تساريتسين – ستالينغراد – فولغوغراد تلعب المدينة على امتداد اكثر من 400 سنة دورا مهما في تاريخ الدولة الروسية. وتقع المدينة في منطقة مجرى نهر الفولغا الجنوبي وتبعد عن العاصمة موسكو 1073 كم. باتجاه الجنوب الشرقي، وتمتد مسافة 100 كم، على ضفاف النهر.
تاسست المدينة عام 1589 كقلعة في الضواحي الجنوبية لروسيا وكانت مدينة " تساريتسين " شاهدة على الكثير من الاحداث التاريخية فبالقرب منها ثار جيش ستيبان رازين وبولافين وبوغاتشيوف وغيرهم من قادة الحركات الفلاحية. ففي اعوام 1667 – 1672 انظمت حامية المدينة الى قوات ستيبان رازين وفي عام 1691 شكلت دائرة للجمارك، حيث كانت تجري في المدينة عمليات بيع وشراء الملح والاسماك. في عام 1707 احتل قوزاق الدنسكوي بقيادة بولافين المدينة لفترة قصيرة، لكنهم طردوا من قبل القوات الحكومية التي وصلت من مدينة استراخان. وزار القيصر
بطرس الاكبر المدينة عامي 1722 1723 وقدمها هدية لزوجته يكاتيرينا الاولى. في عام 1727 نهبت المدينة واحرقت واعيد بناؤها عام 1731 واصبحت مركزا عسكريا على الخط بين نهري الفولغا والدون. في عام 1774 حوصرت المدينة من قبل قوات يميليان بوغاتشوف، ولكن لم تتمكن منها.
في بداية القرن 19 بدأت تظهر في المدينة بعض الصناعات الصغيرة ( 3 مصانع للاجر ومصنعين للشموع ومصنع للبيرة ). وكانت تمر خلال المدينة 5 طرق لنقل البريد : موسكو واستراخان وساراتوف وتشيركاسكايا وتساريوفسكايا. وفي عام 1862 بوشر العمل ببناء خط سكك الحديد ( تساريتسين – كالاتش على الدون ) وغيرها. وكانت توجد في هذه الفترة بالمدينة مكاتب لشركات ملاحة عالمية. وفي عام 1880 باشر العمل مجمع ( نوبيل ) لتكرير النفط اضافة الى خزانات للنفط كما وتطورت صناعة السفن وبناء ناقلات النفط وتصنيع الاخشاب. وفي بداية القرن 20 كان في المدينة اكثر من 230 معمل ومصنع، اضافة الى المصارف. واسست شبكة للهاتف في المدينة.
وظهرت خطوط الترام عام 1913 . وفي مركز المدينة اعمدة الانارة الكهربائية وبنيت 10 كنائس ارثوذكسية واخرى لوثرية ودير للنساء الارثوذكسيات ومدارس للبنين والبنات ومكتبتين و5 مطابع ومستشفيين ومستوصف بيطري ومختبر باكنيريولوجي ومحطة للانواء الجوية.
وقد شهدت المدينة معارك ضارية في اثناء الحرب الاهلية ( 1918 – 1920 ).
في عام 1925 اطلق اسم ستالين على المدينة واصبحت تسمى ستالينغراد وصارت مركزا لمقاطعة ستالينغراد. وفي سنوات الخطة الخمسية الاولى تم ترميم وبناء اكثر من 50 مصنع،من ضمنها اول مصنع لانتاج الجرارات ( تراكتورات ) عام 1930 ومحطة كهرباء حكومية محلية وفي عام 1940 احتوت المدينة على 120 مؤسسة صناعية.
خلال
الحرب الوطنية العظمى اعوام ( 1941 – 1945 ) بدأت المعارك على مشارف المدينة وداخلها. ومنذ 17 يوليو/تموز 1942 ولغاية 2 فبراير/شباط عام 1943 جرت احدى اهم معارك الحرب العالمية الثانية – معركة ستالينغراد التي كانت بداية النهاية للقوات الهتلرية الغازية. لقد هجم على المدينة في اول الامر الجيش الالماني السادس وفي 31 يوليو/تموز التحق بها الجيش المدرع الرابع. استمرت
معركة ستالينغراد 200 يوم وخسر فيها الالمان 1.5 مليون شخص بين قتيل وجريح واسير وكان ذلك يعادل ربع القوات الالمانية العاملة على الجبهة الروسية – الالمانية. لقد تحولت المدينة ايام المعركة الى بحر من النيران، حيث انصهر الحديد والحجر وبقي الناس والجنود السوفيت من مختلف القوميات والاديان صامدين. لقد راقب العالم باجمعه هذه المعركة التي لم يشهد التاريخ مثيلا لها والتي شارك فيها اكثر من مليون جندي من الجانبين. وكتبت الصحافة الاجنبية في تلك الايام عن المعركة تقول : ستالينغراد – انها قلعة محاطة بطوق من الفولاذ. وللعلم لم تكن المدينة قلعة محصنة مطلقا. لقد تحولت الى قلعة بفضل بطولة اهلها والمدافعين عنها. في 2 فبراير/شباط عام 1943 كان الانتصار العظيم الذي يعتبر نقطة التحول في الحرب العالمية الثانية، من هنا كانت بداية افول الفاشية الهتلرية. لقد وصف الشاعر التشيلي معركة ستالينغراد
بقوله " ان وسام البطولة هنا يزين صدر الارض ". ونظرا لبطولة اهل المدينة والمدافعين عنها منحت المدينة في 1 مايو/ايار عام 1945 لقب المدينة البطلة.
لقد اعيد بناء المدينة التي لم يكن فيها منزل لم تمسه الحرب واعيد بناء المصانع وكل ماهدمته الحرب خلال فترة وجيزة بجهود اهلها وبمساعدة الشعوب السوفيتية لتعود افضل مما كانت عليه قبل الحرب. لقد تم فتح قناة فولغا – دونسك للنقل النهري وبنيت اضخم محطة كهرباء كهرومائية في اوربا.
وكتعبير عن استنكار عبادة الفرد التي كانت ابان فترة حكم ستالين تم في عام 1961 تغير اسم المدينة لتصبح فولغاغراد.
ان مدينة فولغوغراد حاليا هي مركز صناعي وثقافي وتعليمي ضخم وتعداد نفوسها اكثر من مليون نسمة.
وبفضل موقع المدينة الجغرافي والستراتيجي وتطورها الصناعي فانها تقوم بدور مهم في عملية النمو في المجال الاقتصادي بمنطقة جنوب روسيا، حيث في المدينة مؤسسات صناعية مختلفة مثل صناعات الطاقة الكهربائية والوقود والميتالورجيا بنوعيها الحديدية وغير الحديدية وبناء الماكينات والمجمع الصناعي العسكري والصناعات الخفيفة وصناعة الاغذية وغيرها من الفروع والقطاعات الصناعية.
والمدينة اكبر مركز ثقافي وعلمي في جنوب روسيا، حيث تتمركز فيها 25 جامعة حكومية
و14 جامعة اهلية، يدرس فيها حوالي 50 الف طالب. في المدينة عدد كبير من المدارس والثانويات الصناعية والمهنية.ومن هذه المؤسسات العلمية : جامعة فولغوغراد الحكومية وجامعة فولغوغراد الطبية وجامعة فولغوغراد التكنولوجية واكاديمية العلوم الزراعية وجامعة فولغوغراد للتربية البدنية وغيرها من الجامعات المتخصصة.
في المدينة عدد من المستشفيات والمستوصفات الحكومية والاهلية المزودة باحدث المعدات والاجهزة الطبية والتي يعمل فيها اطباء من مختلف الاختصاصات. كما توجد في المدينة مصحات عديدة يقصدها الناس من مختلف ارجاء روسيا ومن دول اخرى في جميع فصول السنة لما تتمتع به من مناخ لطيف وطبيعة خلابة.
لقد تطورت المدينة وتوسعت كثيرا خلال السنوات الاخيرة وبرزت فيها مباني عصرية وفنادق سياحية من الدرجة الاولى، تقوم بتقديم خدماتها لالاف الزوار من مختلف دول العالم، حيث يقصدون المدينة للتعرف عليها عن قرب. وتوجد في المدينة 5 متاحف و8 مسارح وقاعات للحفلات وغاليريات للوحات الفنية وسيرك وقبة سماوية لعرض حركة الكواكب والنجوم و4 منتزهات و190 تمثال و18 نصب تذكاري 304 اثر معماري. ان اهم هذه النصب هو النصب
التاريخي " لابطال معركة ستالينغراد على مرتفع مامايف " على مساحة 107 هكتار والذي يتوسطه نصب " الوطن الام ينادي ". يبلغ الارتفاع الكلي للنصب 85 م واصبح تمثال المرأة التي تحمل السيف بيدها رمزا للمدينة. ويتبع هذا النصب متحف تاريخي يتضمن 130 الف قطعة تعكس بطولة اهل المدينة والمدافعين عنها. وفي المدينة بانوراما " سحق القوات الفاشية قرب ستالينغراد "وهي الاكبر في روسيا وتبلغ مساحتها 2000 متر مربع. وفي المدينة انقاض بناية تسمى " بيت بافلوف " التي شهدت صراعا عنيفا من اجل السيطرة عليها وكانت تنتقل بين الطرفين باستمرار.
يزور المدينة البطلة سنويا مئات الالف من الزوار المحليين والاجانب وهذا فخر للمدينة واهلها ويحملهم مسؤولية اكبر امام هؤلاء الزوار.