ظل المجتمع البشري يعرف عزل الأزواج عن زوجاتهم بالحيلولة دون الإنزال في الموضع المعروف لمنع الحمل. وقد أجمع الفقهاء علي مشروعيته في الجملة.. ولم يشترط الشافعية إذن الزوجة لمشروعية العزل» وذهب جمهور الفقهاء إلي أن إباحة عزل الزوج مشروطة بإذن الزوجة» وعزل الزوج عن زوجته لا يمنع وجوب اتصاله بها لإعفافها عند جمهور الفقهاء » ولأن العزل يعني النزع عند الإنزال أو استعمال الواقي. وذهب الشافعية إلي أن حق عزل الزوج عن زوجته يشمل النزع عند الإنزال. ومجرد الاتصال» لأن في داعية الطبع ما يغني عن إيجابه. ولأن الاتصال بالزوجة من دواعي الشهوة التي لا يقدر علي تكلفها بالتصنع. أما المرأة فلا يجوز لها بالإجماع أن تعزل عن زوجها بغير عذر شرعي كالحيض والنفاس وإلا كانت ناشزاً» لما أخرجه الشيخان عن أبي هريرة. أن النبي " قال: ¢ إذا دعا الرجل امرأته إلي فراشه فلم تأته فبات غضبان عليها لعنتها الملائكة حتي تصبح¢.
قد ثارت مؤخرا قضية من أخطر القضايا الاجتماعية المعاصرة وهي عزل الزوج السليم عن زوجه المصاب بالإيدز. خاصة وأن عدوي الإيدز يترتب عليها كمون الفيروس في الخلايا ليتكاثر ويدمر الخلايا المناعية
وبهذا تظهر علي الساحة قضية من أخطر القضايا الاجتماعية المعاصرة. وهي عزل المرأة السليمة عن زوجها المصاب وتغير حكم عزل الرجل عن زوجته الذي كان معروفاً بالإباحة إلي وصف آخر يناسب الغرض من هذا العزل. وقد أجمع الفقهاء المعاصرون علي أن إصابة الزوجين بعدوي الإيدز لا تغير من الواقع الفقهي المعروف في أحكام العزل» لعدم إحداثه شيئاً مع إصابة الطرفين. أما إذا كان أحد الزوجين سليماً والآخر مصاباً فقد اختلفوا في حكم عزل الزوج السليم "رجلاً أو امرأة" عن زوجه المصاب بالإيدز . وذلك علي ثلاثة اتجاهات.
الاتجاه الأول: يري أن من حق الزوج السليم أن يمتنع عن معاشرة الزوج المصاب بعدوي الإيدز. وإذا رضي بها وجب عليه أن يعزل بالعازل المانع من اختلاط السوائل الجنسية. وهو اتجاه الأكثرين . . وحجتهم: أن الاتصال الجنسي هو الطريق الرئيس لنقل العدوي بالإيدز . فوجب علي السليم أن يحمي نفسه بالامتناع منها أو بالواقي العضوي.
الاتجاه الثاني: يري أن إصابة أحد الزوجين بالإيدز لا تمنع حقه من الاتصال بالزوج السليم إذا حقق له الأمان بالعازل الواقي. وهو اتجاه بعض أهل الفقه: وحجتهم: عموم الأدلة المبينة لحقوق الزوجين بما يحقق الاستعفاف المنشود من عقد النكاح. خاصة وأن درجة احتمالات العدوي من جماع واحد لا تتعدي نصفاً في المائة أي مرة كل مائتي مرة إلا إذا كان أحد الطرفين مصاباً بمرض تناسلي آخر فتصل نسبة احتمال العدوي إلي اثنين بالمائة.
الاتجاه الثالث: يري التوقف عن إصدار الحكم الشرعي في هذه المسألة. لحين مزيد من الكشف العلمي في ملابساتها. وهو ما انتهي إليه قرار مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي في دورة مؤتمره التاسع سنة 1995م. وحجتهم: الجمع بين حجج الاتجاهين السابقين. والتربص لمزيد من الكشف العلمي في معرفة حقائق أخري عن هذا الفيروس تؤثر في الحكم.
وهكذا تثير عدوي الإيدز قضية عزل المرأة السليمة عن زوجها المصاب مما يؤكد مساواة الإسلام للزوجين في الحقوق جملة. وصدق الله حيث يقول:¢ ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف"البقرة: 228 كما أظهرت هذه القضية اختلاف الرؤي الفقهية فيها مما يؤكد الحاجة إلي مزيد من البحوث الطبية في الوقاية والعلاج وكيفية التعامل مع عدوي الإيدز» لأن الحكم علي الشيء فرع عن تصوره. وعلي حسب المعطيات العلمية والطبية المتاحة حتي الآن فإن الاختيار الذي نراه هو وجوب عزل الزوج السليم عن زوجه المصاب. وأنه يجب علي من أصيب من الزوجين بفيروس الإيدز أن يخبر الآخر فوراً قبل اللقاء الخاص حتي يحتاط لنفسه.