ما أن ترددت مزاعم حول وجود توتر في العلاقات بين القاهرة والرياض ، إلا وسارعت الأخيرة لنفي صحة هذا الأمر ليس عبر الأقوال وإنما بخطوة عملية أكدت مجددا أن العلاقات بين الدولتين الكبيرتين كانت ومازالت وستظل صمام الأمان للأمن القومي العربي .
ففي 10 مايو / أيار ، أعلنت وزارة الخارجية المصرية أن السلطات السعودية أفرجت عن مراكب الصيد المصرية الخمسة التي كانت احتجرتها في وقت سابق نظرا لدخولها المياه الإقليمية السعودية بطريقة غير شرعية والصيد بها بدون ترخيص وكان على متنها 149 صيادا مصريا.
وأضاف السفير محمد عبد الحكم مساعد وزير الخارجية للشئون القنصلية والمصريين بالخارج والهجرة واللاجئين أن مراكب الصيد الخمسة ستعود إلى أرض الوطن خلال ساعات .
وتابع " قرار السلطات السعودية جاء فى إطار العلاقات الوثيقة والمتميزة القائمة بين مصر والسعودية الشقيقة واستجابة للجهود والاتصالات التي قام بها سفيرنا في الرياض وقنصلنا العام في جدة ".
ووجه السفير محمد عبد الحكم الشكر للأمير محمد بن ناصر بن عبد العزيز أمير منطقة جيزان والذى أصدر تعليماته بالإفراج عن مراكب الصيد المصرية وتزويدها بالوقود والمؤن وهو الأمر الذى يعكس عمق وتميز العلاقات بين مصر والسعودية قيادة وحكومة وشعبا.
التصريحات السابقة جاءت لتدحض صحة تقارير صحفية تحدثت عن تحول العلاقات بين الدولتين من "الفتور" إلى "التوتر" بعد قيام قوات حرس الحدود السعودية بإلقاء القبض على 149 صيادا مصريا كانوا على متن خمسة مراكب صيد لدخولهم المياه الإقليمية السعودية والصيد فيها بدون ترخيص.
وكانت صحيفة "القدس العربي" اللندنية نقلت عن مصادر لم تذكر اسمها القول إن الإجراء السعودي قد يوتر العلاقات الفاترة أصلا بين القاهرة والرياض ، مشيرة إلى أن العاهل السعودي لم يزر الرئيس المصري لتهنئته بسلامة التعافي من العملية الجراحية التي خضع لها مؤخرا.
وأضافت المصادر ذاتها أن الفتور المصري السعودي تكرس بعد القمة العربية الاقتصادية في الكويت عام 2009 عندما رفض الرئيس حسني مبارك دعم مبادرة العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز للمصالحة العربية الشاملة ، كما رفض استقبال الرئيس السوري بشار الأسد بصحبة العاهل السعودي في شرم الشيخ.
وبجانب ما سبق ، نقلت صحيفة "القدس العربي" عن عبد الله الأشعل مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق القول :" إن تراجع نفوذ مصر بين سائر دول العالم هو الذي جعل من المصريين ملطشة بين الدول " ، ووجه سؤاله للسعوديين قائلاً : "هل تجرؤون على اعتقال مواطن أمريكي واحد".
وأعرب عن أسفه بسبب اضطرار الصيادين المصريين لركوب البحر والاتجاه نحو السعودية واليمن والصومال في الوقت الذي تمتلك فيه مصر شواطئ طولها ستة آلاف كيلومتر أي ضعف شواطئ قارة أمريكا الجنوبية بكاملها ، قائلا :" ذلك يضم لقوائم الهزائم التي مني بها النظام في مصر".
وعلق ساخراً على ما يجري ، قائلاً : "لقد نجح النظام ليس فقط في تطفيش المواطنين للخارج بل وأيضاً نجح في تطفيش السمك فجعله ينزح نحو السعودية ".
كما نقلت "القدس العربي" عن حمدي حسن الناطق باسم جماعة الإخوان في البرلمان المصري القول : "من قبيل المساخر أيضاً أن مصر التي تطل على بحرين ونهر من أطول أنهار العالم لا تجد سمكاً ويقوم صيادوها بقطع آلاف الكيلومترات معرضين أنفسهم للهلاك للبحث عن مصدر للأسماك ".
موسى وسعود الفيصل
| |
| الأمير سعود الفيصل | | |
وسرعان ما فوجىء الجميع بأنباء إفراج السعودية عن مراكب الصيد المصرية وهو الأمر الذي نفى بوضوح وجود أي توتر في علاقات البلدين ، هذا بالإضافة إلى أن الحديث عن وجود فتور تزامن مع تقارير صحفية كشفت أن القاهرة والرياض توصلتا إلى اتفاق غير معلن على اختيار الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية السعودي لشغل منصب الأمين العام لجامعة الدول العربية في حالة تعذر إعادة انتخاب شخصية مصرية تكون بديلا للأمين الحالي عمرو موسى والذي تنتهي ولايته العام القادم.
ونقلت صحيفة "الدار" الكويتية عن مصادر دبلوماسية مصرية القول في 10 مايو إن خطاب عمرو موسى في افتتاح القمة العربية في مدينة سرت الليبية نهاية شهر مارس الماضي وإشارته إلى أنه لا يعتزم تجديد بقائه في منصبه رغم أن ميثاق الجامعة يتيح له التمديد عامين إضافيين جعل القاهرة تسرع من تحركها على كافة الأصعدة لكي تضمن بقاء المنصب "مصريا"، في ظل أنباء تتحدث عن رغبة عدد من الدول العربية في تدويره.
وأضافت أن القاهرة وفي الوقت الذي تحاول فيه إقناع موسى بتمديد مهمته فى الجامعة باعتبار ذلك مخرجا تجاه رغبة عدد من الدول العربية بتدوير المنصب فإنها بدأت تتشاور مع عدد من العواصم العربية حول إعداد قائمة مقترحة تشمل خمسة أسماء في حال تعذر التفاهم مع موسى .
وتابعت المصادر ذاتها أن نقاشا جرى مؤخرا بين القاهرة والرياض في هذا الشأن ، حيث اتفق الجانبان المصري والسعودي على التعاون سويا لحل هذه الأزمة سواء عبر الإقرار والاتفاق على مرشح مصري جديد يختاره الجانب المصري وتسوق له المملكة العربية السعودية لدى دول الخليج وبقية الدول العربية في المشرق العربي لتزكيته أو اختياره.
واستطردت " في حال تعذر ذلك بسبب معارضة الجزائر وقطر حاليا ، فإن الاختيار ربما يقع على الأمير سعود الفيصل كأحد البدائل المعروضة في مواجهة الضغط الجزائري حاليا لترشيح عبد العزيز بلخادم وزير الخارجية الجزائري السابق والممثل الشخصي حاليا للرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة ".
تصريحات أبو الغيط
وبجانب ما سبق ، فإن هناك أمرا آخر يدحض المزاعم حول وجود توتر في العلاقات بين مصر والسعودية ألا وهو تحسن العلاقات بين دمشق والقاهرة والذي ظهر بوضوح عندما خرج وزير الخارجية المصري أحمد أبو الغيط على الملأ ليعلن بوضوح أن مصر ستدعم سوريا ولبنان إذا شنت تل أبيب عدوانا عليهما ، بل إن أبو الغيط فضح أيضا خلال زيارته إلى لبنان في 24 إبريل / نيسان ادعاءات إسرائيل الأخيرة ضد سوريا وتحديدا فيما يتعلق بصواريخ سكود .
ففي مؤتمر صحفي عقده عقب اجتماعه مع رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري في بيروت وردا على سؤال حول الاتهامات الإسرائيلية لسوريا بتهريب صواريخ "سكود" إلى حزب الله اللبناني والقلق الذي عبرت عنه واشنطن في هذا الصدد ، قال أبوالغيط :" إن صواريخ سكود في تقديري كذبة كبرى لا معنى لها ومن تحدث عنها يهدد فيما لا يعلم ، إنها أكاذيب تدعو إلى الضحك" .
وأضاف "من يعرف هذا الصاروخ يعلم أنه لا يمكن إخفاؤه وتسريبه ويحتاج إلى الكثير من الإعداد والتجهيز ، الأمر كذبة كبرى" ، واصفا إثارة موضوع صواريخ "سكود" بأنه يأتي في إطار الاستفزاز الذي تمارسه الحكومة الإسرائيلية .
وتابع "نحن نقف مع لبنان وسوريا وندعمهما في وجه أي عدوان إسرائيلي ، موضحا أن الهدف من زيارته لبيروت هو توطيد العلاقات الثنائية وتأكيد دعم مصر للبنان في كل الظروف.
وفيما يبدو وكأنه رسالة واضحة لاسرائيل بأنها لن تستطيع منع التقارب المصري السوري ، أعرب وزير الخارجية المصري عن ترحيب القاهرة باستقبال الرئيس السوري بشار الأسد في أي وقت ، قائلا :" إن الرئيس الأسد مرحب به دائما في مصر".
وأضاف "من تابع اللقاءات بين الرئيس الأسد ورئيس الوزراء المصري ووزير الخارجية المصري في القمة العربية الأخيرة رأى أنها كانت لقاءات دافئة والحديث كان طيبا للغاية وكانت مشاعره تجاه الرئيس حسني مبارك ومازالت مشاعر دافئة وكان يسأل عن صحة الرئيس باهتمام شديد وبالتالي فإن الرئيس الأسد مرحب به دائما في القاهرة".
ويبدو أن التركيز على ترحيب القاهرة بزيارة الأسد في أي وقت هو النقطة الجوهرية التي أراد من خلالها أبو الغيط التأكيد على أن مزاعم إسرائيل الأخيرة ضد سوريا لن تجدي نفعا ، بل إنها طمأنت كثيرين في العالم العربي بأن سنوات عزلة سوريا انتهت إلى غير رجعة وعاد المحور المصري السوري السعودي ليستأنف مهامه التاريخية باعتباره ركيزة أساسية من ركائز الأمن القومي العربي .
والخلاصة أن مزاعم وجود خلافات بين مصر والسعودية لا تجد ما يدعمها على أرض الواقع ولا تفيد أحدا سوى إسرائيل .