مثقفون ينعون "عبقرى الأدب العربى"الأربعاء، 18 فبراير 2009 - 21:44
كان إنسانا رائعا وكاتبا مهما رغم قلة إنتاجه
لم يكن الطيب صالح أديبا عاديا وإنما كان استثنائيا فى الأدب السودانى بصفة خاصة والعربى بشكل عام، فقد كتب العديد من الروايات التى ترجمت إلى أكثر من ثلاثين لغة، وهى "موسم الهجرة إلى الشمال"، "عرس الزين"، "مريود"، "ضو البيت"، "منسي"... وغيرها، وتعتبر روايته "موسم الهجرة إلى الشمال" واحدة من أفضل مائة رواية فى العالم، فقد حصلت على العديد من الجوائز ونشرت لأول مرة فى أواخر الستينيات، وتم تتويجه بـ"عبقرى الأدب العربي" فى عام 2001 . كما حولت روايته "عرس الزين" إلى دراما فى ليبيا ولفيلم سينمائى فى أواخر السبعينيات وفاز عنها فى مهرجان كان.. رحل الطيب صالح عن عالمنا اليوم بعد عامين من المعاناة مع المرض.
محمد سلماوى، رئيس اتحاد الكتاب العرب، قال إن الطيب من أكبر الأسماء فى الرواية العربية، وله مكانة خاصة لأنه حفر اسمه بحروف من نور فى تاريخ الرواية العربية والعالمية، كما أنه من أوائل من استطاعوا أن يعبروا حاجز المحلية عن طريق روايته "موسم الهجرة إلى الشمال" وغيرها من الروايات التى ترجمت إلى العديد من اللغات، وكثير من الأدباء أعجبوا بهذه الرواية آخرهم مارجريت درابيل التى كانت فى معرض القاهرة للكتاب مؤخرا وكان فى يدها هذه الرواية، وقالت "أقرأها للمرة الثانية"، وأضاف أنه كان من المرشحين لجائزة نوبل هذا العام، وقامت بترشيحه جهات معينة وكان لى دور فى هذا، عندما علمت أن اتحاد الكتاب السودانى وبعض الجهات السودانية يرشحونه لجائزة نوبل فكتبت مقالا فى جريدة القاهرة الأسبوع الماضى قلت فيه إن هناك جهات بعينها لها حق الترشيح، ومنها الحاصلون على نوبل من قبل، وأرسلت إلى الكاتبة نادين جورديمر الجنوب أفريقية الفائزة بجائزة نوبل ورشحته للجائزة.
الناقد الدكتور محمد عبد المطلب أن أهمية الطيب صالح أنه آخر الروائيين من الجيل الأول، فهو أول من جعل الرواية العربية تحتل مساحة مهمة لدى العالم الخارجى بروايته "الهجرة إلى الشمال" التى ظلت رغم أعماله المتعددة المهمة أهم أعماله.
عبد المطلب كشف عن سر مهم هو أن الطيب وعده وعدا قبل موته وقال عندما عرفت أنه يحتفظ بمسودات رواياته، طلبت منه أنه يقدم لى نسخة من هذه المسودات لأقدم دراسة مقارنة بينها وبين أعماله بعد تنقيحها، ولكن الموت لحق به قبل أن يفى بوعده. وأضاف هناك ملاحظة مدهشة بالنسبة لى هى أنه كلما حصل أحد المبدعين العرب على جائزة من المجلس الأعلى للثقافة، يتوفاه الله، حيث حصل عليها من قبل عبد الرحمن منيف وتوفاه الله بعدها، وكذلك محمود درويش وكانت مرشحة لها أيضا نازك الملائكة ولم تحصل عليها، وتوفيت أيضا وأخيرا الطيب صالح الذى نالها قبل وفاته.
الدكتور صلاح فضل أكد أن الطيب واحد من أهم الأصوات الروائية فى الوطن العربي، كان شعلة من النشاط، وشديد الحرص على حضور الندوات والمؤتمرات وأسهم بشكل فعال فى كافة الأنشطة الثقافية والأدبية، ارتبط إبداعه برؤية مميزه للصراع الحضارى وقدرة مكنته من تمثيل هذا الإبداع بشكل جمالي، فقد التقط الخيط من نجيب محفوظ وأخذ ينسج صورة لمجتمعه السودانى بعمقه الروحى وامتداده الحضارى وإنسانيته، وعلى الجانب الشخصى كان "الطيب" مولعا بالشعر كثير الحفظ له، والكتابة عنه ، واستطاع ابتكار شعرية السرد ليصنع منها نغما موازيا للتراث الشعرى المحفوظ ويفتح صفحة جديدة فى الأدب العربى والسودانى تعتمد على السرديات، وبالرغم من أنه كان مقلا فى أعماله إلا أنه استطاع أن يثبت أن بضعة أعمال رائعة قليلة تعد على أصابع اليد الواحدة كتبها فى مطلع الستينيات وأوائل السبعينات كفيلة لخلق مبدع كبير يوضع فى الصف الأول للروائيين العرب.
وأضاف :على المستوى الإنسانى كان الطيب مفعما بالدفء والمودة وصفاء القلب وعمق الشعور بالآخرين وكانت صحبته ممتعة للذهن والقلب، وقد أتم هذا العام من عمره الثمانين قضى منه آخر عامين قعيد مرضه الذى كان يرسم ملامح موته، لكن هذه الملامح لم تستطع محو الشعور بالحزن والفقر والفجيعة على الراحل.
الدكتور سيد البحراوى: الطيب منح الطيب لقب أهم الكتاب العرب، فقد نجح من خلال إبداعه فى الإمساك بعمق للأزمة الحقيقية التى يعانى منها المثقف العربى المعاصر بين الانتماء للوطن والخضوع بالتبعية، كما أنه خاض فى تركيب التراث الشعبى السودانى بهدف إخراج جوهر السرد والحكى والقص الشعبى السودانى الذى قدم من خلاله عملا عالميا بالمعنى العميق للعمل الخالد، فهو الوحيد الذى استطاع رسم ملامح الشخصية السودانية كما هي، ورحيله خسارة فادحة للأدب العربى.
الناقد صلاح السروى قال عنه إنه واحد من الكتاب العرب الذين جسدوا حلم النهوض الذى بزغ فى خمسينيات القرن الماضى فانطلق كنموذج تلمس مواقع الأقدام العربية فى صحبة الغربى المتفوق ليطرح قضية العولمة قبل الحديث عنها، فاستطاع توضيح الفرق الحضارى الذى يقع بين العالمين العربى والغربي، السروى يرى أن أهمية رواية مواسم الهجرة إلى الشمال لا تكمن فيما طرحته من حالة المصالحة بين الحضارتين لكنها تكمن فى فكرة استحالة العودة إلى الوطن المغلق، حيث كان يدل أمته على باب الخروج من الغابة المغلقة التى وضعتنا فيها عصور الماضى.
الدكتور طلعت شاهين أستاذ الأدب الأسبانى قال : كل أعمال الطيب ترجمت إلى الأسبانية خاصة "موسم الهجرة للشمال" و"عرس الزين" و "دومة ود حامد"، وترجمتها مترجمة معروفة، وقد ركز النقاد على "موسم الهجرة للشمال" رغم أنه من وجهة نظرى هناك أعمال أكثر أهمية مثل "عرس الزين" و "دومة ود حامد" لأنهما تعاملتا مع الواقع السودانى , استطعنا أن نعرف الكثير عن هذا الواقع وعلاقاته من خلال العالمين اللذين يتمتعان بجرأة كبيرة، أما موسم الهجرة للشمال يتناول فيها أزمة المواطن العربى والإفريقى عندما ينتقل إلى مجتمع غربي، وتناولها الكثير من النقاد.
وأشار إلى العلاقة الطيبة التى كانت تربط بينه وبين الروائى الراحل، وأضاف "حيث التقينا من قبل فى مؤتمر بإسبانيا وكنت وقتها أعمل فى الصحافة وأريد أن أحاوره، لكنه كان يقول جئت اسبانيا لكى أعرف وليس لكى أتحدث، وهذا يعكس إلى أى مدى هو شخصية تراقب وتتأمل أكثر مما تتكلم، وهذه ميزة نادرة الوجود لدى الكتاب العرب".
الروائى أحمد أبو خنيجر قال عنه إنه من أهم الكتاب العرب وإقلاله فى الإنتاج الروائى لا يقلل من قيمته الإبداعية، وكانت الفكرة الموجودة لديه هى الصراع بين الحداثة والمجتمعات والثقافة التقليدية وعالجها بأكثر من شق ومن جانب منها "موسم الهجرة للشمال" وكذلك فى قصصه القصيرة، وفى رجوعه للتراث العربى كما فى عمليه "مريود" و "بندر شاه"، ولكن للأسف نغفل هذه الجوانب فى أعماله ويتم التكريس فقط لموسم الهجرة إلى الشمال، وعلى المبدعين والمثقفين أن ينتبهوا إلى ذلك.
الروائى وجدى الكومى: الطيب، روائى استطاع وضع بصمة كبيرة فى عالم الرواية، فقد كانت روايته من أعظم الروايات التى عبرت عن صراع الحضارات، لكنه قدم هذا الصراع بشكل مميز، وقد كنا نأمل أن يكون الطيب هو الروائى العربى الثانى الذى يحصل على نوبل، وانتظرنا تكريما فريدا للأدب العربى من خلال رسوله "الطيب"