نداء مخلص لشباب مصر
فى وسط غشاوة الظلام، الذى تعيشه مصر، تشرق علينا شمس شباب مصر فتضىء لنا النهار، وشمعة تحترق فتضىء لنا الليل.. قاموا بكل شجاعة ونبل بحراسة المنازل- تطوعياً بتلقاء حس وطنى صادق- من الخارجين على القانون، وتنظيم المرور، ومراقبة السيارات التى تمر فى الشوارع حتى إنهم أقاموا نقاط تفتيش وتنظيف الشوارع من المخلفات المتراكمة!! من علمَّ هؤلاء ذلك الأسلوب المتحضر؟ سوى وطنيتهم الصادقة وشجاعتهم وحبهم الحقيقى للوطن.. إننى أنحنى بكل التقدير لهم، لقد قمت بمصافحتهم وتهنئتهم وشكرهم على شجاعتهم، وانحشرت فى حلقى الكلمات من كثرة تأثرى!!
لقد تمكن هذا الشباب الواعد من أن يخرجنا من حالة الإحباط واليأس إلى نور الحياة وبهجتها، حفظوا لنا مصر سالمة من كل أذى ودمار.. افرحى يا مصر وتغنى بشبابك العظيم، فى الوقت الذى قام فيه الذين أدعوا مسؤوليتهم عنا بالهروب المخزى والتهريب!! وتنصلوا من مسؤوليتهم، ولم نعد نسمع لهم صوتاً بعد!!
لقد آن الوقت لأن يتولى حكم مصر جيل من شباب مصر.. ليسوا من رجال الأعمال، ولا من المتقربين للسلطة، ولا من المنتفعين ولا من أصحاب الجاه، ولكن من لهم ولاء حقيقى للشعب المصرى العظيم، الذى يستحق كل الخير.. يا شباب مصر العظيم لقد كتبتم بدمائكم تاريخ مصر العظيم من جديد، وأثبتم أنكم أحفاد رجال الوطنية المخلصة.. ولكن احذروا من الذين يعبثون بمقدرات هذا الشعب، ويدمرون مستقبل الأمة.. لا تسمحوا بغريب أن يندس فى وسطكم، حتى لو قدم لكم العسل والشهد، ففى عسلهم سم قاتل يطيح بمستقبل مصر العظيم.
لو استقال الرئيس؟يستطيع الرئيس حسنى مبارك من خلال سطور قليلة أن يكتب استقالته ويبعث بها إلى رئيس مجلس الشعب، كما تنص المادة ٨٣ من الدستور، تاركاً مصر نهب مجهول غامض أصعب كثيراً مما قد يتصوره أحد، فى الوقت الذى ستدوس فيه عجلات القوى الجديدة، التى ستبرز من خلال الفوضى التى ستحدث، على مطالب الشباب ليس لأنها غير مشروعة وإنما لأنها تجاوزت الخطوط التى يجب أن تقف عندها، وما تجاوز حده انقلب إلى ضده.
وحيوية الشباب وثورته وحماسه وتماديه فى مطالبه من الطبيعى، ولكن من الضرورى على شيوخ هذا الوطن وحكمائه تبصير هذا الشباب بالعواقب التى يمكن أن تحدث إذا جرى الإصرار على حزمة المطالب التى يطلبونها كلها وأولها رحيل الرئيس، أو الاعتصام بميدان التحرير وكأن هذا الوطن لديه ما يوفر لملايينه الثمانين طعامهم واحتياجاتهم، دعك من أمنهم وحالات الفزع التى تعيشها البيوت!
والصورة التى يجب أن يعرفها شبابنا يمكن أن ألخصها فى النقاط الآتية:
١- إن أى حكم يجب أن يستند على شرعية تحميه، وعندما قام جمال عبدالناصر بحركة الجيش فى ٢٣ يوليو ١٩٥٢ فقد استند إلى قوة الجيش واعتبرها فترة ثورية غير مقيدة بدستور أو قوانين ومن ثم كانت قرارات حل الأحزاب وتعطيل الدستور وبعد ذلك قرارات التأميمات والحراسات.
٢- بهزيمة ١٩٦٧ طويت صفحة شرعية ثورة يوليو وحلت محلها الشرعية الدستورية التى تضمنت وسائل نقل السلطة طبقاً لما نص عليه الدستور، وهو ما حدث مع الرئيس أنور السادات بعد رحيل جمال عبدالناصر، ومع الرئيس حسنى مبارك بعد رحيل أنور السادات، فى المرتين جاء اختيار السادات ومبارك مستنداً إلى الشرعية الدستورية.
٣- هناك مطالب معروفة للشباب على رأسها رحيل الرئيس مبارك وحل البرلمان وتعديل الدستور، ولكن هذه المطالب لا يمكن فى ظل تطبيق الدستور تنفيذها إذا استقال الرئيس اليوم، فبحسب المادة ٨٤ من الدستور فإنه «فى حالة خلو منصب رئيس الجمهورية أو عجزه الدائم عن العمل يتولى الرئاسة مؤقتاً رئيس مجلس الشعب، وإذا كان المجلس منحلاً حل محله رئيس المحكمة الدستورية العليا، وذلك بشرط ألا يرشح أيهما نفسه للرئاسة، أو يطلب تعديل الدستور أو حل مجلس الشعب أو مجلس الشورى أو إقالة الوزارة».
٤- هذا يعنى بوضوح شديد أنه عند استقالة الرئيس سيكون أمامنا إما تطبيق الدستور أو القذف به وسن ما نريده دون تقيد بدستور أو نظام.
وكما هو واضح فإن الدستور يمنع حل البرلمان أو تعديل الدستور، مما يعنى أنه فى حالة التزامنا بالدستور يجرى انتخاب الرئيس الجديد فى ظل المادة ٧٧ بقيودها المعروفة والمرفوضة تماماً، ولأن ذلك الأمر مستحيل لن يكون أمامنا إلا الإطاحة بالدستور، ولكن ليتحقق ذلك لابد أن تعتلى السلطة قوة تستطيع دون سند من الشرعية الدستورية - سمها فى هذه الحالة ثورية أو انتقالية أو مؤقتة أو طارئة - أن تعطل الدستور وتحل البرلمان.. وبالطبع فإن الدخول فى تعديل الدستور لن يقف عند المادتين ٧٦ و٧٧ بل لابد أن يتجه إلى مواد أخرى كثيرة يستغرق وضعها والخلاف عليها فترة طويلة تدخل مصر خلالها فى طريق مجهول وغامض، سيكون الصدام الذى حدث يوم الأربعاء الماضى فى ميدان التحرير بين المؤيدين والمعارضين أبسط صوره، فلن يقتصر الأمر فى هذه الحالة فى ميدان وإنما على وطن بأكمله ستخرج مظاهراته المختلفة التى ترى أنها الأولى بالتعبير عن الأغلبية وعلى استعداد للاشتباك مع الآخرين فى حرب أهلية.
٥- الوطن إذن أمام مفترق طرق بالغ الخطورة علينا عدم الاستهانة به، وعلى شيوخه وحكمائه وعقلائه أن يبصروا الذين لا يعرفون بعواقبه وإفهامهم أنه ليس من الحكمة الإصرار على جميع المطالب حزمة واحدة، لأن ذلك قد يحقق نصراً سريعاً، لكنه يخفى خراباً كبيراً لهم ولوطنهم.
٦- إن نداء الحكمة والعقل يقول إن مسؤوليتنا الأولى إنقاذ وطن من أن يصبح صومالاً جديداً، وهو ما لا يتحقق بغير سرعة إجراء التعديلات المطلوبة للمادتين ٧٦ و٧٧ فى ظل الشرعية الدستورية ورئاسة الرئيس مبارك المتبقى عليها بضعة شهور، وبالتالى إجراء الانتخابات المقبلة فى أغسطس فى ظل التعديلات التى حتماً ستسمح بالتغيير الذى نتطلع إليه.
هذا هو الطريق الآمن والسريع لانتقال مصر إلى جمهورية جديدة سيكون فضل إقامتها لشباب ٢٥ يناير، وغير ذلك سيكون المجهول الغامض الذى تتآكل فى فوضاه أحلام الشباب، والله والوطن من وراء القصدقبل أن نفقد النعمة الأكبر
.الأمن» هو النعمة الأهم التى لا تستقيم الحياة دونها، فإذا فقدناها لن نشعر بأى نعمة أخرى، ولن يلتئم الجرح الذى أصاب مصر طوال ٤٨ ساعة، كانت من أصعب الساعات عليها، إلا إذا تم تحقيق سريع فيما حدث، وأعلنت نتائج هذه التحقيقات على الرأى العام كاملة، فهناك من خان وأحرق وحطم ونهب وسرق وأثار الرعب فى قلوب الآمنين، وهناك كثيرون صمدوا ووقفوا فى نفس الخندق مع الشعب -وهم كثيرون- يدافعون عنه وعن مصرنا بكل ما يستطيعون، راهنوا بحياتهم وأعلنوا أن مصر لن تسقط وبقاءها أهم من الجميع، وكما وجب محاكمة الخونة فلابد أن نكافئ مَنْ دافع وصمد.
يجب أن ندرك أيضا أن عودة رجل الشرطة إلى الشارع بكامل هيبته ضرورة لحمايتنا جميعا، للحفاظ على أملاكنا وأرواحنا ووطننا.. خسارة رجل الشرطة لهيبته هى خسارة للأمن بكامل صورته، خسارة للنعمة الأكبر فى الحياة، فتخيل أنك تتمتع بصحة وفيرة وثروة ضخمة وحرية مطلقة، لكنك غير آمن، يتمكن الرعب والخوف من قلبك، بالتأكيد لن تشعر بكل هذه النعم دون أمان.
علينا جميعا أن نمد أيدينا إلى رجال الشرطة، أن نشعرهم بدورهم الهام وأن نقدم لهم المعلومات والتعاون من أجل عودة الذئاب إلى جحورها وإعادة الأموال المنهوبة، فلم يرتكب هؤلاء المجرمون جرمهم وهم يرتدون «طاقية الاخفا» بل منا من شاهدهم ومن صورهم ومن يعرف تفاصيل أكثر عما عملوه.
تعالوا لا نستقبلهم بنظرة الشامتين، فهم الذين كانوا يضمنون لك العودة إلى مسكنك، ولزوجتك وأطفالك التنقل فى أمن وسلام، دون ان يقطع طريقهم مسجل خطر يحمل سلاحا، يهددهم به ويستولى على متعلقاتهم وقد يعبث بأعراضهم، تعالوا نشد على أيديهم ونحاسبهم إذا أخطأ أحدهم، فلم يعد أحد فوق الحساب.
أنا لا أنكر أن هناك سلسلة طويلة من الأخطاء التى اقترفها رجل الشرطة فى حق المواطن، هناك من زور وهناك من تربح وارتشى، بعضهم تعرض للحساب والآخر أفلت بجريمته، لكن علينا أن ننظر إلى ما هو أهم، ننظر إلى مصر التى يتربص بها مصاصو الدماء والمخربون، علينا أن نقفز فوق كل ذلك من أجل مصر، علينا أن نتعامل بقلوب أكبر وعقول أنضج ونعيد إلى الشارع النعمة الأكبر، نعمة «الأمن».