كثرت الدعوات فى الأونة الأخيرة، لمقاطعة الانتخابات البرلمانية والشورى، من قوى سياسية مختلفة وعلى رأسها د.محمد البرادعى، وقد حاء ذلك بوضوح خلال لقائه مؤخراً مع قيادات حزب الجبهة والدكتور أسامة الغزالى رئيس الحزب، واتفقوا على مقاطعة الانتخابات البرلمانية 2010 والرئاسية 2011 فى حالة عدم تغيير الدستور وتوفير الضمانات اللازمة لنزاهة الانتخابات، بل وأكد البرادعى أن مصداقية الأحزاب وشرعيتها السياسية سوف تتوقف على موقفها من الانتخابات القادمة، وأضاف "أن مشاركة الأحزاب فى ظل تلك القواعد السائدة يعد خيانة لبرنامج التحول الديمقراطى فى مصر"، مجدداً قوله "إنه لن يترشح فى أى انتخابات إذا لم تتحقق مطالبه التى يتضمنها بيان الجمعية".
وأنا اتفق مع د.البرادعى ومؤيديه فى مطلبهم بتغيير الدستور والقوانين القاتلة للحياة النيابية والسياسية، خاصة المادة 76 و77، كما أرى علينا جميعاً أن نناضل ونضغط بكل ما نملك من وسائل سلمية وقانونية من أجل استجابة النظام الحاكم لهذه المطالب، فذلك واجب وطنى على الجميع خاصة فى هذه المرحلة الحرجة من تاريخنا السياسى.
لكن ما اختلف معه بشكل جذرى هو مقاطعة الانتخابات، وترك الحزب الحاكم يلتهم المستقبل السياسى لمصر لمدة خمسة أعوام قادمة، منفرداً فيها بالقرار متلاعباً بمستقبل أبنائنا، وسبب رفضى لمقاطعة الانتخابات أجمله فيما يلى:
ـ أن تجربة الأحزاب السابقة عندما قاطعت الانتخابات، لم تؤثر بأى درجة فى النظام الحاكم، بل لم يكن له ردود أفعال عالمية بالمستوى الذى يشكل ضغوطاً على النظام، وقد رأينا جميعاً أن السنوات التى انفرد فيها الحزب الحاكم، بالمجالس البرلمانية، كانت سنوات عجاف على المصريين، وتمدد الفساد فيها إلى أقصى درجة حتى استشعرنا جميعاً أن البلد أصبحت يمتلكها أصحاب السلطة.
ـ إذا قاطعت الأحزاب الكبيرة والإخوان الانتخابات، سيدفع النظام بأبنائه لينافس بعضهم البعض، كما أنه لن يغلب فى جلب مجموعة من الكومبارس من الأحزاب الكرتونية الصغيرة، ومن الممكن أن يجرى انتخابات نزيهة يتباهى بها أمام العالم، لأنه ضامن النتائج مسبقاً.
ـ إن خوض القوى السياسية والأحزاب المؤثرة الانتخابات، ستكشف النظام وكوادره أمام الشعب والعالم، وأى محاولة للتزوير ستكون مكشوفة للجميع خاصة فى ظل الزخم الإعلامى والفضائى، وبالطبع كلنا على يقين أن النظام سيقوم بتزوير إرادة الشعب حتى يحصل على الأغلبية المريحة التى تساعده على تأميم كرسى الرئاسة، لكن سيحدث حراك سياسى ما أظن أنه سينتهى بالرضوخ لما يريده النظام الحاكم.
ـ أخيرًا أن وجود المعارضين والمستقلين تحت قبة البرلمان، هو مكسب للشعب، فبالرغم من عصا الأغلبية التى استخدمها النظام الحاكم فى مجلس الشعب الحالى، إلا أننا رأينا ما قام به هؤلاء النواب الوطنين الشرفاء من معارك مع النظام والفساد، ولعل ما كشفوه تحت قبة البرلمان من فساد للرموز النظام الحاكم، والأجهزة التنفيذية، دليل واضح على أهمية وجود هذه النوعية من الشرفاء تحت قبه البرلمان، فقد وضعت النظام فى مواقف لا يحسد عليه.
لذلك أطالب كل دعاة الإصلاح من مختلف القوى والألوان السياسية، أن يضغطوا بكل ما أوتوا من قوة من أجل تحقيق مطالبهم فى تغيير الدستور، لكن أن لم يتم ذلك فعليهم أن يخوضوا كل أنواع الانتخابات ونكون جميعاً للنظام بالمرصاد، حتى تطبق سنة التدافع فى الأرض، وصدق ربنا إذ يقول "وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى العَالَمِينَ ) "البقرة: من الآية251 (.