سئل الرئيس حسني مبارك، وهو في ألمانيا أمس الأول، عن الدكتور محمد البرادعي فتفضل وتكرم وأدلي بتصريح استخدم فيه سيادته صيغة الجمع قائلاً: «نحن لا نحتاج بطلاً قوميًا من هنا أو هناك»، ثم أضاف: «إذا كان البرادعي يريد الترشيح للرئاسة فليتفضل لكن عليه أن يحترم الضوابط الدستورية»!!
وأستأذنك عزيزي القارئ في تأجيل التعليق علي حكاية «البطل القومي الذي من هنا أو هناك» إلي ما بعد مناقشة تلك الدعوة الكريمة التي وجهها الرئيس ـ مشكورًا ـ للدكتور البرادعي أن «يتفضل ويترشح ويحترم الضوابط الدستورية» معًا، وأبدأ بأن الدعوة علي هذا النحو، تبدو ـ رغم كرمها ـ مستحيلة التنفيذ وغير جادة لأن الرئيس «عَزم» الرجل علي أمرين متناقضين ومتعاكسين ويمنع كل منهما الآخر، فبينما دعاه بأريحية واضحة إلي خوض الانتخابات الرئاسية، اشترط عليه ـ في الوقت عينه ـ احترام القواعد الدستورية التي يعرف سيادته أكثر من أي أحد في هذه الدنيا أنها تفرض قيودًا شيطانية لا يستطيع الجن الأزرق شخصيًا الوفاء بها ما لم يكن هذا الجن يمت بصلة رحم قوية ومباشرة لعائلة النظام الحاكم المحترمة والمزمنة، وعليه فالرجل (لو تعامل بجدية مع «عزومة» الرئيس) فإن عليه فورًا أن يختار، وبمنتهي الحرية والديمقراطية، بين احترام القواعد الدستورية التي تمنع الترشيح أصلاً، أو يحترم نفسه ويحتقر تلك القواعد الدستورية (غير الدستورية) والتي جري تفصيلها وتنجيدها خصيصًا لكي تكرس وتبقي تأبيدة الحكم بالعافية الراهنة إلي ما شاء الله بغير تبديل ولا ترشيح ولا يحزنون، وفي هذه الحالة لا سبيل أمام الدكتور البرادعي غير الكفاح والنضال السلمي مع الشعب المصري لتغيير «قواعد اللعبة المميتة» الحالية من أساسها.
إذن.. الخلاصة أن الرئيس مبارك أفاض من كرمه و«عَزم» الدكتور محمد البرادعي علي الانتخابات الرئاسية المقبلة ولكن علي طريقة «عزومة المراكبية» التي يوجهونها وهم في عرض البحر لجائع يمشي علي الشط البعيد هناك!!
وبمناسبة «هناك» الأخيرة هذه، أعود إلي «البطل القومي الذي من هنا أو هناك»، وأكرر الملاحظة التي بدأت بها وهي أن الرئيس استخدم صيغة الجمع (نحن) بينما هو يؤكد عدم الحاجة لذاك «البطل»، ولأن سيادته لم يكن لديه وقت ليوضح من هم المقصودون بهذه الـ «نحن»، فليس أمام العبد لله إلا التجاسر والجرأة علي افتراض أن الـ «نحن» تلك، ربما تشير إلي الرئيس نفسه والأستاذ نجل سيادته و«عز سياسات» الأخير وباقي الحاجات والأشياء الأخري المستفيدة من الوضع القائم، وهؤلاء لا يحتاجون قطعًا ـ حسب ما يقول الأطباء ـ لأي «بطل» خصوصا لو كان من النوع «القومي الذي من هنا» .. لكني أسأل نفسي أولا، وأسأل كذلك الرئيس، مخلصًا وعهد الله: هل سيادتكم متأكدون أن «نحن» لا يلزمهم فعلا أي «بطل قومي» ابن حلال من «هناك»؟!!