"العسكري" و"الإخوان" وجهاً لوجه و"الرئيس" مؤجل ازداد الوضع ضبابية وغموضاً في مصر، وعادت إلى الواجهة مؤشرات إلى سيناريوهات يقول مراقبون إنها سيئة، خصوصاً بعد إعلان لجنة الانتخابات الرئاسية تأجيل موعد إعلان النتائج بحجة “مزيد من الوقت” لنظر الطعون .
وإلى جانب البلبلة التي سادت منذ الليلة قبل الماضية عن الوضع الصحي للرئيس المصري السابق حسني مبارك، بين غيبوبة وموت سريري، بدا واضحاً من تأخير إعلان “الرئيس” الجديد أن المجلس العسكري يريد التزام الآلية التي وضعها من خلال قراراته الأخيرة قبل صدور الإعلان الرسمي لنتائج الانتخابات، ما أدى إلى ارتفاع منسوب المخاوف لدى “الإخوان”، وهو الأمر الذي دفعهم إلى التهيؤ لما هو أسوأ، والأسوأ هو إعلان أحمد شفيق رئيساً وليس محمد مرسي كما ينتظر حزب “الحرية والعدالة” .
وقالت وكالة أنباء الشرق الأوسط إن لجنة الانتخابات “قررت تأجيل إعلان نتيجة جولة الإعادة” في الانتخابات الرئاسية إلى حين استكمال النظر في الطعون المقدمة التي يبلغ عددها نحو 400 طعن” .
وقال المستشار حاتم بجاتو الأمين العام للجنة “إنه لا يمكن تحديد وقت الإعلان عن نتائج الانتخابات، لأن اللجنة في الوقت الحالي تستمع إلى ممثلي المرشحين”، وأضاف أن اللجنة ستجتمع بعد ذلك لتقرر قبول الطعون أو رفضها ثم يأتي وقت لإعلان النتيجة النهائية، وتابع “إن من حق كل طرف الحصول على فرصته للتأكد من أن الانتخابات نزيهة لمنع أي مزاعم لاحقاً من أي طرف بأنه لم يحصل على ما يكفي من الوقت” .
وقال مصدر قضائي مطلع على مجريات العمل في اللجنة “الرئاسية”، إن أعضاءً من اللجنة انتهوا من الاستماع إلى الفريق القانوني لمرشح حزب “الحرية والعدالة” محمد مرسي، وعقدوا جلسة مع الفريق القانوني للمرشح أحمد شفيق، موضحاً أن المناقشات تركزت على الطعون التي قدمها كلا الجانبين على “أخطاء شابت العملية الانتخابية في عدد من لجان التصويت”، لافتاً إلى أن إجمالي الطعون بلغ 400 .
وقد اكدت مصادر أمس ل “الخليج” استمرار قنوات الاتصال بين جماعة الإخوان والمجلس العسكري، وكل طرف يستخدم كل ما لديه من أوراق، “العسكري” يستعد للسيناريو الأسوأ والمواجهة بإعلان فوز شفيق وتحمل مسؤوليته كاملة في حماية الدولة في حال استمرار “الإخوان” في رفض تقديم ضمانات واضحة بقبول حكم الدستورية بحل مجلس الشعب، والإعلان الدستوري المكمل، و”الإخوان” الذين لا يستبعدون عملية التفاوض للوصول إلى تفاهم يمكّن مرشحهم محمد مرسي من الدخول إلى قصر الرئاسة، يلوحون في إطار “التضاغط” مع العسكري إلى تعليمات تصدر لعناصرهم بمحافظات مصر بتنظيم اعتصامات مفتوحة في الميادين قبل ساعات من إعلان نتيجة جولة الإعادة، وأن حشوداً ضخمة من أفرادها ستتواجد تحسبا لإعلان فوز شفيق بالمخالفة للنتائج، التي رصدتها غرفة العمليات بحزب الحرية والعدالة بفوز مرسي بنسبة تصل إلى 52% من إجمالي الأصوات، بل إن المتحدث الإعلامي باسم جماعة الإخوان محمود غزلان أكد أن إعلان فوز شفيق يعني قيام العسكر بانقلاب واضح، وأن هذا الافتئات على نتائج الصناديق قد يفضي لمواجهة بين الإخوان والجيش، رغم نفيه وجود مفاوضات بين العسكري والجماعة لكي تقبل بالإعلان الدستوري المكمل، وقرار حل البرلمان في مقابل إعلان فوز مرشحهم في الانتخابات، إلا أن مصادر قيادية في الإخوان أكدت أنها لا تسعى إلى صدام، وأنها تسعى لحل سياسي بالتفاوض .
مصادر نسبت للعسكري أن ما يسعى إليه المجلس هو تطمينات وضمانات لنصف الذين أدلوا بأصواتهم في الانتخابات حول مستقبل الحكم في الفترة المقبلة، ولحين الانتهاء من كتابة الدستور . . وأنه لن يكون مسموحا للإخوان الانفراد بالحكم المطلق في هذه الظروف، وأن الأمر إذا كان سينتهي بمواجهة تحاول أن تفرضها الجماعة فلتكن، ومرشح الإخوان خارج القصر الرئاسي .
وكشفت مصادر مطلعة بجماعة الإخوان أن مكتب إرشاد الجماعة أصدر تعليمات للمكاتب الإدارية للجماعة بالمحافظات، بتنظيم اعتصام مفتوح في ميدان التحرير وعدد من الميادين في المحافظات المختلفة . وأكدت المصادر، أن حشوداً ضخمة من أفراد الإخوان توافدت ليلة أمس على الميدان، موضحة أن الاعتصام يأتي في الأساس تحسباً لإعلان النتيجة النهائية بفوز شفيق بالرئاسة، خلافاً للنتائج التي رصدتها غرفة العمليات بحزب الحرية والعدالة . وأوضحت المصادر، أن الاعتصام يستهدف الاعتراض على حل البرلمان والإعلان الدستوري، والانقلاب العسكري على العملية الديمقراطية .
ودعت قوى سياسية وحركات ثورية إلى تنظيم مليونية غداً (الجمعة) بالميدان، تحت عنوان “رفض الإعلان الدستوري ورفض الانقلاب العسكري”، للمطالبة برحيل المجلس العسكري، وتسليم السلطة للرئيس الجديد بصلاحيات تمكنه من أداء مهامه الرئاسية . وكانت قوى سياسية وثورية هددت باتخاذ إجراءات تصعيدية لوقف العمل بالإعلان الدستوري حتى إسقاطه ورحيله مع المجلس العسكري، على حد تعبيرها .
وفي غياب تصريحات رسمية ووجود تضارب عن صحة مبارك، سادت حالة من البلبلة لدى الرأي العام، بعدما أكدت مصادر طبية دخوله في حالة غيبوبة بعد نقله إلى مستشفى المعادي العسكري، والمحاولات الجارية لإنعاشه، نفى اللواء ممدوح شاهين، عضو المجلس العسكري أن يكون مبارك قد مات “سريرياً”، وذكر خبير عسكري أن مبارك بدأ يستجيب للعلاج و”انخفضت درجة خطورة حالته الصحية من خطرة جداً إلى خطرة فقط” . دستور تستحقه مصر
تحتاج مصر الآن، أكثر من أي وقت مضى، إلى قراءة واعية من مختلف القوى التي تهمها مصلحة البلد ونهوضه وديمومته، للواقع الذي أفرزته ستة عشر شهراً انقضت على نجاح ثورة 25 يناير في إسقاط النظام السابق، والمخاض الطويل الذي أوصل إلى انتخابات رئاسية، فاز فيها من فاز، وسيدخل القصر رئيس آخر يفترض أن يكون أداؤه مختلفاً عن العهد السابق الذي دام ثلاثة عقود .
بعد القرارات الأخيرة للمجلس العسكري، واضح أن الفترة الانتقالية ستطول، ونهاية يونيو الحالي ستكون مجرد تسليم الرئاسة للرئيس الجديد، لكن السلطة، في معظمها، ستكون بيد المجلس، إلى أن تتم كتابة دستور جديد، وتجرى انتخابات تشريعية جديدة، وتقام مؤسسات دستورية تنظم الحياة العامة في مصر، بتلاوينها كافة على مستوى السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية وغيرها .
في مصر الآن استقطاب حاد، واستنفار وشد أعصاب وإعادة تشكيل خريطة سياسية جديدة، والكل بانتظار رسو السفينة المصرية على بر الأمان، من خلال دولة مدنية فعلية، لا دينية ولا عسكرية، دولة ديمقراطية تنتظم السلطات فيها في إطار متناغم، والحكم هو صندوق الاقتراع الذي يفرز من يقول الناس إنهم يختارونه، أو يختارونهم .
ولأن مصر غير معزولة أو منعزلة عما حولها، والعالم يشهد متغيرات لم تتبلور خواتيمها حتى الآن، والمنطقة في قلب هذا العالم، فإن ذلك يجب أن يشكل دافعاً للمصريين بقواهم كافة، للعمل يداً بيد، بلا تفرد ولا استثناء، ومن دون استعادة أي شكل من أشكال النظام السابق الذي ثاروا من أجل تغييره، وإلا لا معنى لأي حديث عن تغيير أو تطوير، ويبقى البلد أسير الدوامة نفسها .
الدستور الجديد يجب أن يكون في موقع العقل والروح والقلب لكل مصري، فهو الذي سيرسم حياتهم العامة في هذه المرحلة وما يليها . دستور مصر هو ما يعوّل عليه، لأنه هو ما سيبنى عليه . ولذا تبرز الحاجة إلى رجال ثقة ووعي ومسؤولية وحكمة، يمثلون شرائح المجتمع كافة، ليكون دستور مصر فعلاً وليس دستور هذه الجهة أو تلك، والغلبة هنا يجب أن تكون لمصر الموعودة مصر الريادة التي في بال كل مصري وكل عربي