى الحارس الأفضل والفريق الأول في العالم. قفز أعلى من الأبراج الايطالية، وسدد صاروخا برأسه حف بالقائم من الداخل واحتضن المرمى.
بعد ربع ساعة من الشوط الثاني طلب حمص التغيير نتيجة الجهد الكبير الذي بذله، حتى ان الاحصائيات بينت أنه جرى ما مقداره 12 كيلو مترا، خاصة أن هذه أول مباراة له منذ انتهاء الدوري العام.
ورصد الكمبيوتر 28 تمريرة لحمص منها 21 تمريرة صحيحة، أثمنها هدف الفوز، الذي جعل الفنان رامز جلال الموجود في جنوب أفريقيا حاليا، يعلق على تواضعه وهدوئه بعد المباراة بقوله "انت سجلت في ايطاليا، مش في طلائع الجيش"!
لكن شكوى أحمد فتحي من الاصابة، أبقت على حمص، لينزل أحمد حسن بديلا عن الأول. وفي الدقائق التي لعبها أدى دورا مهما بخبرته في الحفاظ على اللياقة الذهنية للمنتخب في الوقت الأخير، بقتل ايقاع المباراة فانهارت عزيمة المنافسين، وفقدوا حماسهم واندفاعهم وتركيزهم.
كل اللاعبين نجوم.. النفاثة سيد معوض، والمتزن العاقل أبو تريكة الذي ظل رمانة ميزان الملعب، وزيدان الذي ظهر للبعض أنه أقل مستوى من مباراة البرازيل، لكنه في الواقع شغل لاعبي الدفاع الايطالي بتخصيص رقابة لاعبين اثنين أو أكثر خوفا من غزوة مفاجئة له، وهو ما قلل الهجوم الايطالي الفعال علينا، والذي لم يتكثف بصورة أصابتنا جميعا بالقلق إلا بعد خروجه.
أيضا خروج سيد معوض زاد من الغزوات الايطالية من ناحية مركزه، فأحمد سمير فرج رغم امكاناته، بطيئ ولا يدافع بصورة جيدة، على عكس معوض الجناح السريع دفاعا وهجوما، والذي عاد لمستواه العالي جدا بصورة لافتة للنظر.
لا ننسى الدور الهجومي الدفاعي للمقاتل أحمد فتحي بمساندة شوقي وسعيد أوكا وهاني سعيد ووائل جمعة. الدفاع الذي تسبب مع الحضري في أهداف البرازيل الأربعة كان نقطة القوة في مباراة ايطاليا.
لابد هنا من الاشادة بالجهاز الفني بقيادة حسن شحاتة الذي حول خط دفاعه الكارثي إلى خط حصين الداخل إليه مفقود. كيف اختفت كل ثغراته التي خسر المنتخب بسببها أربع نقاط في تصفيات كأس العالم، ودخل مرماه سبعة أهداف خلال مباراتي الجزائر والبرازيل المتتاليتين.. إنها حكاية كبيرة في حد ذاتها تستحق الوقوف أمامها طويلا.
الكرة توحد الشعوب العربية إلى هذا الحد؟.. سؤال آخر يستحق الوقوف أيضا، فقد خرجت المدن العربية لتعبر عن فرحتها. ما الذي يجعل الانتصارات الكروية تنسي الناس أحزانها ومشاكلها، حتى أن إمرأة اتصلت بإحدى القنوات الفضائية لتقول إن الجنين تحرك في بطنها لحظة تسديد أبو تريكة للركنية التي جاء منها الهدف.
سيسأل البعض: لماذا نسيت حسني عبد ربه؟!.. لم أنسه فهو القاعدة الأولى للهدف من التسديدة التي أخرجها الحارس الايطالي لركنية بصعوبة بالغة، ومنها صنع أبو تريكة الرفعة المتقنة التي سجل منها حمص الذي قالت العرب بعد المباراة إن سعره زاد في المحامص وأصبحت له نكهة البيتزا الايطالية!
يبقى ألا نبالغ في الفرحة.. وألا نصعد الأبراج الكروية العالية ثم نتهاوى أمام البنايات الأسهل!
أقول هذا حتى لا نفقد همة الاستعداد والخوف الصحي من مباراة الولايات المتحدة، فمنتخبها خرج من حسابات البطولة، وليس لديه ما يفقده، وسيلعب بدون ضغوط، على عكسنا نحن.. فبعد أن كنا نلعب للمتعة فقط دون طمع في الفوز أو المواصلة للدور التالي، الآن الجميع ينتظر منا تجاوز أمريكا الأسهل من بطلي العالم الكبيرين البرازيل وايطاليا بمراحل.. وآه يا خوفي من هذه المباراة!
ومع ذلك نطالب المنتخب المصري مرة أخرى باللعب للمتعة وبنفس الحماس والقوة والاصرار