هزتنى بعنف قضية "عماد الكبير".. وتقطعت شرايين قلبى عندما لفظت أنفاس شاب المنصورة على يد ضابط المباحث هناك، وأصابنى الاكتئاب عندما احترق شاب لم يصل عمره (20 عاماً) بعد، عندما سكب عليه أحد ضباط مطروح البنزين وأشعل النيران به، وبعد تدهور حالته تم نقله إلى "ليبيا" عسى أن تفيض روحه هناك، ويتم دفن القضية نهائياً، إلا أن القدر لعب لعبته وتعافى الشاب واتصل بأهله وسرد لهم روايته لتتكشف بعدها الحقائق كاملة.
شعرت بعد هذه الحوادث وما شابهها أن جهاز الشرطة فى مصر أهم أولوياته تعذيب المواطنين دون تفريق بين مظلوم أو ظالم، وأنا ولكونى لا تربطنى أى علاقة بضباط الشرطة، وإن كانت علاقتى برجال القضاء أكثر وأعمق، فإننى بنيت حكمى المسبق على ما أقرأه فى الصحف وأشاهده فى بعض البرامج التليفزيونية وما يحدثنى عنه زملائى فى أقسام الحوادث بالصحف المختلفة، حتى ساقتنى الأقدار إلى مرور مدينة السلام لإنهاء تراخيص سيارة اشتريتها خلال الأيام القليلة الماضية، ولا أذيع سراًَ أننى "شيلت" لهذا المشوار ألف هم وهم لأننى سأتعامل مع ضباط المرور.
ذهبت إلى مرور مدينة السلام الأسبوع الماضى وبمجرد دخولى إدارة المرور، حدث ما كنت متوجساً منه خيفة، حيث تفجرت مشكلة لم أتخيل أنها تحدث أو تعبر ولو من بعيد فوق مجال خيالى، ودون داعٍ لخوض شرح تفاصيل هذه الإشكالية، التى أظهرتها الأوراق والمستندات، فإن الأمر استدعى معه الذهاب إلى مكتب رئيس مباحث مرور مدينة السلام النقيب محمد ناصف، وداخل المكتب فوجئت برئيس المباحث يطلب منى الجلوس، ويستدعى ساعى مكتبه عارضاً علىَّ ماذا أشرب، فى هذه الأثناء دار بخلجى فى "فيمتو ثانية" شريط ما كنت أسمعه وأقرأه عن معاملة ضباط الشرطة السيئة مع المواطنين، وأقارن بين ما يحدث معى فى مكتب النقيب محمد ناصف، فأصابتنى الدهشة، وسقط بين يدى مبدأ خطأ التعميم، فكم طائرة تقلع من جميع مطارات العالم يومياً ولا يشعر بها أحد، وإنما عندما تسقط طائرة واحدة تقوم الدنيا ويصيب الهلع المواطنين ويخشون ركوب الطائرات، متناسين أن عشرات المئات من الطائرات تقلع يومياً وتصل بسلامة الله.
طلبت شاياً وكوب ماء، وبسرعة وجدت الشاى وزجاجة مياه معدنية "مثلجة"، وفتش النقيب "ناصف" فى الأوراق وحل الرجل المشكلة، وهنا وبحكم مهنتنى دفعنى فضولى لمناقشة رئيس المباحث عما أسمعه عن سوء معاملة الشرطة، فأجابنى بصفتى مواطنا وليس صحفياً، بأن ضباط الشرطة مهمتهم الأولى خدمة المواطنين وحمايتهم وليس الإساءة إليهم أو ترويعهم، وأنه كضابط مباحث يرفض تماماً مبدأ إساءة أو تعذيب أى مواطن، وأن الغالبية الكاسحة من ضباط الشرطة تؤمن بهذا النهج، ولو حدث تجاوز من ضابط أو أمين شرطة فهى حالة فردية سيلقى العقاب من رؤسائه مثله مثل كل الفئات الأطباء والمهندسين والصحفيين وغيرهم، لذلك فإن التعميم خطأ.
الحقيقة أيقنت أننى أقف أمام ضابط مباحث مثقف يعرف حدود واجباته ويحاول أن يرسى ويدعم مبدأ العلاقة بين الشرطة والمواطنين القائمة على الاحترام المتبادل وليس الخوف، وأن مكتبه مفتوح على مصراعيه لمن لديه شكوى، وخرجت من المكتب نادماً على أننى عممت واقعة تعذيب سمعتها أو قرأتها، وأصابت سهامى ذات الرؤوس المسممة بالشك والريبة جميع الضباط، وأيقنت أن النقيب محمد ناصف مثال رائع لضابط يتعامل باحترام وتقدير كبيرين.