هل تحتاج القضية الفلسطينية إلى قنابل جديدة، وهل تطلب فضيحة أخرى.. هى أكثر القضايا التى تزدحم بالفضائح والقنابل، التى تنفجر فى وجه أصحابها، أكثر مما تصيب الأعداء.
أقول هذا بمناسبة ما سمى بفضيحة وثيقة قدومى حول اغتيال عرفات، فالسيد أبو اللطف هو أحد مؤسسى منظمة التحرير الفلسطينية وحركة فتح، ويقول إنه حرصا منه على خدمة القضية وحمايتها أعلن عن الوثيقة القنبلة، وكشف أن الرئيس الراحل ياسر عرفات ائتمنه على محضر اجتماع يؤكد أن أبومازن ودحلان اجتمعا من شارون وقيادات أمنية واستخبارية إسرائيلية وأمريكية لبحث اغتيال الرئيس الفلسطينى عرفات بالسم. والتخلص من قيادات حماس وفتح والمقاومة. ومع أن كلام أبواللطف ليس جديدا، فقد فتح شهية المحللين والمحرمين فى الجزيرة وغيرها لبحث الوثيقة والتأكيد على ما جاء فيها، وهات ياتحليل، وطبعا من أجل مزيد من الموضوعية، فقد افتتحت الفضائيات لحفلات ردح متبادل، تبادل فيها الإخوة الفلسطينيون الشتائم والاتهامات بالخيانة والعمالة والمزايدة، إلى آخر قاموس «الاتجاه المعاكس». الذى أرسى ثقافة الحوار بالسنجة الفكرية بين المثقفين العرب.
سنوات طويلة ونحن نسمع عن وثائق وتقارير تكشف وتعرى الخيانات العربية المتبادلة، فهذا الزعيم تحالف مع السى آى إيه، وهذا القائد له علاقات بالأجهزة الاستخبارية، ولا يوجد سياسى نجا من الاتهام بالعمالة أو العمل لصالح جهة أجنبية، ناهيك عن الإعلام الذى يجد فى كل هذا مادة جذابة لنصب مزيد من المناوشات والاتهامات والمعارك. التى غالبا ماتترك القضية الرئيسية وتنحرف إلى فرعيات تتفرع إلى فرعيات، ولاتنتهى لشىء غير التأكيد على أن العرب أمة من الخونة والمرتزقة والانتهازيين، وليدلنا واحد على شخص واحد يعمل لوجه الله والوطن.
ومع اختراع الفضائيات تأكدت النظرية التى تقول إن العرب ظاهرة صوتية وضوئية، إذا اجتمع اثنان يبحثان عن الاختلاف، وإن تبقى واحد يختلف مع نفسه، وبعد سنوات من النضال والعناء والبيانات الحماسية، من القاهرة للخرطوم، ومن دمشق إلى اليمن، إلى بيروت.
القضية الفلسطينية لاتحتاج إلى قنبلة جديدة، وتكفيها الانفجارات التى تطاردها منذ اللحظة الأولى لزرع الدولة الإسرائيلية فى المنطقة، وكل فصيل فلسطينى أصبح مشغولا بجمع كل ما تصل إليه اليد من فضائح للطرف المنافس، ولا يمر يوم دون أن تسرب حركة حماس وثيقة تشير إلى أنها تكشف خيانة فتح وتواطؤ السلطة. أما فتح فإنها تبذل قصارى جهدها لتسريب وثائق تدين حماس وعنفها وانقلابيتها. والنتيجة أن فلسطين تقف وحيدة، لا تعرف إن كانت تبكى من أعدائها أم من أبنائها. الذين صعدوا المنابر ونسوا أن الحروب فى ساحات المعارك وموائد المفاوضات.
لقد أصبح الإسرائيليون أقرب للفسطينيين من الفسطينيين لبعضهم. والزعماء القادة يواصلون معاركهم أمام شاشات الفضائيات، يتحدثون عن دخول التاريخ وقد خرجوا منه بامتياز ورموا بأنفسهم فى شتات اختاروه وصنعوه بأنفسهم. ألف جلسة فشلت فى إصلاح حماس وفتح والجهاد، لأن كلا منهم يريد فضح الآخر ويخفى وراء ظهره خنجرا.
ولا ينسى كل زعيم فضائى أن يعلن الانتصار على العدو الذى هو بالصدفة فلسطينى، بينما العدو الإسرائيلى يواصل توسعه وانتصاره، ويضحك من زعماء الفضائح يفضحون بعضهم.
ولا تثريب على إسرائيل التى يفترض أن تتآمر على أعدائها، لكن اللافت والمثير هو أن يتآمر الإخوة على بعضهم وعلى أنفسهم.
هى حرب أهلية ليست بين فتح وحماس ولا بين المنظمة والإسلاميين ولا بين حكومة ومعارضة، إنما بين سلطة تحكم وسلطة أخرى تحكم.. حرب دمرت إمكاناتهم وأضعفت موقفهم وخربت قدرتهم على المقاومة وعلى التفاوض، واستفادت منها إسرائيل، كما تستفيد من كل فضيحة وكل وثيقة. وآخرها وثيقة أبواللطف، التى لن تفيد حماس ولا فتح ولا أبواللطف، ولا أحد غير إسرائيل.
لقد كانوا زمان يقولون لنا إن الاستعمار يعمل بطريقة «فرق تسد»، ومع أننا نحفظ ذلك ففى كل مرة يفرقنا نتفرق، فيسود، ونتهم المؤامرة، وليس هناك من يتآمر على المتآمرين الذين يبحثون كل يوم عن فضيحة جديدة.