ليس صدفة ان تأتي الكاتبة الاسرائيلية اوريت دغاني لتؤكد الخلفية الثقافية الاجرامية لما يقترف في غزة من محرقة ابادية في مقال نشرته صحيفة "معاريف 1/ 1/ 2009" قائلة:"أن المجتمع الإسرائيلي بات مستلباً لثقافة الحرب، ولا يعرف أي لغة غيرها"، واضافت: "إن الإسرائيليين يندفعون للحرب لأنهم يكرهون السلام، ويعتبرون أن القوة هي الخيار الوحيد لتحقيق الأهداف"، ووثقت مؤكدة: "أن الحروب تجري في عروقنا مجرى الدم، حيث أننا نتصور أن من الطبيعي أن نندفع نحو الحرب التي يقتل ويجرح فيها الناس، لذا فإننا عادة ما نشعل حربا بعد عامين ونصف العام تقريباً على انتهاء آخر حرب خضناها".
فحسب المكونات الجينية للعقلية الصهيونية / الاسرائيلية فان كل هذه الحروب الممتدة من فلسطين الى لبنان وكل هذه الانتهاكات الجرائمية ليست عفوية او ردات فعل على ما يطلقون عليه "الارهاب الفلسطيني" انما هي نتاج مكثف لثقافة القتل والهدم والجدران، التي فرختها ورعتها وقوتها مستنقعات الفكر العنصري الصهيوني، ذلك الفكر الذي لا يرى بالاخرين من الفلسطينيين والعرب على نحو خاص، سوى "اغيار من الحيوانات"، التي يجب "سحقها او تصفيتها وابادتها بالصواريخ"، حسب تصريحات كبير حاخاماتهم عوباديا يوسف، ولا يرى باليهود سوى "شعب الله المختار".
ولذلك حينما نتوقف مجددا امام هذه المحرقة الاسرائيلية المفتوحة المنفلتة المتدحرجة بلا حدود وبلا خطوط حمراء، وامام هذه الجرائم الشاملة المتدحرجة المتصاعدة في الايام الاخيرة والممتدة من غزة ورفح وبيت حانون وبيت لاهيا وخانيونس وكافة الامكنة الفلسطينية على امتداد مساحة القطاع، بل على امتداد الوطن العربي الفلسطيني من اقصاه الى اقصاه ومن جهاته الاربع.. فاننا نتابع التطبيقات الاجرامية لتلك العقلية والثقافة على الارض، حيث تقوم الآلة الحربية الاسرائيلية بالقتل الجماعي والابادة السياسية وبدك وتدمير كافة عناوين ومواقع البنى التحتية المدنية والامنية على حد سواء...
وذلك ليس في اطار خطة حربية واضحة صريحة تستهدف الاهداف والمواقع العسكرية لحماس مثلا، وانما في اطار ما يمكن ان نطلق عليه تعميم التدمير والتهديم والقتل والموت الجماعي والفردي بغية تعميم حالة الرعب والفزع والارهاب ....!
والواضح ان هذا العدوان الاسرائيلي الجامح على غزة هاشم ليس ردة فعل او عملية انتقامية او عفوية او صدفية، وانما هو حسب المحللين الاسرائيليين ناحوم برنيع وشمعون شيفر-"يديعوت احرنوت - 2/1/2009" عدوان مبيت ، اذ "وضعت خطته القيادة الجنوبية في الجيش الاسرائيلي منذ عام/ 2006، و"كان التخطيط لعملية تكون مبنية على التأليف بين كتلة من الطائرات المقاتلة والمروحيات والقوات البرية، وفي تموز 2007 كان تدريب تام اول على خطة العمليات، في الشتاء وقف العمل في الخطة، وفي اذار 2008 اجري تدريب اخر بمشاركة سلاح الجو ولوائي المشاة والمدرعات".
اذن- هي حرب مخططة ومنهجية ومبيتة مع سبق الاصرار... وهي بالتأكيد جرائم حرب شاملة تنتهك كافة المواثيق والقوانين الدولية والبشرية انتهاكا صارخا سافرا، بل ان ما يقترف هناك من قبل دولة الاحتلال هو "ارهاب الدولة" بكل ما ينطوي عليه هذا المصطلح من دلالات وتداعيات يتجاهلها المجتمع الدولي ..
وليس ذلك فحسب ...!
فاذا ما اضفنا الى ذلك تلك الابعاد الاستراتيجية السياسية الصهيونية التي يعمل المشروع الصهيوني من اجل تحقيقها، فاننا يمكننا ان نؤكد اولا اننا امام دولة متميزة عن دول العالم بسياسة الاغتيالات والارهاب، في الوقت الذي يمكننا ان نتنبأ ايضا ان ثقافة القتل والهدم والتدمير في فلسطين لن تتوقف ولن تنتهي، وان التطبيقات الاجرامية لهذه الثقافة ضد اطفال ونساء وشيوخ فلسطين ولبنان كذلك ستستمر وستتأجج، طالما هم يعتبرون ان فلسطين من البحر الى النهر هي "ارض اسرائيل" وان "من حق اليهودي ان يقيم - يستوطن - في اي مكان يريد"...
وطالما هم يعتبرون ان المجال الامني الحيوي ل"اسرائيل" يمتد ليشمل كافة العواصم العربية والاقليمية بما في ذلك لبنان وعاصمتها وضاحيتها الجنوبية ..
وطالما "ان تلك الدولة الاحتلالية تحظى بتحالف ودعم وغطاء اقوى دولة على وجه المعمورة... وطالما انها تحظى كذلك بتفكك وعجز وصمت واستخذاء واستسلام وتأقلم عربي نموذجي مع وجودها وتهديداتها وشروطها الابتزازية".
وبالارقام والحقائق، وحسب احدث التقارير الفلسطينية، فان عدد الشهداء الفلسطينيين منذ سبت العدوان/2008/8/27 بلغ حتى كتابة هذه السطور نحو 440 شهيدا، حوالي 25% منهم من الاطفال، ونحو 15% من الشهيدات، بينما وصل عدد الجرحى الى نحو 2400 جريح، تصل نسبة الاطفال منهم الى اكثر من 30%.
لقد كان الأسبوع الأخير من سنة 2008 "الأكثر دموية منذ الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية وقطاع غزة"، ويقول المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان "في ظل مؤامرة صمت دولية مريبة، شنت قوات الاحتلال الحربي الإسرائيلي حربها الأكثر دموية والأشد وحشية ضد قطاع غزة منذ احتلاله عام 1967// فلسطين اليوم - 2 / 1 / 2009 "، وهو الاسبوع الاكثر والاوسع ابادة جماعية وتدميرا شاملا ايضا منذ الاحتلال عام/1967.
وكل هذا لا يحدث الا في "اسرائيل"- دولة الارهاب المنظم الخارجة اليوم على كافة القوانين والمواثيق الدولية، والمتمردة على اكثر من 840 قرارا دوليا صادرا عن الامم المتحدة بمجلسها وهيئتها العامة ولجانها المختلفة..
ونتساءل في ظل هذه المشهد الطافح اذن بالمحارق وحروب الابادة:
- ماذا يقول العرب اذن من محيطهم الى خليجهم بدورهم حينما تكون الحروب الاسرائيلية ضدهم مفتوحة متدحرجة بلا حدود وبلا خطوط حمراء .....؟!!!
- ولماذا استمرار حالة الصمت والعجز والاستسلام والتأقلم على المستوى العربي الرسمي..؟!!
خاصة وقد يكون الآتي حسب المؤشرات الكثيرة اعظم واخطر على فلسطين ولبنان ... وعلى القضية والوجود والحقوق والحاضر والمستقبل ....؟!
وكذلك- بعد ان اخفق العرب تباعا في كافة تحركاتهم وآقربها ما حصل في الامم المتحدة، ازاء المحرقة الصهيونية المفتوحة في غزة، هل سيتحرك العرب وسيشعرون بالخجل كانظمة وسياسات رسمية كما يتساءل الشاعر احمد مطر يا ترى في قصيدته "أمس اتصلت بالأمل"، ام سيبقون على حالهم كما يثبت في خاتمتها:" تعال ابصق على وجهي... إذا هذا حصل...".