الموقع الرسمى لجريدة الامة الالكترونية
الموقع الرسمى لجريدة الامة الالكترونية
الموقع الرسمى لجريدة الامة الالكترونية
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

الموقع الرسمى لجريدة الامة الالكترونية

صحيفة- يومية-سياسية -ثقافية-رياضية-جامعة
 
الرئيسيةالرئيسية  البوابة*البوابة*  أحدث الصورأحدث الصور  دخولدخول  التسجيلالتسجيل  

 

 أثرياء مصر زمان.. (5)

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
new

new


انثى
عدد الرسائل : 891
العمر : 47
الموقع : perfspot.com/koky4u5000
تاريخ التسجيل : 06/08/2011

أثرياء مصر زمان.. (5) Empty
مُساهمةموضوع: أثرياء مصر زمان.. (5)   أثرياء مصر زمان.. (5) Icon_minitimeالثلاثاء 15 مايو 2012 - 21:13

أثرياء مصر زمان.. والآن (5): الخديو إسماعيل..وأحلام بالتقسيط





أثرياء مصر زمان.. (5) Esmaeel



يعد الخديو إسماعيل الحاكم الأخير في أسرة محمد علي باشا الذي يضع اسمه في قائمة أغنياء مصر خلال القرن التاسع عشر

بدأ الخديو إسماعيل بن إبراهيم بن محمد علي باشا (31 ديسمبر كانون أول
1830-2 مارس آذار 1895) حياته كأحد كبار الأغنياء في مصر، حتى أنه اشترى
أملاك أخيه الأمير مصطفى بمبلغ مليوني جنيه، في وقتٍ كان فيه سعر الفدان لا
يتجاوز 20 جنيهاً

غير أن ما يحسب للخديو إسماعيل أنه كان من فاعلي
الخير البارزين في عصره. ولعل من أشهر الأوقاف التي خصصت للمساجد وقف
الخديو إسماعيل الذي بلغت مساحته 10 آلاف فدان، ونصت وقفيته على أن "يصرف
ريع ذلك في بناء وعمارة ومرمّات ومصالح مهمات، وإقامة الشعائر الإسلامية
بالمساجد والمكاتب الكائنة بمصر المحروسة التي لا ريع لها، أو لها ريع لا
يفي بالعمارات وإقامة الشعائر واللوازم لذلك من المساجد والمكاتب
المرموقين...". وتعد وقفيات الخديو إسماعيل هي أكبر الوقفيات التي أنشئت في
تاريخ مصر الحديث (د. إبراهيم البيومي غانم، الأوقاف والسياسة في مصر، دار
الشروق، القاهرة، 1998)

كانت ثروة إسماعيل ضخمة للغاية، لكن أحلامه وتطلعاته كانت أكبر

أثرياء مصر زمان.. (5) Ismael+bookويتحدث
المؤرخ إلياس الأيوبي (تاريخ مصر في عهد الخديو إسماعيل باشا، القاهرة،
1922) كيف راودت إسماعيل أحلامٌ بأن تكون مصر "قطعة من أوروبا"، وسعى إلى
بناء إمبراطورية مصرية في إفريقيا. وفي سبيل تحقيق ذلك، قرر الرجل الذي حكم
مصر بدءاً من 18 يناير كانون ثان عام 1863 ألا يصطدم بالدولة العثمانية،
وأدرك أن المال أمضى من السيف في قضاء المصالح في الآستانة. وهكذا نجح في
عام 1867 في الحصول من السلطان العثماني على لقب "خديو"، مقابل زيادة في
الجزية، إضافة إلى فرمان آخر يقضي بتغيير نظام وراثة ولاية مصر من أكبر
أبناء أسرة محمد علي إلى أكبر أبناء إسماعيل، ثم استصدر فرماناً آخر من
السلطان يعترف بأن السودان وما يفتحه الخديو فيه من أملاك الخديوية المصرية
كما
حصل عام 1873 على فرمان يتيح له استقلالاً أكثر عن الحكم العثماني،
وعُرِفَ بالفرمان الشامل وقضى بمنحه حق التصرف بحرية تامة في شؤون الدولة
ما عدا عقد المعاهدات السياسية وعدم حق التمثيل الدبلوماسي وعدم صناعة
المدرعات الحربية مع الالتزام بدفع الجزية السنوية التي بلغت قيمتها 750
ألف جنيه
أثرياء مصر زمان.. (5) Suez+celebrations
غير
أن خزانة مصر تكلّفت الكثير من الأموال بسبب مشروعات إسماعيل التنموية –
مثل حفر قناة السويس وإنشاء دار الأوبرا والسكك الحديد وخطوط البريد وحديقة
حيوان الجيزة وإقامة الكباري وشق الترع- وبذخه الزائد، ومن ذلك فاتورة
الاحتفالات الأسطورية بافتتاح قناة السويس. وأدى ذلك إلى تراكم الديون على
مصر، خاصة بعد انخفاض أسعار القطن انخفاضاً كبيراً بعد انتهاء الحرب
الأهلية الأمريكية
حاول إسماعيل أن يسد العجز في
الميزانية عن طريق الضرائب المختلفة، إلا أنه لم يفلح في ذلك، فلجأ إلى
الاستدانة من الخارج. تدافعت البنوك والمؤسسات المالية على إقراضه، لكن
سماسرة الديون وقناصل الدول أخذوا ما يقرب من 40 مليون جنيه إسترليني من
قروض مصر البالغة 90 مليوناً؛ فتعثرت مصر عن السداد، واضطرت إلى بيع أسهمها
في قناة السويس بمبلغ هزيل للإنجليز، وهو ما جعلها على حافة الإفلاس
والخراب المالي

وفي
ذلك يقول تقرير خبير الاقتصاد الإنجليزي ستيفن كيف الذي رئس لجنة لفحص
مالية مصر في نهاية عام 1875: "إن المبالغ الحاصلة من ميزانية مصر عن المدة
الواقعة بين سنة 1864 وسنة 1875 بلغت 94,21,400 جنيه، خصص منها لحملة
الأسهم نحو ستة ملايين من الجنيهات، أي أن مخصصات الديون ابتلعت معظم
الميزانية، وظهر في ميزانية تلك السنة عجز مقداره 1,382,200 جنيه، نشأ عن
فداحة مخصصات الديون"
أثرياء مصر زمان.. (5) Ismael
وما
زاد الطين بِلة، أن الخديو إسماعيل لم يضع حداً بين أمواله وأموال الدولة،
وكانت أملاك الدولة رهن إرادته، الأمر الذي زاد من سوء الأوضاع في ظل غياب
حسن الإدارة
ويكفي أن نشير إلى أنه في عام 1873 بدأ
الخديو إسماعيل في تشييد قصره الكبير بالزمالك "فندق ماريوت الآن" واستلزم
البناء تحويل مجرى نهر النيل لعزل جزيرة "الزمالك" وإحاطتها بالماء من كل
جانب، حتى يمر نهر النيل في قلب القاهرة على غرار مرور نهر السين بقلب
باريس؛ لتصير حياة الخديو لها خصوصية مميزة
ويقول
كثيرٌ من المؤرخين إن الضرائب ارتفعت في الفترة منذ نهاية حكم محمد على حتى
عهد إسماعيل بدرجة كبيرة. فعلى سبيل المثال، بمقتضى القرار الأول الصادر
في عهد سعيد، ارتفعت الضرائب على الأراضي المتوسطة والضعيفة إلى ما يوازى
ثلث محصولها، وواصلت الضرائب ارتفاعها في عهد إسماعيل، فإلى جانب الضرائب
المقررة استحدثت ضرائب إضافية جديدة مثل ضريبة الإعانة وضريبة السُدس
وضريبة الري، وفق دراسة أعدها مركز الدراسات الاشتراكية بمصر
وقد
كتب القاضي الهولندي فان بملن الذي عاش في عهد إسماعيل يقول: "إن الخديو
إسماعيل هو أول من مهد السبيل لسيطرة أوروبا الاقتصادية على مصر، فإن
أوروبا وبخاصة باريس، قد أفسدت على هذا الأمير دينه وأخلاقه وماله، وفتنته
فتنة شاملة، فلم يعد يعنى إلا بكل ما هو أوروبي، وبكل ما يراه الأوروبيين
واعتزم من يوم أن تولى عرش مصر أن يعيش كملك إفرنجي في قصوره وأثاثه،
ومأكله ومظهره وملبسه، ومن الأسف أن كل ما أنفقه في هذا السبيل لم يعد
بالفائدة إلا على أوروبا، إذ كان يستورد من مصنوعاتها تلك الأشياء الهالكة،
العديمة الجدوى، وكان يدفع أثمانها أضعافاً مضاعفة، ولأجل أن يستوفى
مطالبه الخارقة في هذا الصدد، لم تكفه الأموال التي يجبيها من شعبه على
فداحتها فأمده أصدقاؤه الأوروبيون بالقروض الجسيمة ذات الشروط المخربة"
أثرياء مصر زمان.. (5) Ismail_Pacha
ولم
يكن أمام الخديو إسماعيل بعدما فقد جميع وسائله لتدبير المال الكافي لسداد
أقساط الديون إلا أن يعلن توقفه عن الدفع، فأصدر مرسوماً في 6 إبريل نيسان
1876 تم الإعلان عنه في بورصة الإسكندرية، يقرر فيه أن حكومته سوف "تؤجل"
سداد أقساط ديونها لثلاثة شهور. بالطبع لم يكن تحديد هذه الأشهر الثلاثة
إلا لكي تحافظ الحكومة على شكلها العام، إذ كانت الحكومة قد قررت أن تتوقف
نهائياً عن السداد، وبدا توقف الحكومة المصرية عن الدفع بمنزلة إعلان
إفلاسها رسمياً
ومع تصاعد الأزمة المالية، أنشأت الدول
الدائنة "صندوق الدَين" في مايو 1876، ثم نظام "المراقبة الثنائية" في
نوفمبر 1876، ثم "لجنة التحقيق الأوروبية" في يناير 1878، التي طالبت
بضرورة تنازل الخديو عن أطيانه وأطيان عائلته كرهن لسداد الديون. ويخبرنا
المؤرخ عبد الرحمن الرافعي (عصر إسماعيل، دار المعارف، القاهرة، الطبعة
الرابعة،1987) أنه مع اشتداد الأزمة المالية في مصر في عام 1874، خاف
الخديو إسماعيل أن يحجز الدائنون الغربيون على أملاكه، فوزعها على زوجاته
وأولاده
تم إذاً تعيين مراقبَين ماليين: أحدهما
إنجليزي، والآخر فرنسي؛ لمراقبة إيرادات ومصروفات البلاد، بل إن وزارة
نوبار باشا دخلها وزيران أوروبيان لأول مرة في تاريخ مصر
وانتهى
الأمر إلى طلب الدائنين فرض الوصاية المالية الكاملة على مصر، وأن يكون
لسداد الديون الأولوية المطلقة. وأدى هذا التعنت الأوروبي إلى انتفاضة
وطنية تلقائية في (ربيع آخر 1296 هـ = إبريل 1879م) جمعت قادة وطوائف الشعب
المصري المختلفة، دعوا خلالها إلى اكتتاب عام لسداد قسط الدين الذي تعثرت
الدولة في سداده، ويبلغ 1.5 مليون جنيه إسترليني، وتم تحصيله على الفور
وسداده

ودعا هؤلاء أيضاً إلى إقامة حياة نيابية كاملة، والعمل على
سداد الديون والوقوف أمام التدخل الأجنبي، والتقوا الخديو إسماعيل الذي أقر
مطالبهم، وهو ما أثار مخاوف الدول الغربية، وقدم قنصلا بريطانيا وفرنسا
إنذاراً إلى إسماعيل بأن يرجع عن تأييد المشروع الوطني، وإلا فإنهما
سيعملان على عزله
أثرياء مصر زمان.. (5) Khedev+Ismael
وإزاء
رفضه، تحالفت الدول الأوروبية مع السلطان العثماني على ضرورة عزل الخديو
إسماعيل عن حكم مصر، وأصدر السلطان فرمانه في 26 يونيو حزيران 1879 بعزل
إسماعيل عن الحكم، وتنصيب ابنه الأكبر محمد توفيق باشا على مصر . وجاء نص
التلغراف الذي ورد من الآستانة كالتالي
"إلى سمو إسماعيل باشا خديو مصر السابق
"إن
الصعوبات الداخلية والخارجية التي وقعت أخيراً في مصر قد بلغت من خطورة
الشأن حداً يؤدي استمراره إلى إثارة المشكلات والمخاطر لمصر والسلطنة
العثمانية؛ ولما كان الباب العالي يرى أن توفير أسباب الراحة والطمأنينة
للأهالي من أهم واجباته ومما يقضيه الفرمان الذي خولكم حكم مصر، ولما تبين
أن بقاءكم في الحكم يزيد المصاعب الحالية، فقد أصدر جلالة السلطان إرادته
بناء على قرار مجلس الوزراء بإسناد منصب الخديوية المصرية إلى صاحب السمو
الأمير توفيق باشا وأرسلت الإرادة السنية في تلغراف آخر إلى سموه بتنصيبه
خديوياً لمصر، وعليه أدعو سموكم عند تسلمكم هذه الرسالة إلى التخلي عن حكم
مصر احتراماً للفرمان السلطاني "
أثرياء مصر زمان.. (5) Ismael+wives
ثلاثة
أيام أمضاها إسماعيل في الاستعداد للسفر‏،‏ وجمع كل ما استطاع من المال
والمجوهرات والتحف الثمينة من القصور الخديوية، ونقلها إلى اليخت
"المحروسة"، وهي الباخرة نفسها التي أقلته من قبل مراتٍ عدة إلى سواحل
أوروبا وهو في قمة المجد‏.‏ ولأن السلطان العثماني رفض استقبال الخديو
المخلوع في الآستانة فقد غادر اسماعيل مصر يوم 30 ‏ يونيو حزيران 1879
متجهاً مع زوجاته وحاشيته من الإسكندرية إلى نابولي،‏ وهي المدينة نفسها
التي استقبلت حفيده فاروق في 26 يوليو تموز ‏1952‏. لم ييأس إسماعيل، وظل
يرسل التماساً وراء الآخر من منفاه في أوروبا، حتى تعطّف السلطان عبد
الحميد الثاني أخيراً ووافق على حضوره للآستانة التي انتقل اليها عام 1888
للإقامة بقصر إميرجان المطل على البوسفور
‏ وبعدما قضى نحو 16 عاماً في منفاه، لم يعد إسماعيل إلى مصر إلا ميتاً، حيث دُفِنَ في مسجد الرفاعي
وإذا كان إجمالي ديون عهد إسماعيل باشا بلغ 91 مليون جنيه، فإن "أفندينا" ظل حتى وفاته ينعم بلقب أغنى رجال مصر

أثرياء مصر زمان.. والآن (4): محمد علي.. الاحتكار والاحتقار







أثرياء مصر زمان.. (5) Sultan_mohemmed_ali


"رُبَ يوم بكيتُ منه، فلما صرتُ في غيره بكيتُ عليه"

ربما
تلخصُ هذه المقولة تلك العلاقة الغريبة بين المصريين ومحمد علي باشا.
فالثابت أن أبناء المحروسة في عصر محمد علي (1769-1849)، والي مصر
(1805-1849)، لم يحبوه، بعد أن تحول إلى الزارع الوحيد وكذلك الصانع
الوحيد، فتركزت الثروة في يده، حتى أصبح بلا منازع أغنى رجل في مصر
ولم
يغفر له أبناء عصره أنه هو الذي نفى الزعيم الوطني عمر مكرم خارج القاهرة
وصادر أملاك المشايخ والأعيان والتجار واستولى على أوقافهم، ودبر أشهر
مذبحة في تاريخ مصر وهي مذبحة المماليك، وفاق استبدادُه الولاة العثمانيين
السابقين له في الحكم منذ عام ١٥١٧
أثرياء مصر زمان.. (5) Kavala_Mehemet_Pacha%27s_houseغير أن محمد علي المولود في مدينة قولة
شمال اليونان، أصبح الآن في كتابات كثيرين صاحب مشروع نهضوي فريد من نوعه،
بالرغم من أن تجربة محمد علي ليست - كما يرى المفكر الدكتور برهان غليون-
إلا "نهضة البعض واختناق الآخرين"

لقد
انفرد محمد علي بالسلطة، وفرض نفسه كمالكٍ فعلي وحيد للبلاد، وكسيد
لمصائرها الحيوية. ففي عام 1808، وبعد مضي ثلاثة أعوام فقط من حكمه، أصبح
مالكاً لجميع أراضي القطر المصري، كما احتكرت الدولة في عصره تجارة
المحاصيل الزراعية والسلع الصناعية) د. ذوقان قرقوط، جوانب غير معروفة من
تجربة محمد علي باشا، مجلة "الوحدة" ـ الرباط، السنة الثالثة، العدد 31/32/
نيسان أبريل، وأيار مايو 1987، ص 101 ـ 114)‏

وليس
بمستغربٍ أن تكون رؤية محمد علي لمصر على أنها من أملاكه، حتى أنه أصدر
مرسوماً لأحد حكام الأقاليم جاء فيه "البلاد الحاصل فيها تأخير في دفع ما
عليها من البقايا أو الأموال يضبط مشايخها ويرسلون للومان (السجن) والتنبيه
على النظار بذلك، وليكن معلوماً لكم ولهم أن مالي لا يضيع منه شيء بل آخذه
من عيونهم"

"مالي"، هي مفتاح فهم شخصية وسياسات محمد علي

ولفرط
ضخامة ثروة محمد علي وقع خلافٌ بين أفراد أسرته بعد وفاته بشأن تقسيم
الميراث، مع أنه منح أفراد أسرته وقواده والمقربين منه مساحاتٍ شاسعة من
الأراضي. صحيحٌ أنه تزوج في شبابه من أمينة هانم وهي مطلقة ذات ثروة واسعة
أنجبت له إبراهيم وطوسون وإسماعيل وابنتيه توحيدة ونازلي، وتفرغ لتجارة
الدخان فربح منها، قبل أن يعود إلى الحياة العسكرية عندما أغار نابليون على
مصر، غير أن الثروة الطائلة التي تركها بعد حكم مصر كانت في غالبيتها ثمرة
سياسة الاحتكار وفرض الضرائب وإرهاق المصريين بالسخرة

لقد
قام اقتصاد مصر أيام محمد علي، أساساً، على احتكار الزراعة، وتحجير
الصناعة، وتوجيههما نحو تلبية احتياجات الجيش الذي تجاوز عدد أفراده ربع
المليون، لتحقيق مغامرات خارجية مكلفة للغاية

ففي
الزراعة، ألغى محمد علي عام 1808 نظام الالتزام حيث كان بعض الوجهاء وشيوخ
القبائل يلتزمون بدفع الخراج والجزية للمماليك، مقابل قيامهم بتقسيم الأرض
على جماعاتهم وأبناء قبائلهم لزراعتها. صادر محمد علي الأراضي الزراعية،
ثم أقطعها لأفراد أسرته وخاصته وكبار موظفيه من أكراد وشركس وأقباط وشوام
(أحمد عبد الرازق، النخبة البرلمانية في الصعيد، مجلة "منبر الشرق" ـ
القاهرة، السنة الثالثة، العدد 15، سبتمبر أيلول 1994، ص 93-97)‏ فوضع بذلك
أساس الإقطاع الزراعي الذي ساد مصر بعد ذلك (عبد القادر السعدني، سنوات
الهوان من محمد علي إلى فاروق، جريدة "السياسي المصري"، القاهرة،
3/12/2000، و17/12/2000)

وفي
عام 1812، بدأ الاحتكار الحكومي لتجارة المحاصيل الزراعية ومصادرة أية
كمية منها تباع خارج الأقنية الحكومية، وصارت الدولة تشتريها من المزارعين
بأسعار احتكارية، ثم تبيعهم حاجتهم منها بأسعار أعلى

وقد
أدى ذلك كله إلى سلسلة من الأزمات في المواد الغذائية، وعجز عن تلبية
الاستهلاك المحلي) د. ذوقان قرقوط، جوانب غير معروفة من تجربة محمد علي
باشا)، واستياء عام لدى الفلاحين، الذين كانوا سجناء قراهم لا يغادرونها أو
يسافرون إلا بإذن كتابي من الحكومة. وكان الفلاحون يهربون من السخرة في
مشروعات محمد علي أو من الضرائب المجحفة. وعلى سبيل الاحتجاج، أحرق فلاحو
الصعيد محاصيلهم عام 1830 كي لا تقع في أيدي رجال محمد علي (أحمد عبد
الرازق، النخبة البرلمانية في الصعيد)
أثرياء مصر زمان.. (5) M+Ali+Pasha
وفي
الصناعة، عندما احتاج محمد علي الموارد لتمويل الجيش، امتد احتكاره ليشمل
الصناعات الوطنية القديمة، وخاصة منها صناعة الشموع من الشحوم، وصناعة
الخشب والقصب، وتقطير ماء الورد، وصناعة السكر، ومعاصر الزيوت، وحياكة
الأنسجة بالأنوال. وكان يطلق على الاحتكار الحكومي للصناعات لفظ "تحجِير"،
ويشمل التحجير عدة عناصر رئيسة أبرزها:‏ اختيار سلعة شائعة الاستعمال،
واحتكار البيع بسعر يحدده المندوبون الحكوميون، وجمع منتجي تلك السلعة
والمتجرين بها في كل مدينة على صعيد واحد، حتى يمكن إحكام المراقبة واجتناب
الهرب، وإرغام مشايخ القرى والبلدان على شراء حصة من الإنتاج بالثمن
المحدد
وقد
لاقى تحجير الصناعة، كما هي الحال في احتكار الزراعة، استياءً عاماً من
المواطنين، إلى درجة أن عمال مصانع النسيج في الصعيد مثلاً، قاموا في عام
1824، بإشعال النار في‏ المصنع. وكان الفلاحون يعملون عنوة وبالسخرة في
مصانع "الباشا"، فكانوا يفرون حتى إذا ألقت الشرطة القبض عليهم أعادتهم إلى
المصانع ثانية. وكان الفلاحون يحتجزون في سجون داخل المصانع حتي لا يفروا،
وكانت أجورهم متدنية للغاية وتُخصَمُ منها الضرائب
وفي
مجال الضرائب، كانت الضريبة الشخصية أو "فرضة الرؤوس" أهم الضرائب، وكان
ما يحصل منها عادة يشكل سدس إيراد الخزينة المصرية. فقد كان الذكور
المراهقون كافة، ملزمين بدفع هذه الفرضة متى بلغوا الثانية عشرة من عمرهم،
وهي تختلف تبعاً لتفاوت الناس في الثروة، وتعادل أجور عمل نصف شهر على
الأقل. وكانت الضريبة الشخصية تحصل في المدن عن النفوس، وفي القرى عن
المنازل، وكانت تتزايد بمعدل يكاد يكون دورياً لتغطية نفقات الحروب وإرضاء
السلطان العثماني، وبحيث أنها ازدادت خلال 24 عاماً فقط (1820-1844) نحو
300%
وقد
شكل ذلك عبئاً كبيراً على الفلاحين خاصة، لأنهم كانوا مسؤولين عن الضرائب
بصورة جماعية، وبحيث أن القرية كلها كانت مسؤولة عن الضرائب المتأخرة،
ومتضامنة مع غيرها من القرى المجاورة في المتأخرات من الأموال، بل إن هذا
التضامن كان يمتد أحياناً ليشمل وادي النيل كله
ولعل
ما زاد الطين بلة، تطبيق نظام السخرة، فقد كان الفلاحون يُستخدَمون
إجبارياً، لحفر الترع وتطهيرها، وتقوية الجسور، وحراسة شواطئ النيل أثناء
الفيضان. وكان يحق للدولة نقل عمال السخرة إلى أي مكان في مصر. وكانت
السخرة تتم خلال تسعة شهور في السنة، وبلغ متوسط ماكان يساهم به كل فلاح من
العمل بالسخرة شهرين من السنة
أثرياء مصر زمان.. (5) Wealth_poverty
وفي كتاب "ثروة الأمم وفقرها"، للمؤرخ وعالم الاقتصاد ديفيد لاندس
(David S. Landes, The Wealth and Poverty of Nations: Why Some Are So Rich and Some So Poor, Norton, US)
نقرأ
أن محمد علي قد واجه مشكلة الطاقة البشرية والعمال المؤهلين، فاستخدم في
البداية العمال العبيد من دارفور وكردفان، وكان هؤلاء يموتون بالجملة بسبب
الظروف السيئة. ثم لجأ محمد علي إلى عمال السخرة ينتزعهم من بين أسرهم، وهو
ما كان يدفع بعض هؤلاء العمال إلى تشويه نفسه لتجنب الخدمة، أو إلى تخريب
الآلة التي يعمل عليها (شوقي رافع، الطغاة يجهلون الجغرافيا، مجلة
"العربي"، الكويت، العدد 478، سبتمبر أيلول 1998، ص 80 -85)
أثرياء مصر زمان.. (5) Mohamed_Abdou

يقول الشيخ محمد عبده
في إطار تقييمه لتجربة هذا الحاكم: "ما الذي صنع محمد علي؟.. لم يستطع أن
يحيي ولكن استطاع أن يميت، كان معظم قوة الجيش معه، وكان صاحب حيلة بمقتضى
الفطرة، فأخذ يستعين بالجيش، وبمن يستميله من الأحزاب على إعدام كل رأس من
خصومه، ثم يعود بقوة الجيش، وبحزب آخر على من كان معه أولاً وأعانه على
الخصم الزائل فيمحقه. وهكذا، حتى إذا سحقت الأحزاب القوية، وجّه عنايته إلى
رؤساء البيوت الرفيعة، فلم يدع منها رأساً يستقر فيه ضمير (أنا)، واتخذ من
المحافظة على الأمن سبيلاً لجمع السلاح من الأهلين، وتكرر ذلك منه مراراً،
حتى فسد بأسُ الأهالي وزالت ملكة الشجاعة منهم، وأجهز على من بقي في
البلاد من حياة في أنفس بعض أفرادها، فلم يُبقِ في البلاد رأساً يعرف نفسه
حتى خلعه من بدنه، أو نفاه مع بقية بلده إلى السودان، فهلك فيه. أخذ يرفع
الأسافل ويعليهم في البلاد والقرى، وكأنه كان يحنُ لشبهٍ فيه ورثه عن أصله
الكريم، حتى انحط الكرام وساد اللئام، ولم يبق في البلاد إلا آلات له
يستعملها في جباية الأموال وجمع العساكر بأية طريقة وعلى أي وجه، فسحق بذلك
جميع عناصر الحياة الطيبة من رأي وعزيمة واستقلال، ليصير البلاد المصرية
جميعاً إقطاعاً واحداً له ولأولاده"
أثرياء مصر زمان.. (5) Mohammed-ali-basha-mosqueمن
هنا فقط يمكن أن نفهم موقف المصريين من محمد علي باشا الذي ظل حاكماً حتى
أصيب بالخرف فتنازل عن العرش في سبتمبر أيلول 1848 قبل أن يتوفى في
الإسكندرية في 2 أغسطس آب 1849. إن محمد علي باشا الذي رحل عن عالمنا عن
عمر يناهز الثمانين، لم يحضر جنازته سوى حفنة من القناصل الأجانب ولم تغلق
المحال أبوابها، كما هي العادة في مثل هذه الظروف، فنقل جثمانه من
الإسكندرية إلى القاهرة عبر النيل وحيداً، ودفن في جامعه بالقلعة
وفي مصر، يصنع المال المنهوب والأملاك المصادرة ونهج الاحتكار والاحتقار، سداً عالياً بين الحاكم والمحكوم

أثرياء مصر زمان..والآن (3): عمر مكرم..ومشايخ الوقت





أثرياء مصر زمان.. (5) Omar+Makaram

المال في مصر هو محرك السياسة، واسألوا عمر مكرم ومحمد علي باشا
فقد أدى رحيل الفرنسيين عن مصر إلى عودة الوجوه القديمة لتتصدر ما يمكن تسميته مجازاً بقائمة أغنياء مصر، وأغلبهم من المماليك الذين يعيشون على السلب والنهب. غير أن هؤلاء لم يكونوا في أغلبهم أكثر ثراء من شخصية لعبت دورا مؤثراً في تلك الفترة المفصلية من تاريخ مصر: عمر مكرم
ولد
عمر مكرم في أسيوط عام 1755، ثم انتقل إلى القاهرة للدراسة في الأزهر
الشريف، وانتهى من دراسته وأصبح نقيباً لأشراف مصر في زمنه، عام 1793، وهي
نقابة تضم المنتسبين لآل البيت، ويطلق على نقيبها لقب "السيد"، وكان يتمتع
بمكانة عالية عند العامة والخاصة

ظهر عمر مكرم كقائد شعبي عندما قاد حركة شعبية ضد ظلم الحاكمين المملوكيين إبراهيم بك ومراد بك، عام 1795 مطالباً برفع الضرائب عن كاهل الفقراء وإقامة العدل في الرعية
وعندما
اقترب الفرنسيون من القاهرة عام 1798 تولى عمر مكرم تعبئة الجماهير
للمشاركة في القتال إلى جانب جيش المماليك. وفي هذا الصدد يقول الجبرتي: "
وصعد
السيد عمر مكرم أفندي نقيب الأشراف إلى القلعة فأنزل منها بيرقاً كبيراً
أسمته العامة البيرق النبوي فنشره بين يديه من القلعة إلى بولاق وأمامه
ألوف من العامة"
[b].
ويعلق المؤرخ عبد الرحمن الرافعي (عصر محمد علي، الهيئة العامة للكتاب،
القاهرة، 2000) على ذلك بقوله: "وهذا هو بعينه استنفار الشعب إلى التطوع
العام بعد هجمات الغازي المغير والسير في طليعة المتطوعين إلى القتال"
[/b]
[b][/b]
[b][/b]
[b]وعندما سقطت القاهرة بأيدي الفرنسيين، عرض عليه الفرنسيون عضوية الديوان الأول إلا أنه رفض ذلك. قرر
عمر مكرم الرحيل عن القاهرة واتجه إلى بلبيس، وكان وجوده فيها عاملاً
رئيسياً في إثارة مديرية الشرقية ضد الفرنسيين. وبعد هزيمة الصالحية في
ربيع أول 1213هـ = أغسطس 1798م ارتحل إلى العريش، ومنها إلى غزة، فصادر نابليون بونابرت جزءاً من أمواله وأملاكه، ثم ألقي القبض عليه في يافا، فالتقاه نابليون، ووُضع تحت الإقامة الجبرية في دمياط؛ فكانت وفودٌ من الشعب تتردد عليه
[/b]
[b][/b]
[b][/b]
[b][b][b]عاد
عمر مكرم بعد ذلك إلى القاهرة وتظاهر بالاعتزال في بيته، ولكنه كان يعد
العدة مع عدد من علماء الأزهر وزعماء الشعب لثورة كبرى ضد الاحتلال
الفرنسي.. تلك الثورة التي اندلعت في عام 1800 فيما يعرف بثورة القاهرة
الثانية، وكان عمر مكرم من زعماء تلك الثورة. فلما خمدت الثورة اضطر إلى
الهروب مرة أخرى خارج مصر حتى لا يقع في قبضة الفرنسيين الذين عرفوا أنه
أحد زعماء الثورة، وظل
[/b][/b][/b]
[b][b]خارج البلاد حتى رحيل الحملة الفرنسية عام 1801[/b][/b]
[b][/b]
[b][b][b][/b][/b][/b]
[b][b]وقاد
عمر مكرم المقاومة الشعبية ضد حملة فريزر الإنجليزية عام 1807، تلك
المقاومة التي نجحت في هزيمة فريزر في الحماد ورشيد، ما دفع فريزر إلى
الجلاء عن مصر. وفي هذا يقول الجبرتي: "نبه السيد عمر النقيب على الناس
وأمرهم بحمل السلاح والتأهب لجهاد الإنجليز، حتى مجاوري الأزهر أمرهم بترك
حضور الدروس، وكذلك أمر المشايخ بترك إلقاء الدروس"
[/b][/b]
[b][/b]
[b][b][b][/b][/b][/b]
[b][b]ويعلـق
الرافعي على ذلك بقوله: "فتأمل دعوة الجهاد التي بثها السيد عمر مكرم
والروح التي نفخها في طبقات الشعب، فإنك لترى هذا الموقف مماثلاً لموقفه
عندما دعا الشعب على التطوع لقتال الفرنسيين قبل معركة الأهرام، ثم تأمل
دعوته الأزهريين إلى المشاركة في القتال تجد أنه لا ينظر إليهم كرجال علم
ودين فحسب بل رجال جهاد وقتال ودفاع عن الزمان، فعلمهم في ذلك العصر كان
أعم وأعظم من عملهم اليوم"
[/b][/b]
[b][b]
[/b][/b]
[b][b]أثرياء مصر زمان.. (5) Omar+Makram
كما قاد عمر مكرم النضال الشعبي ضد مظالم الأمراء المماليك عام 1804، وكذا ضد مظالم الوالي خورشيد باشا عام 1805.
ففي يوم 2 مايو أيار 1805 بدأت تلك الثورة، حيث عمت الثورة أنحاء القاهرة
واجتمع العلماء بالأزهـر وأضربوا عن إلقاء الدروس وأقفلت دكاكين المدينة
وأسواقها، واحتشدت الجماهير في الشوارع والميادين يضجون ويصخبون، وبدأت
المفاوضات مع الوالي للرجوع عن تصرفاته الظالمة فيما يخص الضرائب ومعاملة
الأهالي، ولكن هذه المفاوضات فشلت، فطالبت الجماهير بخلع الوالي. وقام عمر
مكرم وعدد من زعماء الشعب برفع الأمر إلى المحكمة الكبرى وسلم الزعماء صورة
من مظالمهم إلى المحكمة، وهي ألا تفرض ضريبة على المدينة إلا إذا أقرها
العلماء والأعيان، وأن يجلو الجند عن القاهرة وألا يسمح بدخول أي جندي إلى
المدينة حاملاً سلاحه

وفي
يوم 13 مايو قرر الزعماء في دار الحكمة عزل خورشيد باشا وتعيين محمد علي
بدلاً منه بعد أن أخذوا عليه شرطاً: "بأن يسير بالعدل ويقيم الأحكام
والشرائع، ويقلع عن المظالم وإلا يفعل أمراً إلا بمشورة العلماء وأنه متى
خالف الشروط عزلوه"

وفي
يوم 16 مايو 1805 صدرت فتاوى شرعية من المحكمة على صورة سؤال وجوابه
بشرعية عزل الوالي خورشيد باشا، وانتهى الأمر بعزل هذا الوالي، ونجاح
الثورة الشعبية


وكان
عمر مكرم هو زعيم هذه الحركة الشعبية ومحركها، وفي ذلك يقول الرافعي: "كان
للشعب زعماء عديدون يجتمعون ويتشاورون ويشتركون في تدبير الأمور، ولكل
منهم نصيبه ومنزلته، ولكن من الإنصاف أن يعرف للسيد عمر مكرم فضله في هذه
الحركة فقد كان بلا جدال روحها وعمادها"

أثرياء مصر زمان.. (5) M+Ali+Pasha
تولى
محمد علي حكم مصر بتأييد الزعامة الشعبية التي قادها عمر مكرم وفق مبادئ
معينة في إقامة العدل والرفق بالرعية، وكان من نتيجة ذلك أن تحملت الزعامة
المسؤوليات والأخطار التي واجهت نظام محمد علي الوليد، ومنها أزمة الفرمان
السلطاني بنقله إلى سالونيك، والحملة الإنجليزية على مصر سنة (1222هـ =
1807م)، وإجهاض الحركة المملوكية للسيطرة على الحكم في مصر؛ ففي هذه
الأزمات الثلاث الكبرى كانت زعامة عمر مكرم تترسخ في وجدان المصريين؛ إذ
رفض مساندة المماليك في تأليب الشعب ضد محمد علي، ورفض فرمانات السلطان
العثماني بنقل الباشا إلى سالونيك فاحتمى محمد علي
به
من سطوة العثمانيين، وفي حملة فريزر قام عمر مكرم بتحصين القاهرة، واستنفر
الناس للمقاومة، وكانت الكتب والرسائل تصدر منه وتأتي إليه، أما محمد علي
فكان في الصعيد يتلكأ، وينتظر حتى تسفر الأحداث عن مسارها الحقيقي
أدرك
محمد علي أن عمر مكرم يهدد مكانته في حكم مصر؛ فمن استطاع أن يرفعه إلى
مصاف الحكام يستطيع أن يقصيه، ومن ثم أدرك أنه لكي يستطيع تثبيت دعائم ملكه
وتجميع خيوط القوة في يده لا بد له أن يقوض الأسس التي يستند عليها عمر
مكرم في زعامته الشعبية.. فعندما أعلن زعماء الشعب عن استعدادهم للخروج
لقتال الإنجليز أجاب محمد علي: "ليس على رعية البلد خروج، وإنما عليهم
المساعدة بالمال لعلائف العسكر"

كانت
العبارة صدمة كبيرة لعمر مكرم؛ إذ حصر دور الزعامة الشعبية في توفير علائف
الحيوانات، ولكن حصافة الرجل لم تجعله يعلن خصومة محمد علي، وأرجع مقولة
الباشا إلى أنها زلة لسان، وآثر المصلحة العامة لمواجهة العدوان؛ فقام بجمع
المال؛ وهو ما وضعه في موقف حرج مع بعض طوائف الشعب

وصف
الجبرتي مكانة عمر مكرم بقوله: "وارتفع شأن السيد عمر، وزاد أمره بمباشرة
الوقائع، وولاية محمد علي باشا، وصار بيده الحل والعقد، والأمر والنهي،
والمرجع في الأمور الكلية والجزئية". فكان يجلس إلى جانب محمد علي في
المناسبات والاجتماعات، ويحتل مركز الصدارة في المجتمع المصري، حتى إن
الجماهير كانت تفرح لفرحه، وتحزن لحزنه


التقت
إرادة محمد علي في هدم الزعامة الشعبية مع أحقاد المشايخ وعدد من العلماء
على عمر مكرم، وتنافسهم على الاقتراب من السلطة وتجميع ما تُلقي إليهم من
فتات، في هدم هذه الزعامة الكبيرة؛ فقد دب التنافس والانقسام بين المشايخ
حول المسائل المالية، والنظر في أوقاف الأزهر، وتولي المناصب، فتدهورت
قيمتهم ومكانتهم عند الشعب، واستشرى الفساد بينهم

يقول
الجبرتي عن هؤلاء المشايخ: "وقد زالت هيبتهم ووقارهم من النفوس وانهمكوا
في الأمور الدنيوية والحظوظ النفسانية والوساوس الشيطانية ومشاركة الجهال
في المآثم والمسارعة إلى الولائم في الأفراح والمآتم يتكالبون على الأسمطة
كالبهائم فتراهم في كل دعوة ذاهبين وعلى الخوانات راكعين وللكباب والمحمرات
خاطفين وعلى ما وجب عليهم من النصح تاركين‏"

استطاع محمد علي أن يجد طريقه بين هذه النفوس المريضة للوصول إلى عمر مكرم، بل إن هؤلاء المشايخ - وبينهم الشيخ محمد المهدي والشيخ محمد الدواخلي- سعوا إلى السلطة الممثلة في محمد علي للإيقاع بعمر مكرم. ونقل الوشاة من العلماء إلى "الباشا" تهديد عمر مكرم برفع الأمر إلى "الباب العالي" ضد والي مصر، وتوعده بتحريك الشعب للثورة، وقوله: "كما أصعدته إلى الحكم فإنني قدير على إنزاله منه"
ولما نشبت بعض الخلافات حول بعض الأمور المالية المتعلقة بفرض الضرائب، وقف عمر مكرم إلى جوار الشعب وتوعد بتحريك الشعب إلى
ثورة عارمة. ونقل الوشاة الأمر إلى محمد علي باشا الذي حاول بشتى الطرق
كسب مكرم لتطويع إرادته وعدم تبني مطالب الشعب، وكان كل من عمر مكرم ومحمد
علي باشا يعرف قدرة الآخر وشعبيته بين أهالي مصر. وكان أن أعد محمد علي
باشا حساباً ليرسله إلى الدولة العثمانية يشتمل على أوجه الصرف، ويثبت أنه
صرف مبالغ معينة جباها من البلاد بناء على أوامر قديمة. وأراد الباشا أن
يعزز برهانه على صدق حساباته، فطلب من زعماء المصريين أن يكتبوا أسماءهم
على ذلك الحساب وفي ذلك شهادة منهم بأوجه صرف تلك الأموال. وجاء دور عمر
مكرم فرفض قائلاً: إن الضرائب المعتادة التي جمعها الباشا كانت تكفي لكل ما
قام به من الأعمال العامة، وبالتالي فإنه لا يستطيع أن يشهد بغير ذلك

وكان هذا هو الأمر الذي أرّق الباشا، ورأى أن عمر مكرم بذلك لا يدافع عن حقوق الناس وإنما يظهره بالمظهر غير
اللائق أمام الدولة العثمانية وكأنه حاكم غير مؤتمن، وجد محمد علي أن هذه
المواقف تمس مجده وشخصه، فعزم على أن يرسل في استدعاء عمر مكرم إلى
مقابلته، فكان رد الأخير أن قال: إذا أراد الباشا أن يقابلني فلينزل هو من
القلعة إلى بيت السادات ليلقاه هناك وبذلك تكون المقابلة على السواء.. ولكن
الباشا وجد هذا الرد إهانة جديدة مسته، وكظم الباشا غيظه ولم يظهر رد فعله
ونزل إلى بيت ابنه إبراهيم بك في المدينة وطلب من الزعماء الذهاب إليه
هناك، وذهبوا جميعاً إلا عمر مكرم الذي اعتذر متعللاً بمرضه

هنا
لم يستطع محمد علي باشا أن يتحمل أكثر فعزم على أن يوجه لعمر مكرم ضربة
قاضية فأعلن في جمع حافل خلع عمر مكرم من نقابة الأشراف وتعيين الشيخ
السادات ثم أمر بنفيه من القاهرة إلى دمياط في (27 من جمادى الثانية 1224هـ
= 9 من أغسطس 1809م)، وقبض العلماء الثمن في الاستحواذ على مناصب هذا
الزعيم الكبير؛ ومن هنا جاءت تسمية الجبرتي لهم بـ"مشايخ الوقت". ويؤكد
الجبرتي أن عصر محمد علي باشا اتسم برواج سوق النفاق، خصوصاً بعد أن أصدر
محمد علي فرماناً بعزل عمر مكرم ونفيه إلى دمياط. ويذكر الجبرتي كيف أن
الشيوخ أخذوا يبالغون في ذم الزعيم الوطني عمر مكرم "نفاقاً لمحمد علي" مع
أن مكرم "كان ظلاً ظليلاً عليهم وعلى أهل البلد.. يدافع عنهم.. ولم يزالوا
بعده في انحطاط"

بعد
نحو ثلاث سنوات بدأ محمد علي باشا في تطبيق سياسة مالية جديدة، وتجدد خوفه
من زعامة عمر مكرم الذي كان قد عاد إلى القاهرة في (12 من ربيع الأول
1234هـ = 9 من يناير 1819م) وقد نالت منه السنون؛ فآثر الابتعاد عن الحياة
العامة

وعندما
انتفض القاهريون في (جمادى الآخرة 1237هـ = مارس 1822م) ضد الضرائب
الباهظة، أرسل محمد علي أحد الضباط إلي بيت عمر مكرم في أثر النبي وكان
نائماً، فأوقظه الضابط وقبّل يده ووقف متأدباً ونقل له الضابط رغبة الباشا
في سفره إلى طنطا، فقال عمر مكرم: "متى أراد الباشا فأنا مستعد، وسأعد
سفينة للسفر"، ولما أخبره الضابط أن كل شيء معد فقال: إذن لهم، وسافر في
ذلك المساء منفياً إلى طنطا

أثرياء مصر زمان.. (5) Omar1
لم يبق عمرمكرم في منفاه طويلاً حيث توفي في العام نفسه عن عمر يناهز ٧٠ عاماً
أما "مشايخ الوقت" فقد نالوا ما يستحقونه
فقد
بطش بهم محمد علي واحداً تلو الآخر.. فالشيخ المهدي مثلاً حرمه محمد علي
من تولي مشيخة الأزهر، بالرغم من انتخابه لهذا المنصب من قبل العلماء،
والشيخ السادات الذي تولى نقابة الأشراف بعد عمر مكرم أهانه محمد علي بعد
وفاته، وصادر كل أمواله وممتلكاته وهدد أرملته بإغراقها في النيل إذا لم
تفصح عن حقيقة الثروة التي خلفها الشيخ المتوفى، والشيخ الدواخلي -الذي
تولى نقابة الأشراف بعد السادات- عزله محمد علي من النقابة، ونفاه إلى دسوق

ويحكي
الجبرتي في "عجائب الآثار في التراجم والأخبار": "أنا أقول أن الذي وقع
لهذا الدواخلي إنما هو قصاص وجزاء فعله في السيد عمر مكرم فإنه كان من أكبر
الساعين عليه إلى أن عزلوه وأخرجوه من مصر والجزاء من جنس العمل كما
قيل‏:‏

فقل للشامتين بنا أفيقوا سيلقى الشامتون كما لقينا
"ولما
جرى على الدواخلي ما جرى من العزل والنفي أظهر الكثير من نظرائه المتفقهين
الشماتة والفرح وعملوا ولائم وعزائم ومضاحكات كما يقال"

وهكذا تكون النهايات لائقة بأعمال أصحابها

أثرياء مصر زمان..والآن (2): نفيسة البيضاء.. أم المماليك










أثرياء مصر زمان.. (5) Nafisa%27s+sabeel
في زمنٍ مضى، كان أغنى أغنياء مصر: جارية شركسية
اشتهرت باسم نفيسة البيضاء، وأطلق عليها آخرون اسم نفيسة المرادية، نسبةً إلى زوجها الثاني مراد بك
في البداية كانت مجرد أمَة حين جُلِبَت إلى مصر، لا يعرف أحدٌ محل ميلادها - فمن قائل إنها من الأناضول، أو بلاد القرم أو حدود القوقاز- أو أوصافها سوى أن اسمها يوحي بأنها كانت بيضاء البشرة
ومن
الواضح أنها كانت بارعة الجمال لدرجة أن "سيدها" الأول علي بك الكبير، لم
يعتقها فقط، وإنما تزوجها أيضاً، وأنها كانت الجائزة التي طلبها أحد أشهر
المماليك ثمناً لخيانته
وهنا
نقرأ ما كتبه عبد الرحمن الجبرتي كما جاء في كتاب "دراسات في تاريخ
الجبرتي"، ومؤلفه هو محمود الشرقاوي،‏ الذي يقول إن ظهور أمر نفيسة بدأ
عندما دخلت في حريم علي بك الكبير‏،‏ فأحب الأخير هذه الجارية الشركسية
وأُعجِبَ بها‏، وبنى لها داراً تطل على بركة الأزبكية في درب عبد الحق
غير
أن المملوك مراد وقع بدوره في هوى نفيسة‏،‏ فلما أراد محمد أبو الدهب
خيانة علي بك الكبير وتحدث إلى المملوك مراد في ذلك،‏ اشترط عليه الأخير
نظير موافقته على الخيانة أن يسمح له بالزواج من هذه الجارية‏. فلما قُتِلَ
علي بك الكبير عام 1773 تزوج مراد هذه الحسناء
وهكذا كانت الرشوة التي نالها مراد بك على خيانته هي‏:‏ نفيسة البيضاء
ولكن التاريخ له مفارقاتٌ عجيبة‏،‏ فبقدر ما كان مراد بك من كبار الخونة، كانت نفيسة امرأة رائعة في جمالها وقوية في شخصيتها
وفي
حياة زوجها مراد بك الذي حكم مصر مع إبراهيم بك بعد موت أبو الدهب لمدة
تزيد على عشرين سنة، نالت نفيسة في المجتمع المصري مكانة كبيرة‏. عاشت
نفيسة تلك الفترة كواحدة من أثرى أهل مصر، بما امتلكته من القصور والجواري،
إضافة إلى أن المصادر التاريخية تؤكد أنها كانت من أثرى نساء عصرها نتيجة
استثمار أموالها وتجارتها في الأسواق وإدارة وكالة خاصة بها

أثرياء مصر زمان.. (5) Murad
ويجب ألا ننسى أنها دخلت منزل مراد بك وقد ورثت عن علي بك الكبير ثروة طائلة، وزادت هي ثراء فوق ثراء بعد هذه الزيجة الجديدة، وعاشت
معه حياة الترف بما جلبته له من ميراثٍ شمل إلى جانب البيوت والقصور
والتجارة جيشاً خاصاً يتألف من 400 مملوك وأسطولاً من السفن على النيل، وستاً وخمسين جارية واثنين من الخصيان في حاشية نفيسة الخاصة

وحين أعادت نفيسة بناء وكالتها التجارية، أضافت إليها سبيلاً وكُتاباً خلف باب زويلة‏ عام 1796م / 1211 هـ. ونُقِشَت على واجهة السبيل أبياتٌ شعرية تمتدح فضائل تلك السيدة، تقول كلماتها:
سبيلُ سعادةٍ ومرادٌ عزٍ وإقبال لمحسنة رئيسة
يُسرُك منظرٌ وصنع بديع وتَعجبُ من محاسنِه الأنيسة
جري سلساله عذبٌ فرات فكم أحيت به مهجا بئيسة
نؤرخه سبيل هدى وحسُنَ لوجه الله ما صنعت نفيسة
تقع
واجهة السبيل والكُتاب على القصبة العظمى للقاهرة، وهي من الواجهات نصف
الدائرية، التي تطل على الشارع بثلاثة شبابيك، توجد في دخلات معقودة ترتكز
على أربعة أعمدة ملتصقة بالواجهة. وهذه الشبابيك مغشَّاة بأشكال زخرفية
نباتية متشابكة كقطعة الدانتيلا. ولعل ما يسترعي الانتباه زخرف الجزء
العلوي المعقود من هذه الشبابيك، حيث إنها تشبه نهدَيْ امرأة، وهذا النوع
من الزخرفة أراد به الفنان أن يعبر أو يشبه عطاء الأم لطفلها الحنان
والحياة من ثديها، لعطاء السبيل لوارديه العطاشى والظامئين للماء الذي هو
مصدر الحياة
وهذا
السبيل أحد المكونات المعمارية لمجموعة خيرية أنشأتها نفيسة البيضاء تتكون
من سبيل يعلوه كتاب ووكالة تجارية بها محالٌ تؤجر ويستغل ريعها للصرف على
السبيل والكتاب، إضافة إلى حمامين يُستَغلُ ريعهما لأوجه الخير. ويعلو
الوكالة والحمامين ريعٌ لإسكان فقراء المسلمين بمبالغ رمزية. وقد عٌرِفَت
هذه المجموعة باسم السكرية، وهي المنطقة نفسها التي تحدث عنها الأديب نجيب محفوظ في ثلاثيته الروائية
[b]كان
الغرض من السبيل تقديم ماء الشرب المجلوب من النيل للمارة كعملٍ خيري،
وكان الكُتّاب مدرسة أولية لأطفال الحي. وحين بُني هذا السبيل كان واحداً
من أكثر من 300 مبنى من نوعه بالقاهرة، لم يتبق منها الآن إلا نحو 70 مبنى.
ويتميز كل سبيل بنوافذ مغطاة بقضبان مزخرفة جميلة تربط بها أكواب الشرب
بسلاسل، وكان العاملون بالسبيل يملأون الأكواب من أحواض رخامية ويسلمونها
للناس في الخارج. وكان
الماء يأتي من صهريج تحت الأرض مليء بماء النيل الذي كانت تجلبه الجمال.
ويختلف هذا السبيل في أن صهريجه لا يوجد أسفله وإنما أسفل مبني مجاور،
ويعتبر هذا السبيل نموذجاً ممتازاً للطراز المعماري العثماني
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://www.perfspot.com/koky4u5000
 
أثرياء مصر زمان.. (5)
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
»  أثرياء مصر زمان.1
» أثرياء مصر زمان..3:
» أثرياء مصر زمان.2.والآن جيل السداح مداح
» والله زمان يا لحمة واللا زمان
» ثرياء مصر زمان.4:

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الموقع الرسمى لجريدة الامة الالكترونية :: جريدة الأمة :: عيون الامة أشراف /محاسن بيومى-
انتقل الى: