الموقع الرسمى لجريدة الامة الالكترونية
الموقع الرسمى لجريدة الامة الالكترونية
الموقع الرسمى لجريدة الامة الالكترونية
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

الموقع الرسمى لجريدة الامة الالكترونية

صحيفة- يومية-سياسية -ثقافية-رياضية-جامعة
 
الرئيسيةالرئيسية  البوابة*البوابة*  أحدث الصورأحدث الصور  دخولدخول  التسجيلالتسجيل  

 

 تعرف على بيوت اللة ومقامات الصالحين(العراق)

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
احمد شعلان

احمد شعلان


ذكر
عدد الرسائل : 17047
الموقع : جريدة الامة
تاريخ التسجيل : 24/09/2008

تعرف على بيوت اللة ومقامات الصالحين(العراق) Empty
مُساهمةموضوع: تعرف على بيوت اللة ومقامات الصالحين(العراق)   تعرف على بيوت اللة ومقامات الصالحين(العراق) Icon_minitimeالأربعاء 23 يونيو 2010 - 1:13

تعرف على بيوت اللة ومقامات الصالحين(العراق) 125762724217
ضريح الإمام علي عليه السلام والهدايا المقدمة له


وضرورة إقامة متحف يتناسب مع قيمتها التاريخية


يوم التقينا أخي أحمد وأنا قبل أربع سنواتٍ على حد التقريب رأينا أنفسَنا في كثير من المسائل التي نؤمن بها، وهكذا لم نختلف منذ ذلك اليوم، بل كانت رؤانا المشتركةُ تتعمقُ كلما تقدمت التجربةُ، ولقد أعلنت في غير مناسبة أن ما تقوم به هذه الجامعةُ على الرغم من صغرِها وقلةِ إمكاناتِها لم تستطع أن تقوم به كثيرٌ من المؤسساتِ العلميةِ والثقافيةِ.
رأينا أن تكون هذه الجامعةُ هولنديةً، في مقدمة مهامِها تعريفُ المجتمع الهولندي بالإسلامِ وأحكامهِ السمحة التي تحثُّ على المحبةِ والسلامِ، وتعرفُ بحضارتهِ التي امتدت مئاتِ السنواتِ في رقعة جغرافيةٍ من الصعبِ تحديدِ مساحتِها، وتأخذُ بيد المسلمِ الهولندي أو المسلمِ المهاجرِ لهذه البلاد إلى آفاقِ الإسلامِ الحقيقية كي يتعرفَ على أحكامِ دينه على أسسٍ صحيحةٍ، وتمحو الصورةَ البشعةَ التي يروجُها بعضُ التكفيرييَن عن الإسلامِ والمسلميَن.
كان من بين المسائل التي تمنيناها لهذه الجامعة أن تكونَ منارةً للحوارِ والتقريب، حوارٌ مع الآخر لأنه أخٌ في الخلقِ على رأي الإمام علي عليه السلام، والتقاربُ مع الآخر لأنه أخٌ في الدين على رأيه عليه السلام أيضًا.
وكان من بين المسائل التي تبنيناها تعريفَ سكانِ هذه البلاد من كلِّ الجنسياتِ بصروحِنا الحضاريةِ، ورموزِنا الدينيةِ التي تبنت قيمَ الإسلامِ الكبرى قيمَ المساواةِ والإخاءِ والمحبةِ والعدلِ وحريةِ الرأي، وإن كان بالإمكان حثَّهم على زيارتِها وطلبِ معونةِ العارفيَن منهم في كيفيةِ صيانتِها والحفاظِ عليها كونها تراثًا إنسانيًا يجبُ أن نحميَه من عوادي الزمن وتقلباتِ الأحداث.

العراق مهبط النور:
والحديثُ عن العراقِ أيها الأخوة حديثٌ عن حضارةٍ لا حدود لها تبدأ مع عصرِ فجرِ التاريخِ لم تستطع الإنسانيةُ بكل إنجازاِتها وعلمائِها استيعابَ أبعادِها الإنسانيةِ والفكرية، ولا تحديدَ معالِم صروحِها الحضاريةِ التي تصعب على الإحصاء، وما زالت شواهدُها تزيِّنَ ساحاتِ عددٍ كبير من ساحاتِ المتاحفِ العالمية.
العراقُ مهبِطُ النورِ والتنويرِ بلدُ أبي الأنبياءِ إبراهيم ومرسى سفينةِ نوح ومَلحَدُهُ ومَلحدُ آدمَ وهود وصالح عليهم السلام، تعلمتْ منه الإنسانيةُ الكتابةَ قبل أربعة آلاف وخمسمائة عام، وعلى أرضهِ تأسستْ الدولةُ وسُنَّ أولُ قانون لحقوق الإنسان ، إنه عراقُ سومر وأكد وبابل وآشور وغيرِها.
وإياك أن تتهاونَ بأيةِ رابيةٍ تراها على جانبي الطريق أي طريقٍ تسلكه في العراق، فوراء تلك الرابية حكايةُ حضارةٍ لم تكتشف بعد.

الحضارات ملك الإنسانية
ولم تكن حضاراتُ الأممِ وآثارُها حكرًا على شعبٍ من الشعوبِ أو دولةٍ من الدول، إنها إرثٌ إنسانٌّي تعاونت أممُ الأرضِ بعد عصرِ النهضةِ على اكتشافهِ ودعت إلى صيانتهِ وأسست المنظماتِ الدوليةِ لرعايتهِ والتنبيه على أهميتهِ، وأنفقت أموالاً طائلة عليهِ وجعلته مرافقَ سياحيةٍ وعلميةٍ ودينيةٍ يحج إليهِ بني البشرِ من كل أقطار العالم.
ويشرف جامعتُنا اليوم أن تقدم للمجتمع الأوربي تحفةً فريدةً لا تدانيها ولا تماثلَها جميعُ الصروحِ الحضاريةِ في العالم، وفوق هذا ضمتْ خزائنُ هذا الصرحِ تحفًا فنية لا يقدر بعضُها بمال، بل لعل بعضَها يوازي في قيمته المادية فحسب قيمةَ أهمِّ اللقطِ الأثريةِ التي عرفتها المتاحفُ الأوربية، وهي إن عُرِضتْ على المشاهدِ احتاجت إلى متحفٍ لا يقل مساحةً عن متحفِ اللوفر أو فرساي أو روتردام أو أمستردام، أو غيرِها من متاحف العالم الكبرى.

حكاية الضريح المقدس:
أربع سنوات قضاها الإمام علي عليه السلام في حكم الأمة الإسلامية أراد خلالها أن يخلقَ مجتمعًا مثاليًّا فاضلاً يسوده العدلُ ويحكمُه القانونُ ويتساوى الناسُ فيه على مبدأ أخوة الدينِ أو الخلق، ويتساوى الجميعُ في المالِ العام، ويكون فيه الحاكمُ كأحدِ الرعية، فترك دستورًا للإنسانية مازالت تنهلُ منه وتقتدي به، فكان بحق إمامَ المتقين وقدوتهَم وكان بحق إمامَ النساكِ والزهاد والعلماء والشجعان والمصلحيَن والفلاسفةِ والمفكرين والحكماء، وما مات أحدٌ من رعيتهِ إلا خلفَ من المالِ أكثرَ مما ترك الإمامُ على رأي عبد الرحمن الشرقاوي.
ولم يكن إمامًا للشيعة فحسب، ولا للمسلمين خاصةً وإنما كان واحدًا من أعظم أئمةِ الإنسانية، ولك في كتابات مئاتٍ من غير المسلمين عنه ما يؤكد ذلك، أما ما كتبه عنه المسلمون فهو فهرسةٌ تصعبُ على الحصرِ أو الإحصاء.
لا يشعر المتجهُ من الكوفةِ عاصمةِ نحو النجف الأشرف أن الأرضَ ترتفعُ رويدًا رويدًا تحت قدميه إلى أن يصلَ إلى برِّها الغربي حيث تهبطُ فجأةً فيشعر أنه على هضبةٍ أمامها فسيحٌ كأنه لا نهايةَ له، وهي بالنسبةِ لذلك الفسيحِ كأنها سدٌّ أو جدارٌ ارتفاعُه نحو خمسين مترًا وبسببٍ من ذلك سميت النجفُ باسمِها المعروف لأن ذلك الفسيحَ كان كالبحرِ يستمدُّ مياهَه من غضبِ الفرات حينما لا تستوعبه دفتيه بسببِ الفيضان ويقلُّ منسوبُ مياه تلك البحيِرة أو يزيدُ بحسبِ كميةِ المياه التي يحملُها نهرُ الفرات إليها، ويبدو أن هذه البحيرةَ كانت تتعرضُ للجفاف بل إنها تعرضت للجفافِ حقبةً طويلةً، ولعلها تعرضت للجفاف أو أصبح ماؤُها ضحلاً زمن المناذرة، وما زالت هذه البحيرة قائمةً حتى سنة 1889م حيث دُفِنَ نهرُ الحميدية الذي كان يغذيها ويرى بعضُ الجغرافيين العرب من القرنِ الرابعِ أن جزءًا كبيرًا من الفرات كان يصبُّ في هذه البحيرة وبعد تنظيمِ السدودِ على النهرِ وكريه وتعديلِ مساراتِ بعض ترعه أصبحت تلك البحيرة أثرًا بعد عين، وعلى هذا فالنجف هضبةٌ أو مسنَّاةٌ لا تعلوها المياهُ كالجدار، قال الأزهري في تهذيبه، والنجفة التي بظهر الكوفة هي كالمسناة تمنع ماءَ السيلِ أن يعلوَ منازلَ الكوفةِ ومقابرَها، وللنجف أسماء أخرى لسنا بصددها.
كانت تلك البقعةُ طيبةَ المناخ، هواؤها مصحةٌ للأجسام، لذا فإنها كانت عامرةً قديمًا بالقصورِ والأديرةِ والحاناتِ قبل الإسلام وبعدَه، وقد أحصى أستاذُنا طيبُ الذكرِ الدكتور مصطفى جواد عددًا غيرَ قليلٍ من المباني والقصورِ والأديرةِ والحانات التي تفرقت في البقعةِ الممتدة ما بين النجف والكوفة والحيرة، كما نشر صديقنا العزيز سعيد الطريحي كتابًا عن أديرتها لم أطلع عليه بعد، ومازلنا حين نستعرض سيرةَ أبي نؤاس نتحدثُ عن رحلتهِ إلى الكوفة ومعاشرتهِ مجانَها في حاناتِ الكوفة وأديرتِها، ذكر الدكتور مصطفى من بين ما ذكر من القصور المنتشرة في نواحي النجف قصرَ العذيبِ والصنبِ والأبيضِ والغرسِ والزوراء والعدسيين والقصور الحمر وغيرَها، وذكر من الأديرة من بين ما ذكر ديرَ الحريق والأسكون وحنة وابن مزعوق ومارت مريم وحنة الكبير وهند الكبرى وهند الصغرى وغيرَها.
كان الإمام عليه السلام يستروح أحيانًا في ذلك النجف لوحده أو مع خاصته، وحكاياتٌ تروى عن ذلك الاسترواح لسنا بصددها، ولاشك أنه اختارَ البقعةَ التي سيدفن فيها وللبقعةِ والاختيارِ حكاياتٌ لسنا بصددها، ولكنها بقعةٌ تقع وسطَ ثلاثةِ تلالٍ.
ووقع قدرُ الله، وذهب الإمام شهيدًا في بيت الله الذي سبقت ولادتُه فيه، وحمله الحسنانِ وبقية أولاده وابن أخيه عبد الله بن جعفر وخاصة خاصتهِ ليلاً بعد أن حفرت لحودٌ في مناطق عدة، وهيئ تابوتٌ على جمل كأنه متجهٌ إلى المدينة كلُّ ذلك حتى لا يشتهر قبرُهُ بين الناس، وحكايةُ تشييعه إلى مثواه الأخير وتعميةُ مكانِ دفنه فيها حكاياتٌ لسنا بصددها.
وأصبح الضريحُ أثرًا إلا على أهل بيتهِ وخاصةِ الخاصةِ من محبي آل البيت، حتى سنة 132 هـ 750م حيث استولى العباسيونَ على الحكم، ومنذ استشهاده حتى تلك السنة زاره غيرَ مرة الحسنان وعليُّ ابن الحسين ومحمدُ بن علي وجعفرُ بن محمد عليهم السلام، وغيرُهم من خاصة محبي أهل البيت.

عماراته:
أول بناء أو شاهد على ضريح أمير المؤمنين كان بأمرٍ من الإمام جعفرِ بن محمد الصادق عليه السلام بعد قيام الدولةِ العباسية، إذ سافر إلى العراق بطلب من أبي جعفر المنصور فلما وصل الكوفةَ قام بزيارة جده  وأعطى صفوانَ الجمال دراهمَ لإصلاح القبر، ويبدو من الرواية أن مكانَ القبر كان أثرًا ليس فيه أيةُ علامة، وقد حدَّدَ بعضُهم هذه الزيارة بسنة 140 هـ 757م وهو تحديدٌ يدعو إلى التأمل، إذ يترجحُ عندي أنها كانت في أخريات سنياتِ الدولة الأموية، إذ يبدو من الرواية التي ساقها صاحبُ نزهة الغري أن الإمامَ أذن لجمَّاله أن يسمحَ بالزيارة لشيعة الإمام لأن الدولة الأموية كانت تلفظ أنفاسها الأخيرة.
- هناك روايتانِ في أمر التحقق من وجود القبر، الأولى أن داودَ بنَ علي أراد أن يتأكدَ منه بعد أن رأى إقبالَ الناس على زيارته فأمر ثلاثةً من المختصين في حفر القبورِ لنبشهِ ومعرفةِ خبره، ولما تأكد الخبُر عنده أمر أحدَ الصناعِ أن يصنعَ صندوقًا ويضعَهُ عليه.
- ويقال: إن أبا جعفر المنصور ذهب بنفسه مع أحد مواليه إلى القبر الشريفِ للتأكدِ من وجوده، فحفر مولاه فلما بلغ اللحدَ أمره بطمِّهِ وقال: هذا قبر أمير المؤمنين، وإنما أردت أن أتأكد.
- أول عمارةٍ أقيمت على قبر أمير المؤمنين هي عمارةُ هارونِ الرشيد، وهي عبارةٌ عن بناءٍ مربع من الحجارةِ البيضاء فوقه قبةٍ من الطين الأحمر وتعلو القبةَ جرةٌ خضراء كما وصفها الديلمي في إرشاد القلوب، واختُلف في تاريخها فقيل سنة 170هـ 786م، وقيل سنة 180هـ 796م وقيل غيرُ هذين، وذكر أحدهُم أن هذه الجرة مازالت محفوظة في إحدى خزائن الضريح.
- قام بالعمارة الثالثة عمرُ بن يحيى الذي كان أبوه من أصحابِ الإمام موسى بن جعفر، ويبدو أن هذه العمارة كانت قبل سنة 250هـ 864م، إذ إن عمرَ هذا قتل في التاريخ المذكور وحملَ رأسُه إلى المستعين.
- وقام بالعمارة الرابعة محمد بن زيد المعروف بالداعي، وهي من العمارات المهمةِ، إذ إنه أعاد القبةَ، ووسَّع الصحنَ وأعاد بناءَ الجدران، ثم أضافَ حصنًا يتكون من سبعين عقدًا، وكانت بعد هَدَمَ المتوكل عمارتي النجف وكربلاء، ولاشك أنها كانت قبل سنة 287هـ 900م، إذ إن الداعي المذكور قد ملك طبرستان قرابة العقدين وقُتل فيها في التاريخ المذكور.
- ويذكر ابنُ حوقل أن أبا الهيجاء شَهِدَ المكان وجعل عليه حصنًا منيعًا وابتنى على القبر الشريف قبةً عظيمةً رفيعةَ الأركان، من كل جانبٍ لها أبوابٌ، وسترها بفاخر الستور، ولابد أن تكون هذه العمارةُ قبل العمارةِ البويهية الآتية الذكر.
- وقام بالعمارة السادسة عضدُ الدولة البويهي، ولابد أن يعودَ تاريخها إلى ما قبل سنة 372هـ 982م التي توفي فيها عضد الدولة المذكور، وهي من أجلِّ العماراتِ وأعظمِها، وقد أوصى عضدُ الدولة أن يدفنَ فيها، وقد أجريت على العمارِ المذكورة إصلاحاتٌ عدة، أجرى بعضَها من تشيع من خلفاءِ بني العباس، وأجرى بعضَها بعضُ من تشيع من أسرة جنكيز خان، ويبدو من وصف ابن بطوطة للضريح أن عمارة عضدِ الدولة تتكون من ضريحٍ مربعِ الشكل تعلوه قبةٌ يفضي أحدُ أبوابها إلى مسجد إذ قال: (وللقبة بابٌ آخر عتبتُهُ من الفضة وعليه ستورُ الحرير الملون يفضي إلى مسجد مفروش بالبسطِ الحسان، مستورةٌ حيطانُه وسقفُه بستور الحريرِ وله أربعُ أبوابٍ عِتبُها فضةٌ وعليها ستورٌ الحرير).
- ولا يعرف تحديدًا من الذي قام بالعمارة السابعة، ولكنها كانت في سنة 760هـ 1359م زمنَ الإيلخانيين الذين حكموا العراق وإيران خلال القرن الثامن الهجري، وسبب تجديدِها احتراق عمارة البويهيين، ولا يوجد وصفٌ دقيقٌ لهذه العمارة في المصادر التي وقفت عليها.

العمارة القائمة:
- أما العمارة الثامنة وهي القائمةُ اليوم فيبدو أنها كانت بأمر من الشاه صفي حفيدِ الشاه عباس الأول، وأكملتْ في زمنِ الشاه عباس الثاني ونسبت إليه،وإنه بدئ بها سنة 1047هـ 1637م، وهناك رأيٌ آخر يعزو بدايتها إلى الشاه عباس الأول.
وترجح الدكتورة سعاد ماهر محمد أن تكون المباني القديمةُ في السورِ من عمل الشاه عباس الأول، أما العمارةُ الأحدث عهدًا وهي التي أعطت الضريحَ كلَّه شكلَه وتخطيطَه العام فترجعُ إلى الشاه صفي حفيد الشاه عباس الأول، وليس ما يمنع أن يكون ولدُه عباسُ الثاني قد قام بإتمام عمل والده بعد وفاته.
يحيط بالضريح المقدس سورٌ طولُ ضلعيه الشرقي والغربي من الخارج 84 مترًا، ومن الداخل 77مترًا وطولُ ضلعهِ الجنوبي من الخارج 75 مترًا، ومن الداخل 72مترًا، أما طولُ ضلعه الشمالي من الخارج 74 مترًا، ومن الداخل 72مترًا.
يبلغ ارتفعُ السور 17مترًا، ومبانيه من الداخل تتكون من طابقين، عدد أواوين الطابق الأول 54 إيوانًا وهي مقببةٌ فتحتُها معقودةٌ بعقودٍ فارسية مدببة، وعددُ الغرف في الدور الثاني 78 غرفة.
جدرانُه مكسوةٌ بالحجر القاشاني الملون بالصور النباتية والحواشي العليا كتبت فيها بعضُ الصور القرآنية التي قام عليها أمهرُ الخطاطين.
يوجد في السور الخارجي خمسة أبواب.
1- الباب الكبير: ويقع في جهتهِ الشرقية المقابلة لسوق المدينة الكبير، ويعد هذا البابُ وثيقةً تاريخية مهمة يمكن الاعتماد عليها في معرفة الترميمات التي أجريت للمشهد الحيدري منذ العصر الصفوي، فقد حفلت واجهتها الخارجية والداخلية وكذا دهليزها ببلاطات ومقرنصات من القاشاني البديع سجلت عليها تورايخ عدة تشير إلى تواريخ التجديد وأسماء بعض الصناع.
2- باب مسلم بن عقيل: ويقع في يمين البابِ الكبير في الجهة الشرقية أيضًا.
3- باب الطوسي: نسبةً إلى الشيخ الطوسي مؤسس الجامعة النجفية، ويقع في الجهة الشمالية.
4- باب القبلة: ويقع في الجهة الجنوبية من السور، وقد عرف بهذا الاسم لمواجهته القبلة.
5- الباب السلطاني: وهو أحدثُها وقد فتح بأمر السلطان العثماني عبد العزيز سنة 1279 هـ 1862م، إذ كانت للسلاطين العثمانيين عنايةٌ واضحةٌ بعمارةِ الضريح خاصة، وبالمدينة عامة، أذكر منها على سبيل المثال لا الحصر أن المئذنةَ الجنوبيةَ حدث فيها ميلٌ سنة 1281 هـ 1864م فقلع ما عليها من الذهب وهدمت إلى الأرض وأعيد بناؤها بأمر السلطان عبد العزيز، كما هُدمت المئذنةُ الشماليةُ إلى نصفها بأمر السلطان عبد الحميد سنة، وتم إصلاحها سنة 1316هـ 1898م بالإضافة إلى محاولات حفرِ بعض الترع من نهر الفرات لإيصال الماء إلى المدينة.
وهي أحاديث كثيرة لسنا بصددها اليوم لأنها تحتاج إلى وقفة أخرى.
في الجهتين الشمالية والغربية من السور بعضُ المباني والعمائر القديمة التي يرجع تاريخُ بعضِها إلى القرن الرابع الهجري، كمسجد عمران بن شاهين، ومسجدِ الرأس الذي يرجع تاريخه إلى القرن الثامن الهجري، ويقع في الجهة الغربية من السور الخارجي للمشهد الحيدري، وإيوانِ العلماء، وهو إيوانٌ كبيرٌ يقع في الجهة الشمالية من السور، وعرفَ بهذا الاسم لكثرة العلماء المدفونين فيه، والقاشانيُّ الموجود فيه يعد وثيقةً تاريخيةً مهمة إذ إنه من أقدمِ القاشاني الموجود في المشهد، ويحتوي بالإضافة إلى ريازتهِ الرائعة قصيدةً شملت أسماءَ جميع الأئمة يعود تاريخُها إلى سنة 1160 هـ 1747م، ومسجدِ الخضراء الذي يقع في النهاية الشمالية للجانب الشرقي من السور الخارجي، وهو من المساجد القديمةِ التي لا يعرف تاريخ إنشائها، ولا سبب تسميتِها، والتكيةِ البكتاشية التي تقع في الجهة الغربية من السور، والاسمُ لفظٌ أطلق في العصر العثماني على العمائرِ التي ينقطع فيها الناس للعبادة، أما سببُ تسميتِها بالبكتاشية فنسبةٌ إلى فرقة صوفية تركية تنسب إلى السيد محمد بن إبراهيم آتا الشهير بالحاج بكتاش، وهو ولي تركي من أتباع الشيخ أحمد السيوري، وكان لأخينا الأستاذ سعيد الطريحي ووالدهِ رحمه الله عنايةً خاصة بهذه التكية وتاريخها، ويرجح أنها بنيت في القرن الثامن الهجري.
يلي السورَ الخارجيَّ الصحنُ الذي يحيط بالضريح الشريف من جميع الجهات باستثناء جهتهِ الغربية التي تظلها سقيفةٌ مرتفعة، وتبلغ مساحة الصحن ما يقرب من سبعة آلاف متر مربع، وكانت أرضهُ مزدحمةً بالقبور والمحاريب حتى سنة 1206 هـ 1792م حيث عبدت أرضُه وحفرت فيه السراديبُ التي نقل إليها رفاتُ كثيرٍ من القبور، وفي عهد السلطان عبد الحميد أعيدَ ترميمُ أرض الصحن بأمر منه سنة 1315 هـ 1897م.
الروضة المقدسة: وهي مبنى مربعُ الشكل، مساحته 169 مترًا، طولُ كلِّ ضلعٍ من أضلاعه 13 مترًا، تعلوه قبتان، خارجيةٌ ارتفاعُها عن سطح الضريح 42 مترًا محيطُ قطرِها 50 مترًا، أما الداخليةُ فارتفاعها 35 مترًا وقطرُها حوالي 38 مترًا، زخارفُ القبة من الداخل والخارج آية من آيات الفن الإسلامي، تقول الدكتورة سعاد: ( زخرفت هذه القبةُ من الداخل والخارج بزخارفَ تعتبر آيةً من آياتِ الفن الإسلامي سواءٌ أكان ذلك من الناحية الجمالية أم التطبيقيةِ الفنيةِ أم المادية كسي المقرنصُ الكبير الذي يحمل رقبةَ القبةِ بالمرايا المصنوعةِ على شكل مقرنصاتٍ صغيرةٍ مصفوفة في ستةِ صفوف يبلغ ارتفاعُ كلٍ منها ربعَ متر، ويعلو الزخارفَ الزجاجيةَ بلاطٌ من القاشاني يكون شريطًا عريضًا من كتابة عربية لآيات من الذكر الحكيم، يعلو الشريطَ اثنتا عشرةَ نافذةً عقودُها المدببةُ المحصورة بينها مملوءةٌ بالأشكال الهندسية والنباتية البديعة.
الجدران الأربعةُ بأعمدتها الأربعةِ التي تحمل القبةَ يبلغُ ارتفاعها 17 مترًا، غشِّيت كلُّها بأنواع من الزخارفَ النفيسةِ والألوانِ البديعةِ، وفرشت أرضيةُ الضريح بالمرمرِ الإيطالي المصقول، كما كُسيت الجدرانُ إلى ارتفاعِ ثلاثةِ أذرعٍ ونصف بذلك المرمرِ الذي لم أر مثيلاً له في جميع البناياتِ والأضرحةِ المقدسة التي تشرفت بزيارتها، وغشيت باقي الجدران حتى رقبةِ القبة بطبقة من الفسيفساءِ البديعة النادرة المكونة من أحجارٍ كريمة كالياقوتِ والزمرُّد والماس واللؤلؤ النادر بحيث يعجز الإنسان عن وصفها مهما أوتي من العلم والقدرة والبلاغة.
يحيطُ بالضريحِ رواقٌ من جميع الجهات يكاد يكون سقفه آيةً من آيات الفن الإسلامي البديع، يتقدم الرواق الشرقي بهوٌ أو ( طارمة) يرتفع عن أرضية الصحن بمقدار متر، طوله 33 مترًا وعرضه 20 مترًا في واجهة البابِ الرئيسي الشرقي، يوجد فيه إيوانٌ كبير يعرف بالإيوان الذهبي وقد حفل بكثير من الزخارف والكتابات.
أمر نادر شاه في سنة 1156للهجرة عند زيارته الضريح المقدس بقلع بلاط القاشاني الذي غلفت فيه قبةُ الإمام ومنارتاه، وإبدالهِ بصفائحَ ذهبيةٍ، مساحةُ الواحدة منها 400سنتمتر مربع، وبلغ عددُ الصفائح التي وضعت على القبة 7777صفيحةً من الذهب الخالص، وعددُ الصفائح التي وضعت على المئذنتين 8000صفيحةٍ ذهبية خالصة، وعدد الصفائح التي وضعت على الإيوان الكبير 32000صفيحةً ذهبية، أي: ما يغطي ما مساحته 1880مترًا مربعًا، يوجد في جوار المئذنة الشمالية مرقد العلامة الحلي طيب الله ثراه، وبجوار المئذنة الجنوبية مرقد العلامة الأردبيلي، كما توجد بجوار هذه المئذنة خزانة خاصة ببعض مقتنيات الضريح لم تكن تفتح في العهد الملكي إلا بإرادة ملكية، ولم تفتح إلا مرتين في ذلك العهد.
جدران الروضة المطهرة مكسوة من الخارج بالبلاط القاشاني البديع الذي يرجع تاريخُه إلى العصر العثماني
أبدلت البابُ التي تتوسط الإيوان الفضية ببابٍ ذهبية كبيرة سنة 1373هـ 1954م تحتوي على 17500غرامًا من الذهبِ الصافي، و200000 غرامٍ من الفضة، والبابُ آيةٌ من آيات الفن الإسلامي.، كما أبدلت البابان الفضيان اللذان يدخل منهما الزائرون من الرواق إلى الحرم ببابين من الذهب المطعم بالميناء أيضًا، أما البابُ الرابع والخامس فهما من الفضة ويقعان في الجهة الغربية عند الرأس الشريف، أما الباب السادسُ فيقع في الجانبِ الجنوبي من الروضة المطهرة في مواجهة باب القبلة أهدته الحاجة طخة والدة الزعيم العراقي المعروف الحاج عبد الواحد سكر.
أبدل الصندوقُ القديم الذي كان موضوعًا على قبرِ الإمام بصندوقٍ جديدٍ مصنوعٍ من خشب الصاج المنبَّت بالذهب والفضة والعاج والميناء، تبرع به محمد جعفر بن محمد صادق أحد ملوك الزند سنة 1202 هـ 1788م وقد نقشتْ عليه آياتٌ من الذكر الحكيم، وقد غلفَ الصندوقُ المذكور بصندوقٍ من الزجاج الفاخر سنة 1361هـ 1942م لوقايته من الأتربة.
جدد الشباكُ الفضي القديم الذي يعد من آيات الفن الإسلامي بشباكٍ جديد وضعَ على الضريح المقدس سنة 1361هـ 1942م، تبرع به السردارُ طاهر سيف الدين الرئيس الديني لطائفةِ البهرة في الهند، وفي الشباك المذكور 52500غرام من الذهب الخالص، و 10000000غرام من الفضة ولا يسعنا الحديث عن وصف هذه التحفة الفنية التي لا مثيل لها وشارك في صناعتها أمهرُ الصناع الهنود.

خزانة الضريح:
تحدث حشدٌ من أبناء المدينة وغيرهم في مناسبات مختلفةٍ عن ضرورةِ إظهارِ كنوزِ تلك الخزانة، والإفادة منها في أغراض شتى، بالبيع أحيانًا زمن الوالي مدحت باشا، وبالعرض في أحيان أخرى، إلا أنه كان للقائمينَ على هذا الإرث رأيٌ آخر فبقي حبيسًا في زاوية لا تعرف شيئًا عن الصيانةِ الآثارية، ولعل ما سلمَ منها اليوم لا يمثل إلا جزءًا يسيرًا منها، فقد أكلت العثةُ والآفاتُ والرطوبةُ والجفافُ الشديد أجزاءً، وأكل الصدأُ أجزاءً أخرى، وامتدت أيادٍ لا تعرفُ الأمانةَ فتصرفت بطريقة أو بأخرى بجزءٍ آخر، ولا يدرى حجمُ السالم من ذلك الإرثِ العظيم، ولعل خيرَ مثال على ما نقول ما حل بمكتبة أمير المؤمنين العامة التي غابت بعضُ نوادرها في مكتباتٍ لا تعرف اليوم، أما الباقي منها فلا أدري ما حل به، وتستطيع أن تقرأ مصداقًا لما ذكرناه مقالةً نشرها العلامة المحقق محمد هادي الأميني في (موسوعة النجف الأشرف) 3/155-162 بعنوان (خزانة الحرم الشريف وما بها من الهدايا والتحف)، ألتقط منها بعضَ عباراته كقوله: (وقد ذكر الواعون من النجفيين أنه كان على رفوف المكتبة العلوية عشراتُ الألوف من الكتب بما فيها نسخُ القرآن الأثرية وكتبُ الأدعية والأوراد، وقد فرَّقت يدُ الأحداث تلكَ النفائس ولم يبق اليوم إلا ما يقارب الأربعمائة نسخة، وتوزعت النسخُ على البيوتات، وما زالت طائفةٌ منها تمتلك بعضًا من تلك المخطوطات وقد جاء على ظهر الكثير منها عبارة: هذا كتاب من كتب الخزانة العلوية وقد بيعت الكتبُ بأسعار زهيدة، وانتقلتْ ولم يعرف مصيُرها ومسيرُها)، وذكر الأميني في هذا السياق أيضًا حكاياتٍ أخرى يستطيع من يرغب بمعرفتها الاطلاعَ عليها في المقالة المذكورة، على أن الذي أعرفه عدمَ جواز بيع الموقوف إلا لسبب يقره الشرع، فكيف جاز نهبُ ما نهبَ من تلك الخزانة أو التصرفُ بها بالاستعارة الدائمة التي أدت في النهاية إلى البيع.
وذكر الأميني أيضًا حكاياتٍ عن بعض التحف التي تسربت من خزانة أمير المؤمنين ووصل بعضُها إلى قصر عبد الإله، وبعضُها إلى قصر نوري السعيد، وقدم بعضها هدايا إلى هذا وذاك في مناسبات لا يقرها شرع ولا قانون، ولعل ما خفي كان أعظم.
كما ذكر المرحوم جعفر الخليلي في موسوعة العتبات المقدسة في القسم الخاص بالنجف 1/188 أن ماسةً بولغ في ثمنها في فانوس مرصع بأثمن الأحجار اليتيمة معلق بسلسلة من الذهب فوق الضريح كاد يسرقها أحد اللصوص أوائل القرن الماضي في حيلة لا تخطر على بال، ولولا العناية الإلهية لذهبت مع ما ذهب من نوادر خزانة الروضة الشريفة.
ونشر الأستاذ محمد سعيد الطريحي سنة 1990م في مجلته الموسم بعددها الخامس من سنتها الثانية تقريرًا عن وضعية هدايا العتباتِ المقدسة أعده الخبير المصري محمد مصطفى الماحي الذي زار العراق سنة 1937م بتكليف من الحكومة العراقية ذكر فيه ما أصاب هدايا العتبات المقدسة من دمار وإهمال وسوء إدارة أرى من واجبي توجيهَ نداء إلى القائمين على أمر تلك الخزائن لإنقاذ ما يمكن إنقاذه منها في أسرع الآجال، وأنقل لهم فقرة مما ذكره الأستاذ الماحي عن خزانة سجادٍ ونسيجٍ لا تزيد مساحتها عن تسعة أمتار، قال فيها: (ولست أستطيع أن أصورَ مقدارَ ألمي وأسفي على ما وجدته من آثار الإهمال وعدم التقدير ما لهذه الهدايا من القيمة العظيمة، فإن هذه القطع من السجاد المنسوجة من الخز والديباج نسجًا يعيى بمثله أهل هذا الزمان، وقطعِ الستائر المرصعة باللؤلؤ المنضود وغيِر ذلك من المنسوجات التي يتنافسُ في مثلها الملوك وأصحاب الملايين، ملقاةٍ في غرفة لا يزيد حجمها على ثلاثة أمتار في مثلها لا تدخلها الشمس مطلقًا، وليس لها إلا نافذة صغيرة جدًّا مسدودة لا يدخلها الهواء، وهذه المنسوجات الثمينة مطوية وموضوعة في مكان رطب يأكلها العثُّ، ويعبث بها البلى والتلفُ، ولقد أمسكت بيدي بعضَ هذه السجاجيد الحريريةِ الجميلةِ فوجدت بها خروقًا من أثر أكل العث لها ونفذت أصابعي من هذه الخروق فشعرت بالحسرة على تلك الثروة الموكولة إلى من لا يقدر ثمنها).
وعلى الرغم من مرور سبعين سنةً على ذلك التقرير الذي أعده الخبير الماحي وقدمه إلى الحكومة العراقية آنذاك فإن أغلبَ التوصيات التي وردت فيه لم تنفذ بعد على الرغم من أهميتها، فلم تُعدَّ سجلات لقيد الأثاث الموجود، ولم تعد سجلات أخرى لحصر الهدايا الموجودة في العتبات المقدسة عامة، ولم تصنف تلك الهدايا، ولم، ولم، ومن الطرفِ التي تدعو إلى الأسف والحيرة التي قرأتها في ذلك التقرير وتدعو إلى الأسى قوله: ( ولما كان مدير أوقاف كربلاء من أعضاء هذه اللجان - أي لجان حصر الهدايا الموجودة في حرم أمير المؤمنين وولديه الحسين والعباس عليهم السلام – بصفته ممثلاً لإدارة الأوقاف وهو الذي تولى تحرير الهدايا فقد كتب إلى مديرية الأوقاف العامة في 15/1/1936م من أنه اتفق مع خطاط لتنظيمِ واستخراج أربع نسخ لكل من تحرير هدايا العتبات المقدسة والكائنة في كربلاء والنجف بدينار واحد، وطلب الموافقة على صرف المبلغ المذكور لأن الخطاط الموما إليه على وشك إنجاز ذلك، ومع انقضاء سنة ونصف من هذا التاريخ فإن دفاتر تحرير الهدايا لم تصل من مديرية أوقاف كربلاء، كما لم يصل شيء من متصرف لواء كربلاء).
وأود التنويهَ هنا أنه من غرائب الأمور أن المدينةَ التي تحمل على كتفيها كلَّ ذلك الإرث الحضاري وكلَّ تلك الشخصية الاعتبارية العملاقة لم تقدم حتى الساعة بحسب علمي دراسةً تستوعب وصفَ خزائنها، وهي كثيرة، كما أن أهم عرضٍ موجز لكنوزِ الضريح المقدس لم يكن على يد أحد من أبنائها أو على يد واحدٍ من العراقيين المختصين بالآثار الإسلامية على الرغم من كثرتهم، وإنما كان على يد باحثةٍ مصرية هي الدكتورة سعاد ماهر محمد، ولولا هذا الجهد الكبير الذي قدمته طيبةُ الذكر لبقيت الخزانةُ لغزًا لا يعرف معناه، بل لولا موسوعة النجف الأشرف التي جمع بحوثها وتكلَّف نشرَها طيبُ الذكر جعفر الدجيلي لصعبَ على كثيرين الاطلاع على كتاب الدكتورة سعاد الذي طبعته بمطابع دار المعارف بمصر سنة 1969م بعنوان (مشهد الإمام علي في النجف)، إذ نشرَ جله في الجزأين الثاني والثالث من موسوعته آنفة الذكر.
ولا أشك في أن جهدَ الدكتورة سعاد ماهر محمد جدير بالعرضِ والإشادة، إذ تكلفت في سبيل إنجازه من العناء ما لابد أن يحسب في ميزان حسناتها، وأزعم أنها في كتابها (مشهد الإمام علي في النجف) قد نالت عزَّ الدنيا والآخرة، فقد حفظت لنا شيئًا ليس بقليل عن الخزانة وتاريخ الضريح، ولابد أنها قاست الأمرين للوصول إلى بغيتها، في ظرفٍ كان من الصعب على أي وجيه دخولُ الخزانةِ أو رؤيةُ نفائسها، وعلى رأي العلامة الأميني فإن هذه السيدة ( تكبدت من المشاق في سبيل تمكينها من رؤية تلك التحف المختزنة والتي لم يكن من الميسور رؤيتها ولا أخذ صورها إلا ليلاً، ابتداء من الساعة العاشرة حتى الساعة الرابعة صباحًا). ويبدو أن ما اطلعت عليه الدكتورة سعاد يمثل جانبًا من تلك التحف التي لا يقدر بعضها بثمن إذ تقول: ( يوجد العدد الأكبر من هذه المخلفات في خزانة مبنية في جدار الروضة الحيدرية في الرواق الجنوبي من الحرم الشريف، ويبلغ عددها (2020) تحفة )، إلا أن الأميني ذكر في مقالته سابقة الذكر أن في الضريح الشريف أربعُ خزائنَ، إحداها كانت في مكان تحت الأرض (في حجرة بجنب المنارة الجنوبية)، ويَذكرُ أن هذه الخزانة لم تفتح إلا مرتين الأولى في أثناء زيارة السلطان ناصر الدين شاه القاجاري، ( وكانت لا تفتح إلا بإرادة ملكية فجاء ناصر الدين شاه ومعه خبير بالأحجار النفيسة والأثريات ومعه أحد العلماء وهو السيد علي بحر العلوم، ومعهم الخازن، وبعد أن اطلع عليها أمر بغلقها)، وفتحت مرةً أخرى على يد متصرف كربلاء صالح جبر ... ومعه ممثل من العلماء وخبير وخازن، وبعد الوقوف على ما فيها نقلت بكل تحفظ واحتياط إلى داخل الروضة وشُقَّتْ لها ساريةٌ من السواري، وأتي بصندوقٍ حديدي كبير وبمقدارٍ من القطن المعقم فلفَّت تلك النفائس ووضعت مرتبةٍ في ذلك الصندوق بعد أن سجلَ ما فيه ووقع الحاضرون على ذلك السجل الذي أودع ذلك الصندوق إلى جنب السجل الموقع من قبل ناصر الدين شاه ورفاقه وسد الصندوق وسدت السارية).
قسمت الدكتورة سعاد التحف التي اطلعت عليها على ستة أقسام هي:
1- المصاحف المخطوطة: ذكرت أن في الخزانة خمسمائة وخمسون مصحفًا أثريًّا يرجع أقدمها إلى القرن الأول الهجري، وتتوالى في سلسلة تكاد تكون متصلةً حتى القرن الرابع عشر الهجري، بعضُها مكتوبٌ على الرق وبعضُها على الكاغد، وقد كتبت بخطوط مختلفة.
ويتبين لك من الوصفِ المذكور أن الباحثَ يستطيعُ من خلال هذه المصاحف تبيَن تطورِ كتابة المصاحف عبر العصور، كما تستطيع تبيَن قيمتها وما يمكن أن تمثله في نفوس المسلمين إذا علمتَ أن نسخةً عتيقة منها مكتوبة بالخط الكوفي تنسب إلى الأمام علي، وأخرى تنسب إلى الإمام الحسن، وثالثة تنسب إلى الإمام زين العابدين عليهم السلام، إن معرضًا للمصاحف المنسوبة لأهل البيت فحسب كفيلٌ أن يزوره ملايين المسلمين تيمنًا وتبركًا برؤية خطوطهم عليهم السلام.
2- التحف المعدنية: وفي الخزانة أربعمائة وعشرون قطعةً تمثل مجموعة من الحلي الذهبي المرصع بالجواهر الثمينة كالزمرد والياقوت والماس واللؤلؤ وما إلى ذلك.
وسأذكر أمثلة منها على ما جاء في كتاب الدكتورة سعاد السابق الذكر.
- أربعة قناديلَ ذهبيةٍ في كل منها ستُ طغرٍ كلُّ طغراءَ فيها ثمانيةُ أحجارٍ كريمة يتوسطها حجرٌ من الزمرُّد، وتحفُّ بكل طغراء زهرةٌ من الميناء رصعت بزمردةٍ كبيرة تحفها اثنتا عشرة حجرةً من الياقوت، وتعلو كلَّ طغراء ثلاثُ لؤلؤاتٍ مع اثنتي عشرة حجرةً من الزمرد الأخضر، وقد ملئ الرأسُ والقاعدةُ بالجواهر النادرة التي تسبي العقول، وهذه القناديلُ من هدايا السلطان حسين.
- قناديلُ ذهبيةٍ أهدتها زينبُ بكم بنت الملك شاه طهماز الصفوي، وهذه القناديل كسابقتها مرصعةٌ بالأحجارِ الكريمة التي لا تقدر بثمن وزن كلِّ قنديل منها 7160 غرامًا.
- مبخرةٌ ذهبيةٌ أهداها نادر شاه سنة 1156هـ 1743م، وهي مثمنةُ الشكل ذاتُ غطاء كروي مشبكٍ مرصعٍ بمختلفِ الأحجارِ الكريمة، أما مربعات المبخرة فلكلٍّ منها إطارٌ من عشرة أحجار ماسيةٍ، وأربعةِ أحجارٍ زمردية وحجرٍ واحدٍ كبيٍر من الياقوت تحيط به مجموعةٌ من أحجار الماس وتعتبر آية من آيات الفن يبلغ وزنها 7345 غرامًا.
- زهرة$ ذهبيةٌ أوقفها الحاج محمد بن دركاه سنة 1182هـ 1768م مزينةٌ بماسة كبيرة مخروطيةُ الشكل عليها ثلاثُ زمرداتٍ وثلاثُ ياقوتاتٍ كتب على ظهرها وزن الأحجار.
- قلادةٌ ذهبيةٌ مزينةٌ بالميناء الأخضر وفيها ثلاثةٌ أحجار من الياقوتِ تتوسطُها ماسةٌ كبيرة ذاتُ ستة أضلاع في وسطها لوحةٌ دائرية من الميناء الأزرقِ كتب فيها بنده شاه ولايت سلطان حسين سنة 1112هـ 1700م.
- نطاقٌ ذهبٌّي يحتوي على أربعين عقدةٍ ذهبية على كل واحدةٍ حجرٌ من الزمرد وزهرتان تحتوي الواحدةُ منها على ثماني ياقوتاتٍ وزمردة واحدة.
- قلبٌ ذهبيٌّ مرصعٌ بحجر كبير من الماس يحيط به خطانِ من أحجار الزمرد والياقوت، وغيُرها كثير مما ذكرته الدكتورة سعاد في هذه الخزانة، كما يوجد في خزانةٍ أخرى عددٌ كبير من القناديلِ الذهبية والمصاحف بعضُها رصع جلدُه بالأحجار الكريمة، وسيوفٌ ومباخرُ وتيجانٌ أحدها يحتوي على اثنتي عشرة وردة في كل منها ستةُ أحجار من الماس تحيط بحجرةٍ كبيرة من الزمرد، وبه زمردتان كبيرتان في جهة واحدة ، وتزينُ العمامةَ التي تعلو التاجَ أحجارٌ من اللؤلؤ أهدته تاج النساء بكم سنة 1240هـ 1240م يعود لأحد الملوك.
وأشار الأميني في مقالته السابقةِ الذكر إلى نوادرَ أخرى من جملتها ( مجمرٌ من الذهب وضعت فيه ستةُ أحجارٍ من الياقوت الأحمر تشعُ وتلتهب كأنها الجمر، وفيها عقد كبير من الماس كتب عليه نادر)، وغيرها.
3- المنسوجات: وفي الخزانة أربعمائة وأربعة وثمانون قطعةً من النسيج، ويحتوي كثير منها على خيوط ذهبية وفضية كما رصع بعضُها بالأحجار الكريمة واللؤلؤ. وقد أسهبت الدكتورة في وصف بعضها، وإظهار قيمتها وتاريخها وعبقرية ناسجيها، وأغلبُها من التحف النادرة التي لا تقدر بثمن.
4- السجاد: وفي الخزانة ثلاثمائة وخمس وعشرون سجادة، تقول عنها الدكتورة سعاد: ( وتعتبر مجموعة السجاد الموجودة بالمشهد نادرة ولا مثيل لها في العالم من الناحيتين الفنية والمعنوية)، وفي خلال حديثها عن بعض فرائدها ذكرت أن هناك سجادة (معقودة من الوجهين، وبكل وجه زخارف وألوان مختلفة كل الاختلاف عنها في الوجه الآخر).
كما يوجد في الخزائن سجاد أهداه الشاه عباس الصفوي قدر ثمنُ الواحدة منها في ستينيات القرن الماضي بثلاثة ملايين دولار أو أكثر، وإذا كان ثمنها في وقت كان سعر غرام الذهب لا يتجاوز النصف دولار فكم سيكون ثمنها الآن، هذا بالإضافة إلى عشرات القطع الأخرى التي لا يوجد مثيل لها في العالم، أو النادرة المثال.
5- القطع الزجاجية: وفي الخزانة مائة وإحدى وعشرون قطعةً من الزجاج المختلف الأشكال بعضها ثريات من البلور النادر، وبعضها قناديل تضاء بالشمع وكرات زجاجية مما يسميه الأوربيون بيضة الشرق وغيرها، بعضها مرصع بالأحجار الكريمة التي لا تقدر بثمن.
6- التحف الخشبية: وتوجد منها مائة وست وخمسون تحفة غالبيتها من خشب الصاج الهندي البديع الصنع والزخرفة.
فإذا أضفنا إلى تلك الكنوز الباقي من الأبواب الفضية ذات الصنعةِ الفريدة والأقفاصِ التي كانت موضوعة على الضريح المقدس، والباقي من تحف وهدايا ورد ذكرُها أو وصفُها في كتاب الدكتورة سعاد، أو لم يرد تستطيع تقدير أهمية تلك التحف.
نها كنوز قيمتها المعنوية لا تتناسب مع قيمتها المادية لأنها تشرفت باسم أمير المؤمنين عليه السلام، أما قيمتها المادية فتفوق التصور.

أمنية تستحق المناقشة والتحضير:
وإذا كنت لا أتمنى دخول أية شركة لإعمار العراق إلى العراق عربية كانت أو أعجمية بسبب ثقتي بقدرةِ العراقيين على إعماره والنهوض به، فإني أتمنى دخولَ أعظم بيت خبرة هندسي عالمي لدراسة مشروعِ متحف الإمام، وأعظمَ شركة من هذه الشركات المختصة ببناء المتاحف لإنشاء متحف الإمام الذي تمنيته شامخًا كشموخِ صاحبه، بهيًّا كبهائه، ومثلُ هذا لا يكون بالكتل الخرسانية فحسب، وإنما يحتاج إلى حسن اختيار المكان، كما يحتاج إلى ورش صيانةٍ عالية المهارة فلابد أن العبث والدمارَ ولآفاتِ قد فعلت كلُّها فعلتَها بالباقي من تلك الكنوز، ولابد من احتوائه على قاعاتٍ مختلفة الأغراضِ والأهداف، ولابد من فندق ملحقٍ به لا كبقية الفنادق البائسة التي تحيط بالضريح المقدس، ولابد من بانوراما تجسدُ تاريخ الإمام في ركنٍ من أركانه، ولابد من عرضٍ للكنوز يشوقُ البعيدُ قبل القريب لرؤيتها، والأجنبيُّ قبل ابن البلاد الإسلامية إلى زيارتها، ولابد من معارضَ صورٍ لشخصياتِ المدينةِ التاريخية والاعتبارية، ولابد من مكتبةٍ خاصة تجمع تراثَ أبناء المدينة المخطوطَ منه والمطبوع، ولابد من مركزٍ للتراث الإسلامي والإنساني الذي تناولَ الإمام ومدينته بالدراسة أو التنويه، ولابد من مركزٍ إعلامي يتناسب مع الرسالة التي ستناط بهذا المتحف، ولابد من أماكنَ يقصدها الزوار للراحة من عناء الزيارة، ولابد ولابد ولابد، بحيث يكون صرحًا حضاريًّا يتناسب مع مكانة الحرم وقدسيته تحرص أممُ الأرض على زيارته، وبهذا يصبح المتحف كنزًا يستطيع حمل أعباء المدينة الاقتصادية كما استطاعت بعضُ المتاحف العالمية حمل أعباء مدن ثقيلة الحمل بصورة مباشرة أو غير مباشرة.
وتمنيت أن تقلع جميع الخرائب والبيوت والفنادق والمطاعم المحيطة بالحرم الشريف باستثناء ذات الطابع الآثاري أو الديني منها من مساجد قديمة، ومدارس دينية ذات أثر في تاريخ المدينة الديني والحضاري والثقافي، وأضرحة مقدسة لها منزلتها في الضمير الإسلامي.
إنه حلم آن أوان تحققه فمتى وكيف؟ الله أعلم؟
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://alomah.yoo7.com
 
تعرف على بيوت اللة ومقامات الصالحين(العراق)
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» تعرف على بيوت اللة ومقامات الصالحين(العراق)
» تعرف على بيوت اللة ومقامات الصالحين(المانيا)
» تعرف على بيوت اللة ومقامات الصالحين(القدس)
» تعرف على بيوت اللة ومقامات الصالحين (الصين)
» تعرف على بيوت اللة ومقامات الصالحين (بيروت)

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الموقع الرسمى لجريدة الامة الالكترونية :: جريدة الأمة :: خطوط حمراء أعداد/دليا مصطفى-
انتقل الى: