كالعادة وكما كل عام، أقام مجلس الشعب الموقر (المجلس وليس الشعب) قبل أيام حفله السنوي الساهر بمناسبة صدور تقرير الجهاز المركزي للمحاسبات عن الأداء المالي للحكومة، ورغم أن «نِمَر» وفقرات حفل هذا العام جاءت أقل صخباً وإثارة مما شهدناه في حفلات الأعوام السابقة، فإن الدكتور عثمان محمد عثمان ـ وزير التنمية الاقتصادية ـ لم يشأ إهدار المناسبة وتركها تذهب لحال سبيلها وتضيع هكذا دون أن يترك سيادته «بصمة» فنية قوية، من شأنها أن تضع «بسمة» شاحبة علي شفاه جحافل المعذبين في أرض هذا الوطن، أتوقع أن تبقي وتستمر حتي حفل العام المقبل أو إلي أن يموت هؤلاء المعذبون.. أيهما أقرب.
فأما «البصمة» التي سببت «البسمة» فقد أتت في صورة مداخلة مسلية وكوميدية جداً علق خلالها الوزير عثمان علي العرض الذي قدمه الدكتور جودت الملط ـ رئيس الجهاز المركزي ـ لأهم ملامح التقرير، وركز سيادته تعليقه علي ذلك الجزء الذي تحدث فيه الدكتور الملط عما سماه «غناء» الحكومة وادعاءاتها المتكررة بشأن زيادة معدلات النمو، بينما الواقع المعيش يقول إن هذه الزيادة المزعومة لا أثر لها ولم تنعكس علي مستوي معيشة المواطنين، بل ـ بالعكس ـ تفاقم الفقر واستفحل حتي بلغت نسبته أكثر من 23 في المائة في الحضر، وفي الريف ومحافظات الصعيد بالذات قد تقفز هذه النسبة إلي ما يزيد علي 40 في المائة، حسب بيانات وأرقام المؤسسات الدولية الصديقة للحكومة، لكن الدكتور الوزير اعتبر هذا الكلام فيه افتراء وإنكار جاحد لإنجازات حكومة سيادته، مؤكداً أن هذه الأخيرة نجحت منذ العام 2005 في إقناع نحو 7 ملايين و500 ألف مواطن بالخروج بالحسني من الفقر والعدم والذهاب إلي أي حتة تانية تعجبهم، وقد أدي هذا الخروج والهجرة الجماعية الطوعية إلي تخفيض عدد الفقراء في البلد بنسبة 19 في المائة مرة واحدة!!
عن نفسي لا أجد أي سبب يدعوني للشك في حقيقة بيانات الدكتور عثمان الوزير أو الطعن في معلومات سيادته عن الفقر والفقراء وجنس الفقريين عموماً، ومن ثم فأنا أصدق أن حكومة جنابه قامت فعلاً بعملية نقل وتهجير ناجحة لهؤلاء السبعة ونص مليون مصري من حال البؤس والغلب الأزلي إلي مكان آخر مجهول، غير أن الدكتور لابد يعرف أن كثيرين جبلوا أو تعودوا علي التشكيك والظن السيئ في أمثاله وأمثال حكومته، لذلك يبدو ضرورياً ـ لقطع ألسنة الجميع وإخراسهم للأبد ـ البوح والإفصاح العلني عن المزيد من معلومات وتفاصيل العملية المذكورة.. يعني مثلا، كيف تم النقل والنزوح الجماعي وبأي وسيلة مواصلات ؟ بـ«التكاتك» أم «بعبَّارات» أو بحمير حصاوي، أم بماذا ؟!
وإلي أي مكان تحديداً انتقل هؤلاء الفقراء ؟ وما عنوانهم الآن وكيف نزورهم ؟.. باختصار، هل ذهبوا في داهية أم استقروا وارتاحوا في الآخرة ونعيمها ؟!