الموقع الرسمى لجريدة الامة الالكترونية
الموقع الرسمى لجريدة الامة الالكترونية
الموقع الرسمى لجريدة الامة الالكترونية
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

الموقع الرسمى لجريدة الامة الالكترونية

صحيفة- يومية-سياسية -ثقافية-رياضية-جامعة
 
الرئيسيةالرئيسية  البوابة*البوابة*  أحدث الصورأحدث الصور  دخولدخول  التسجيلالتسجيل  

 

 تعرف على بيوت اللة ومقامات الصالحين(مالى)

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
احمد شعلان

احمد شعلان


ذكر
عدد الرسائل : 17047
الموقع : جريدة الامة
تاريخ التسجيل : 24/09/2008

تعرف على بيوت اللة ومقامات الصالحين(مالى) Empty
مُساهمةموضوع: تعرف على بيوت اللة ومقامات الصالحين(مالى)   تعرف على بيوت اللة ومقامات الصالحين(مالى) Icon_minitimeالأربعاء 23 يونيو 2010 - 0:58

تعرف على بيوت اللة ومقامات الصالحين(مالى) 1839652193h105
مسجـد جينيه الطيني في مالي





من ضمن الانماط البنائية الجديدة التي نشأت وظهرت بتلازم عضوي مع ظهور الاسلام ، مبنى " المسـجد " – الذي سيضحى لاحقاً ، من اهم المنشاءات العمرانية التى ستشيد في جميع المدن والتجمعات السكانية الاسلامية ؛ وستعد عمارة المسجد من اهم الانجازات المرموقة التى حققتها العمارة الاسلامية طيلة قرون عديدة مثرية بنماذجها الرائعة سجل العمارة العالمي الفاخر .
لم يقتصر انتشار الاسلام على منطقة جغرافية بعينها ؛ وانما انضوت تحت لواءه شعوب وامم قطنت اقاليم ومقاطعات مختلفة في طبيعتها الجغرافية ، ومتباينه في سماتها الاثنية ؛ ومتمايزة في خصوصيتها الثقافية .
لكن هذا الفيض من التباين الفسيفسائي كان ينبغي عليه ان يراعي الالتزام بثوابت وظيفية استدعتها العقيدة الاسلامية ، كتجمع المسلمين في مكان واحد لاداء فريضة الصلاة ، وسماع الخطبـة ، والتوجه باتجاه مكة المكرمة اثناء اداء الصلاة والنداء عليها في مواعيدها المقررة ؛ وتحقيق مناسك الوضوء ، الخ ..
واقتضـت تلبية تلك الغايات نشوء نمط عمراني جديد ، قادر على ان يلبي متطلبات تلك الغايات بيسر ووضوح . وكان " المسجد " الحل العمراني الحصيف الذي يحقق عبر مفرداته التصميمية جلّ تلك الوظائف والاهداف . والتغيير الذي سبحصل لاحقاً في بنية المسجد ( والمسجد الجامع في الاخص ) سينعت الى ضرورة موائمة العمران للمستلزمات الجغرافية والاثنية والثقافية التى تقتضيها طبيعة البيئة المحددة وزمن الانشاء ؛ في حين ظلت الوظائف الاساسية ، التى اشرنا اليها سابقاً متلازمة تلازماً عضوياً مع صميم عمل المسجد ووظيفتـه . بمعنى اخر ، هناك ثوابت وظيفية ينبغي ان تتوافر في بـُنية المنشأ العمراني للمسجد من جهة ؛ ومن جهة اخرى ، ثمة اعتراف بقبول وتبني متغييرات " فورمـاتية " تشكيلية مختلفـة لتلك البُـنية انسجاماً مع خصوصية المكان ومعطيات الزمان !
" في جمهورية مالي ؛ مثالاً واضحاً`Djenne ` ويمثل " المسجد الجامع الكبير " في" جـينـه لتنويعات تلك البنية العمرانية التى غُبّ ظهورها في مطلع الدعوة الاسلامية ما فتأت تثري المشهد العمراني في الحواضر الاسلامية ، وتسم هذا المشهد بطابع خاص ومتفرد في جمهورية مـالي،Tombouctou ومدينة "جيـنيه " كما هي توأمها مدينة " تـومبوكـتو " لعبتا دوراً اساسياً في نشر الدعوة الاسلامبة ، وظلتا لقرون مركزّين هامّين من مراكز الاتصال والوصال بين دول المغرب العربي والحكام المحليين اللذين حكموا اقاليـم " السـودان " الواقعة جنوب الصحراء الكبرى ، تلك الاقاليـم التى شكلت مفهوماً جغرافياً واحداً ، فسيحاً ومتشابهاً امتد من سواحل المحيط الاطلسي غرباً حتى تخوم البحر الاحمر شرقاً .
ومعلوم ان كثيراً من الحقائق والمعلومات التى تخص تلك الاقاليم ومدنها وردت اول مرة عن طربق الرحالة والجغرافيين المسلمين ، الذين جابوا تلك المناطق ووصفوا بشئ من التفصيل طبيعة المدن والتجمعات السكانبة التى ظهرت هناك كمراكز اسلامية هامة ، فضلاً عن اهميتها التجارية . وفي هذا الصدد يشير " عبد الرحمن السعدي " وهو بالاصل من " تومبوكتـو " (ومن الجائز ان اسلافه نزحوا من المغرب) ، وعمل اماماً لمسجد " جينـيه " الكبير مابين 1620-1630 ، يشير في مؤلفه " تاريخ السودان " الى تأسيس مدينة "جيـنيه " في القرن الثالث عشر الميلادي بعد ان هجرت موقعها الاول المسمى " جينـيه -جـينو" ، وازدهرت بها تجارة الذهب والفضة والرصاص وغير ذلك من المعادن الثمينة التى كانت تجلب من مدن الغابات الاستوائية ليتم بيعها وتبادلها بملح الصحراء والتوابل وغير ذلك من البضائع الاتية من الشمال ، الامر الذى جعل " جينيـه " وقتذاك ؛ ووفقاً لكتابات " السعدي " من اغنى مدن حوض النيجر واكثرها نفوذاً في عموم تلك المنطقة الواسعة ؛ ولا يغفل صاحب " تاريخ السودان " الاشارة الى طبيعة سكان مدينة " جيـنيه" المختلطة ذات الاثنيات المختلفة . وقبل " السـعدي " تناول ابن بطوطه ( 1304- 1377 م ) في مؤلفه " تحفة النّظار في غرائب الامصار وعجائب الاسفار " احوال مدن جنوب الصحراء ، وشرح بتفصيل تسجيلي نموّ البدايات الاولى لهذه المدن وطبيعة سكانها وعاداتهم بعد ان وصلها قاطعاً الصجراء الكبرى ضمن قافلة من الجمال .
لقد اثارت اقوال الرحالة العرب المسلمين ووصفهم لمدن البطحاء -" السفّـٌناء " الغنية ، وما رافق ذلك من تداول لحكايات شفاهيه كثيرة منتشرة انتشاراً واسعاً في الساحل الغربي الافريقي عن غنى مدن حوض النهر العظيم ذات الثراء الذهبي الاسطوري ، اثارت تلك الحكابات مخيلة الاوربيين وآسرت تفكيرهم واشعلت الرغبة لديهم في امتلاكها والسيطرة عليها ؛ وسرعان ما جهز الفرنسيون حملة عسكرية ، في نهاية القرن التاسع عشر لاخضاع البلاد وجعلها ضمن سيطرتهم الكاملة ونفوذهم التـام .
وعلى الرغم من مكانة " المسجد الجامع " واهميته بالنسبة ال سكان " جينـه " وما حولها ، فان تاريخ يناء هذا المسجد ظّل على الدوام يكتنـفه الغموض وعدم الوضوح ؛ ومن الصعب ولحبن الوقت الحاضر الركون لتصديق كل ما يروى حول هذا المسجد وصيرورته الحافلة باحداث جسام شهدها هذا المبنى العظيم عبر قرون من تاريخه الطويل .
فالمسجد الحالي ، ووفقاً لبعض الوثائق المكتوبه الشحيحة ، ونقلاً عن حكايات شفاهية لسكان الاقليم ، هو المسجد الثالث تسلسلاً الذى شيد على ذات الموقع . ويعود تاريخ المسجد الاول الى الاسلام في نهاية القرن Koi Konboro فترة اعتناق حاكم المدينة "كوي (قوي؟ ) كونبورو الثالث عشر الميلادي ، اذ قام بهدم قصره ليشيد على انقاضه مسجداً ، وبنى اسلافه فيما بعد ، ، وهذاplatform مأذنتين /برجين في الجدار المحيط بالمسجد الذى انشأ على مرتفع ارضي هو كل قوام المسجد الاول .
ومن المحتمل جداً ان" مسجد كونبورو" قد تمت اعادة بناءه ( وربما غير مرة واحدة ) ، قبل ان ، ليشيد بدلاً منه مسجداً آخراً باسمه Shekou Ahamdo "يزيله حاكم المدينة " شيخو احمدوعام 1830 . وثمة عدم وضوح يلقي بظلاله على تاريخ هذه الفترة تحديداً ، اي من زمن تشيد المسجد اول مرة ، في القرن الثالث عشر وحتى بدليات القرن التاسع عشر .الذى كتب دراساتM. Delafosse فوفقاً الى دراسات الباحث الفرنسي " موريس ديلافوزيـه " تاريخيه وسوسيو-ثقافية واسعة عن " السودان الفرنسي " ، وبحسب الحكايات الشفاهيه الت جمعها ، الذى عنى عناية تفصيلية بعمارة المسجد وتاريخه ، فان ثمة F.Dubois "فيلكس دوبـس " مسجداً آخراً تـم تشيده مقام " مسجد كونبورو " الاصلي ، وهو " مسجد تـانـابو " باسم حاكم ؛ وبحسب مزاعم الباحثييّن Malah Tanapo مدينة " جينيه " " الملا تانابو " ؛ فان هذا المسجد كان يشمل ، ايضاً ،Hampate` Ba & Daget " ها مباتيه با" و " دوجيه" " Askaa` Mahammed علىمكان مخصص للوثنيين لاداء شعائرهم . الا ان "ازقيا محمد وهو حاكم مدينة جينيه فيما بعد ، وجد هذا الامر مخالف لتعاليم الدين الاسلامي ، فسارع الى هدم " مسجد تانابو" واعاد بناء "مسجد كونبورو" الاصلي على انقاضه ( حوالي 1500 ) . وطبقاً لدراسة هذين الباحثين ، فقد تمّ هدم "مسجدكونبورو " مرة اخرى ، واعيد بدلاً عنه المسجد الذي شيده " الملا تانابو " (حوالي 1600) . ويخالف " عبد الرحمن السعدي " اولئك الباحثين ، ويشير في مؤلفه " تاربخ السودان " بان "مسجد كونبورو " الاصلي هـو ذاته المسجد الذي عاصره ، وامسى اماماً له عام 1627 م .
واياً يكن الامر ؛ فان "مسجد شيخو احمدو " استمر قائماً لحين قرار هدمه عام 1902 ، والامر باعادة بنائه من جديد بين عامى 1906-1907 م.
يقتدى شكل "مسجد جينـيه " الجديد اثر تكوينات النمط المساجدي الشائع ، المؤلف عادةً من قاعة مغلقة وفسيجة للصلاة ؛ ذات سقف مستوى مرفوع بواسطة مساند ، ويتاخم هذه القاعة من جانب واحد صحن مكشوف تحـّف به عادة اروقة من جوانبه الثلاثة .
ينهض " المسجد الجامع " فـي " جينـيه " على منصة ناتئه ترفع ارضيته الى منسوب اعلى من مستوى الارض الطبيعية . ويشغل المسجد مساحة ذات شكل قريب من المربع ابعادها 50×50 متراً تقريباً؛ اما قاعة الصلاة المسقفة فهي بابعاد 26×50 متراً في حين بلغت ابعاد الصحن المكشوف 20×46 متراً ، ويصل عرض الاروقة المحيطة بالصحن الى (4 ) امتار .
يملك المسجد ثلاثة مآذن /ابراج موقعة في الجدار القبلي ، وهو الجدار الشرقي ، ويقدر ارتفاع هذه الابراج بحوالي عشرة امتار . يقع المدخل الرئيس للمسجد في الجهة الشمالية ، ويقود مباشرة الى" الظّلـة "- وهي قاعة الصلاة . وهناك مداخل ثانوية آخرى عديدة منتـشرة في جميع جهات المسجد ، عدا الجهة الشؤقية فهي لا تمتلك مداخل . وبالامكان الوصول الى قاعة الصلاة من الصحن المكشوف عبر بوابات عملت في الجدارالذى يفصل الظلّة عن الصحن . وثمة برجان خارجيان في الجهتين الشمالية والجنوبية ، موقعان على امتداد خط اتصال الظلة بالصحن ، يشغلهما سلمّان يقودان الى سطح المسجد .
تثير عـمـارة " مسجد جينيـه الكبير" الاهتمـام جراء الفعل التركيبي الجسّور بين اصالة المخطط الاساسي مع معجمية اللغة المعمارية المحلية ؛ ذلك التركيب الآسر الذي يطبع هيئة المسجد بطابع خاص ، ويجعل من حال عمارته ، حالـة تتـماهى وتتحد مع مرجعـية تصمـيمية واحدة ، هي هنا ، مرجعيـة العمـارة الاسلاميـة .
فالانجاز المرئي مفعّم باحالات تستدعي ، من جهة ادراك طبيعة المبنى وفهمه من خلال وجود معالم مميّزة ومقومات بارزة ؛ ومن جهة اخرى ، فان " فورم" هذا المنجز وشكله يسعيان لتحقيق الانتمـاء الى ذات التشكيلات التصميمية المألوفة والقريبة جداً من مفردات سياق اللغة المعمارية للبيئـة المبنيـة المحيطة .
ولئن استحضر مشاهد "مسجد جينـيه " ومتلـقي نصّـه المعمـاري ، في ذاكرته هيئات المساجد الجامعة العظيمة التى انشـأت سابقاً ، كمسجد الكوفة والمسجد الاموي بدمشق ، ومسجد " سيدي عقبه " بالقيروان ،وكذلك مساجد الاندلس والمغرب المهيبة ، اثناء تعاطيه اليومي مع الاحياز الفضائيـة المصممة في المبنى ، ورؤية الامتدادات الكتّّـلـوية للجدران المحيطة به ، فان ذلك المشاهد / المتلقي سيرى ، ايضاً، بان طبيعة العناصر المؤلفة " لموتيف " واجهات المسجد الرئيسية ما هي الا عناصر شائعة صادفها ، ويصادفـها المرء كثيراً حاضرة في جميع المعالجات التصميمية للمباني التى تشكل نسيج البيئة المبنية المعروفة لديه ، بيد ان تلك العناصر هنا ، في عمارة " مسجد جينيه الكبير " مشغولة بمقباس ضخم ، ومعمولة على درجة عاليه من الدقّـة والرصانـة الحرفيتيين .
ان معمار ( معماريين ؟ ) المسجد يستعـير مفردات اللغة البنائـية من عمارة بيوته السكنية العادية ، وينقلها الى مبنى المسجد ، جاعلاً من عملية النقل تلك ، ضرباً من ضروب التواصلية ، تلك الظاهرة التى ينزع البناة الى استحضارها كثيراً في منجزاتهم البنائيـة ، سعياً لتأكيد انتساب منشاءاتهم الى محيطهم المألوف .
في عملية بناء " مسجد جينـه الكبير " تلعب المادة الانشائية الرئيسية – الطين ، دوراً رئيسياً في مهمة تجلي ّ المبنى معمارياً ، فالطين- هنا ، بمثابة البداية والمرجعية معاً لعموم المعالجات التكوينيـة للمبنى . اذ تُوظف المادة بغية الوصول لحّـل ملائم لجميع المعضلات الانشائيـة للمبنى ، جنباً الى جنب احراز القيم الجمالية وتبيانها في المنشـأ المذكور .
وتحتـم استخدامات الطين في استحداث المقومات الوظيفية الفسيحة المشكلة للمسجد ، اللجوء ، وهي من دعائم ناتئه ، مهمتها اكساب الهيكل البنائي مزيداًButtresses لاسلوب عمل " الاكتاف المتانة والرسوخ .ان تكرار ايقاع تلك الاكتاف ومقاساتها الضخمة العالية وهيئاتها البرميلية الملتحمة بالجدار ، ذات النهايات الحّرة المستدقة ، تمنـح المبنى قدراً كبيراً من التفّـرد المعاري وتسمه بخصوصية نادرة . ، والسعيTectonic فالعمارة ، هنا ، انشاء . اذ يتوق المعمار لادراك مفهوم " التـكتونـية " وراء حضورها في مبناه ، ذلك المفهوم المعماري الذى تطلعت اليـه اجيال كثيرة من المصممين في ازمنه مختلفة ، وفي بيئات ثقافية متنوعة ، بيد ان ذلك المفهوم ظلّ ، في الغالب الاعم ، امراً عسير المنال . في " مسجد جينيـه الكبير " استطاع المعمار ، بجدارة ، ان يدرك هذا المفهوم المعاري ويجعل من وجوده وجوداً مؤثراً في جميع المعالجات التصميمية ؛ فالحضور الانشائي ، هنا ، وليس الغياب ، هـو الذى ينشده المعمـار ويطمح اليه !
ومع ان الطـين – مادة انشائية رخيصة ، ومتوفرة ، ومألوفة في المنطقة ، فانها من جانب آخر عرضه للتآكل وسريعة التأثير بالاحوال الجوّيه مثل الحرارة والريح والمطر واشعة الشمس . من هنا ترتب على بناة المسجد ايجاد طرق واساليب مبتكرة غايتها تحيّيـد سلبيات الظروف المناخية السائدة ، وتأثيراتها السيئة على المبنى ؛ فكانت عمليات " الاكساء " السنوية واجراءات الصيانة المستمرة لجميع سطوح المبنى ، عاملا ً اساسياً في ديمومة هذا المنشأ الفريد ، وحُـسن قيامـه في وظائفه المختلفة . وتطلّـبت اعمال الاكساء تلك ؛ استخدام اعمدة خشبية ناتـئة مثبتة في حوائط المبنى باماكن محددة ، تساعد عمال الاكساء في مهمتهم الصيـانية ، باداء وظيفة جمالية مزدوجة ، فهي مـنScaffoldings وتقوم هذه الاعمدة ، " السقالات " جانب ، "تمون " سطوح الجدران وتزودها بمسحة نحتية مكثفة جراء وضعيتها الافقية الناتئة ، ومن جانب آخر ، فهي تثري تلك السطوح عبر التوظيف الواعي للعبة تواتر الظّل والنـور التى تتميز بها الاجواء المشمسة ذات الانارة الساطعة ، كما هو الحال في اجواء : جينـيه " ؛ الامر الذى نجم عن كل ذلك التقليل من الاحساس بالوتيريـة الناشئة عن تماثل لون الحيطان الطينية مع لون الارض المجاورة التى اخذت منها مادة انشاء تلك الجدران .
تسود العَـتَمـة الظليلة فضاءات قاعة بيت الصلاة / الظّلة بمسجد " جينيـه الكبير " ، وذلك بسبب الشحّـة المتـقصدة في مصادر اضاءة القاعة . ان ندرة النوافذ في الجدران المحيطة بالظّلة وعدم وجودها اصلاً في الجدار القبلي ، والعمق الواسع نسبياً لابعاد القاعة (26×50 ) متراً ، كما اشير سابقاً ؛ فضلاً عن كتل المساند الطينية السميكة التى ترفع سقف الظّلة ، ووفرتها العددية الكثيرة ( يصل تعدادها داخل القاعة الى 90 مسند ) ؛ تسهم جميعاً في اضفاء تلك الدُكْـنة داخل القاعة .
وقد يكون ادراك تلك الاجواء الظليّلـة والهادئة يُـعد امراً مرغوباً به ، لتـشديد الاحسلس بالاختلاف والتباين والتعارض ، التعارض بين الاجواء الخارجية المُـشبعة بالضياء الوهّاج والمليئة بالضوضائية الصاخبة ؛ وبين مـا يتوق اليه معمار المسجد من بلوغ منطقة في المبنى تكون حافلةً بالهدوء ومفعمة بالسكون والاطمئنان ، خليقة لاداء شعائر الصلاة فيها . واذ تذكرنا بان منسوب قاعة الصلاة ( والمسجد عموما ً) هو اعلى من مستوى الارض الطبيعية ، فالوصول platform لمنطقة المسجد يتم عبر مدرجات مبثـوثه في جميع ارجاء المنصـة التى ينهض عليها المسجد ؛ احسسنا مرة اخرى بوقع المغايرة وشد ّتها في تأكيد فعـل الانتقال من حالة الى آخرى .
يتميز الجدار القـّبلي – الشرقي ، عن بقية جدران المسجد الاخرى بوجود ثلاثة ابراج – مآذن عالية فيه . وتشير طبيعة المعالجات التصميمية المتفردة ونوعيتها للبرج الوسطي- وهو الاعلى من بقية الابراج – الى اهميته الوظيفية ؛ فهو البرج الذي يحتوى على مشكاة المحراب الرئيسي في قاعة الصلاة . وتمّ تمييز هذا البرج ايضاً باستخدام وفرة كثيرة من الاعمدة الخشبية الناتئة تغطي سطوح جدرانه من الاسفل وحتى الاعلى ، بخلاف البرجين الآخرين وكذلك سطوح جدران المسجد الاخرى التى استخدمت فيها تلك السقالات بتقنين ظاهر ، وفي الاجزاء العلوية منها حصراً .
توحي مآذن / ابراج المسجد بشكاها المخرزطي والمتدرج في قسمها الاعلى الى الاحساس بمتانة المنشأ وثبوتيتـه ؛ وتضفي هذه الابراج على مبنى المسجد اهمية خاصة تميزه عن النسيج الكتـلوي للمباني المحيطة ، كما ان ارتفاعها الشامخ يجعل من خط سماء المدينة و "سيلويتهـا "
، خطاً جذاباً ومثـيراً ، مما يسهم ، في جانب آخر للتدليل بسهولة ووضوحSilhouetteكافيين على مكان توقيع وتحديد المسجد في " بـونارمـا " المشهد الحضري لمدينة "جيـنيه " ، ومن مسافات بعيدة ونائية .
في عمارة " مسجد جينيه الكبير " ثمة تأكيد على مبدأ الاستمرارية التصميمية – تلك الاستمرارية التى يلجأ اليها البناة ( والناس عموماً ) لتعّزيـز الاحساس في الانتمائيـة واظهار وحـدة التماثل الهوياتـي .
ففي حالة افتقاد وسيلة التسجـيل الكتابية وعدم التعاطي عن ايـما وسيلة توثيقية حافظة آخرى ، بسسبب عدم الاحاطة بها او المعرفة بها ( واحياناً حتى العزوف عنها ) تبرز العمارة على سطح الاحداث، لتضحى بمنزلة السجل التوثيقي : المادي والملموس لذلك الارث الثقافي الفريد ؛ الذي ظلّ على مدى اجيال متداول تداولاً شفاهياً ؛ بمعنى آخر ، تغدو استمرارية التقاليد البنائية بمثابة الجواب الملائم لحّل اشكالية التواصل المعرفي ، فتصير العمارة ، عند ذاك ، الوسيلة والغـاية معاً : وسيلة حفظ التراث الشفاهي ؛ والتجسيد المادي لذلك التـراث .
وفي هذه الحالة لم يكن مطلوباً من بناة " المسجد الكبير في جينـيه" ؛ و لا مستساغاً اللجوء الى نوع من القطيعة " الابيسـتمولوجيـه " – المعرفية لتقليد البناء المألوفـه ونمطها " التحداري " ( بحسب تعبيـر رفعة الجادرجي ) ؛ بقدر ما كان لازمـاً وضرورياً الحفاظ على تلك التقاليد وديمومتها ، والاشتـغـال عليها بمهنية متـّقنة وبراعة صنيـعية عاليـة .
من هنا اهمية هذا المنجز الشفاهـي ، الذي يجسد بهيئته المعمارية المتفردة انواع الحكايات والقّص السـردي التى لازمت الارث الثقافي الشعبي لتلك المجامـيع السكانية التى وطنت تلك الاقاليم منذ القدم ، وانفتاحهـا ومن ثم تبنّيهـا للقيم والمبادئ التى جاء بهـا الاسـلام .
ان مسجد " جـينيـه الكبير " يُعـد اليـوم اضخم منشأ طيـني في العالم ، وتمثل عمارته خلاصـات روح الثقـافة ونَـفَـسها التى ولد فيـها وترعرع ذلك المنشأ الجليل . كما تُعـد عمارته ، بحـق ، صنيعـاً شعبيـاً اصيلاً ؛ بعيـداً جدا ً عن المفاهيـم " الشـعبـويـة " وابتذالها ؛ انه فوق ذلك ، التعبير المعجمي الدقيـق للذاكرة الجمـعية التى تمنح تجّلياتـها الناس احسـاسـاً بالطمأنينة والملاّذ وتنشلهم من دروب التـيه والتغـريب ؛ كـما ان هيـئة المسجد المعمارية وودقّـة وحذاقـة مفراداته التصميمية مـا فتـأت تمثل نموذجـاً وحـافزاً للكثيـر من المباني التى انشئت في عموم منلطق جنوب الصحـراء الكـبرى ؛ وقد وضعته منظمـة " اليونسـكو " اخـيراً ( عام 1988) في " سـجل التـراث الثـقافي العالمي " كمنشأ جدير بالمحافظة ، ويمتلك قيـماً فنّـية معماريـة ، جديرة هي الاخرى ، بالتأويل والتفسير ، سعـياً لاثـراء المشـهد المعـاري العـالمي واغنـاءة بمبادئ ( وربـما حتى فورمـات ) تصميمية مميّـزة ومتـفرّد ة !.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://alomah.yoo7.com
 
تعرف على بيوت اللة ومقامات الصالحين(مالى)
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» تعرف على بيوت اللة ومقامات الصالحين (السودان)
» تعرف على بيوت اللة ومقامات الصالحين(لبنان)
» تعرف على بيوت اللة ومقامات الصالحين(العراق)
» تعرف على بيوت اللة ومقامات الصالحين(المانيا)
» تعرف على بيوت اللة ومقامات الصالحين(العراق)

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الموقع الرسمى لجريدة الامة الالكترونية :: جريدة الأمة :: خطوط حمراء أعداد/دليا مصطفى-
انتقل الى: