بينما نحن نخوض معركة تنافسية شريفة وكبرى فى كأس العالم للقارات بجنوب أفريقيا.. تخوض قياداتنا الرياضية معركة كبرى مشبوهة فى أروقة اللجنة الأوليمبية بين أعداء الأمس واليوم وغداً..
وبينما الهدف من المعركة الشريفة خارج الحدود, هو إعلاء مكانة وقيمة الرياضة المصرية فى محاولة «فردية» من المنتخب الوطنى لكرة القدم.. فإن الهدف من المعركة المشبوهة داخل الحدود هو «إركاع» الرياضة المصرية مزيداً من السنوات القادمة, تحت أقدام مجموعة محدودة من الأسماء التى احتكرت القيادة بوضع اليد.
وبينما ينتفض البرلمان الإسبانى غاضباً ومنزعجاً من المبالغ الخيالية التى دفعها نادى ريال مدريد لشراء النجمين كاكا وكريستيانو رونالدو, وبلغت 230 مليون دولار, ليس لأن النادى دفع من خزينته فهو حر فى نطاق الاقتصاد الحر.. بل لأن البنوك أقرضته أكثر من مائة مليون دولار فى الوقت نفسه الذى تضع فيه عراقيل عند إقراض شركات أو أفراد أو عائلات.. أى أن نظرة البرلمان موضوعية وواقعية وفاهمة لما يدور حولها حتى لو شارك البرلمان الاتحاد الأوروبى لكرة القدم اندهاشه وتحفظه على هذه القفزات العجيبة فى أسعار النجوم..
فإننا فى مصر نرى برلماناً ترك اقتصاد الرياضة للجنة الشباب التى حفظت دوراً هامشياً تؤديه، وهو الاعتراض الروتينى الذى لا يترك صدى ولا تأثيرا، ولا يزيد على كونه تسجيل موقف، وتم الصمت فوراً عندما يقترب الموقف من درجة اتخاذ إجراءات فعلية.. وهى حالة صوتية نسمعها تكرر طلب وقف ظاهرة الإنفاق السلبى على الرياضة، متمثلاً فى مساهمات رجال الأعمال فى شراء اللاعبين أو الصرف على حملاتهم الانتخابية، بينما تستطيع أن تطالب هؤلاء بممارسة مظاهر أخرى من الإنفاق فى قضايا إسكان الشباب، والعلاج، وانهيار البنية الأساسية للرياضة، وغير الرياضة..
فمن يدفع مليون جنيه للاعب، لماذا لا يدفع مثلها لتحسين الصرف الصحى فى حى شعبى، أو يطور مركزاً للشباب أو يكون أكثر كرماً فى المساهمة فى حفل زواج جماعى، حتى لا يكون عندنا ما يزيد على ستة ملايين عانس.. هذه هى الموضوعية والواقعية التى تغيب عنا ونفتقدها وتجعل تصرفاتنا وقراراتنا غير عملية، وغير قابلة للتنفيذ..
فلا يستطيع أحد أن يوقف عجلة نشاط رياضى، مهما بلغت تكلفته لأنه أكثر ارتباطاً والتصاقاً بالشعب من أى نشاط آخر.. لكن يستطيع الجميع أن يمارسوا ضغوطاً كى يتوازن الانفاق على كل المجالات، ويسير المجتمع كتلة واحدة مرتبة ومتوازنة فى أولوياتها.
هذه الموضوعية والواقعية هى التى ترسخ السلام الاجتماعى فى الدول المتقدمة حتى لو كانت متقدمة علمياً واقتصادياً، وفقيرة فى مظاهر الاستهلاك والمعيشة مثل الصين.. فمن الموضوعية والواقعية تنبت وتترعرع العدالة التى هى أساس السلام الاجتماعى.
وعندما تعادل المنتخب الوطنى مع زامبيا فى تصفيات كأس العالم وانهزم من الجزائر لم يكن موضوعياً وواقعياً، وتعامل مع الموقف بخيال وبلا حسابات دقيقة توفر مقارنة سليمة وصحيحة.. وعندما حقق نتائج مبهرة فى كأس العالم للقارات، كان قد استيقظ من غفلته وتخلى عن خياله السارح فى اللامعقول، واستخدم عقله فى تقدير الحسابات ولعب بواقعية تحدد نسباً مئوية لفوزه وهزيمته، ولم يعمل بالشعار المصرى الذى نعيش به يومياً، وهو أن الممكن مستحيل والمستحيل ممكن فى مصر.. ليس استناداً إلى إرادة شعب يسعى إلى التغيير بل استناداً إلى حالة خنوع وإقرار بأن هذا الشعب لا يملك إرادة أصلاً.
إذن علينا ألا نستغرب هذا النشاز بين معركة شريفة فى كأس القارات، وأخرى مشبوهة فى اللجنة الأوليمبية.. بين مستحيل تحقق فى البطولة، وممكن لم يتحقق أمام زامبيا والجزائر