نصحتكم بعدم قراءة هذا المقال إلا أننى ألحظ أن بعضكم تورط فى البدء فى القراءة وطالما أن الأمر كذلك فلا ضير إن ملأت المساحة المسموحة لى بحكايتين مسليتين وهما مجرد حكايتين ليس من وراءهما إلا التسلية فلا تأخذكم الظنون مأخذاً وتسرفون فى استنتاجات لا طائل من وراءها.
الحكاية الأولى:
وهي حكاية مأخوذة من التاريخ إذ يطيب لي في بعض الأحيان أن أعود إلى تاريخ مصر ففي التاريخ عبرة وعظة ودروس مستفادة وأنا أؤمن دائما أن التاريخ أفضل من الجغرافيا وأروع من السياسة ، وعندما كنت أطالع كتاب ) تذكرة النبيه في أيا م الخديوي إسماعيل وبنيه ) للعلامة المؤرخ أسامة الفراهيدي أحد خبراء التاريخ في مدينة الزهراء ؛ لفت نظري الفصل الذي أفرده المؤلف عن فترة حكم الملك فؤاد00 إذ كانت تلك الفترة من أخصب فترات مصر السياسية و كانت الحركة الوطنية بأكملها تتطلع إلى تغيير شكل الحكم في مصر كما كانت تصبوا إلى القضاء على الاستعمار00 فقد كان الإنجليز قبل حكم الملك فؤاد قد أعلنوا قرار الحماية على مصر والذي كان من شأنه أن يجعل معظم أمور البلاد و مقاليدها تدار من خلال مجلس العموم الأمريكي... عفوا أقصد تدار من خلال الكونجرس الإنجليزي ... عفوا يبدوا أن الأمور اختلطت لذلك من الأفضل أن نعود إلى فصل الملك فؤاد في كتاب تذكرة النبيه للعلامة الفراهيدي ففي هذا الفصل تحدث المؤلف عن الملك فؤاد ـ وليس عن أحد غيره ـ فقال :
)كان الملك فؤاد ديكتاتورا ضيق الأفق بليد الحس لا يعرف شيئا عن الثقافة العربية ، وكانت في لغته لكنة أعجمية وكان في لسانه عجمة وكأن اللغة العربية غريبة عليه وعلى منبته فعندما وقف خطيبا في خطبة العرش ورغم أن الخطبة كانت معدة له كتابة إلا أنه أخطأ في نطق جميع الكلمات بشكل أثار استغراب الساسة والوزراء ورجال الحكم ، وقد أطلق وقتها الشاعر اللوذعي إبراهيم بك حلمي أبياتا من الشعر صارت تتنقل في أوساط السياسيين قال فيها
بحر لدني في علم وفي أدب تضل فيه فهوم الخلق والملل
يريك ما لا يراه العقل في نظر كأن في مخه شيئا من الحول
أفعاله بحروف النفي قد قرنت مابين كلا ولا لن لم بلى وبل
واشتهر الملك فؤاد بولعه الشديد بحبس الصحفيين ونهمه المفرط للطعام والنساء وجشعه غير المسبوق حتى أنه استولى على نصف مخزون مصر من الذهب ــ والذي كان يمثل غطاءً للنقد وقتها ــ وقد ترتب على ذلك زيادة في الأسعار وانتشار البطالة وزيادة معدل التضخم ، ونشأت في مصر آنذاك طائفة الإقطاعيين الذين صاروا يتحكمون في الاقتصاد المصري ويتملكون معظم البلاد بأراضيها ومصانعها وعقاراتها وشركاته ووزارتها ، وكانت طائفة الإقطاعيين هذه لا تتجاوز 5% من سكان الإقليم المصري ،ونظرا لقسوة الملك فؤاد المفرطة وبلادة حسه فإنه لم يكن يأبه للمعارضة التي كانت ترفض حكمه ولم يعرها التفاتا .. وعندما ثارت المظاهرات ضده أصدر أوامره بضربها بالرصاص الحي ، وعندما جادله أحد العقلاء في عام 1926 في جدوى سحق المعارضة بهذا الشكل ضرب بكلامه عرض الحائط .
ولم تكن قسوة فؤاد مجردة من السبب إذ كان يحدوه الأمل في أن ينقل مقاليد الحكم إلى وريثه فاروق ــ الذي كان صبيا آنذاك ــ دون منازعة من أحد ، ورغم أن الفيلد مارشال اللنبي المندوب السامي البريطاني كان قد أرسل خطابا للملك فؤاد عند ولادة فاروق عام 1920 قال فيه " يا صاحب السعادة إن الحادث السعيد ألا وهو ميلاد نجل لعظمتكم قد دعا حكومة جلالة الملك جورج الخامس إلى النظر في وراثة السلطنة المصرية بالاعتراف بنجل عظمتكم الأمير فاروق ونسله كحاكم على مصر من بعدكم "
إلا أن الإنجليز عادوا وأعربوا عن رغبتهم في إلغاء هذا الإنعام نظرا لضعف فؤاد وعدم قدرته على تسيير دفة الأمور في البلاد مما أقلق فؤاد ودفعه إلى قمع المعارضين لإثبات سيطرته على البلاد ولإثبات أن مصر في عهده لن تشهد ثورة شبيهة بثورة 1919 وفى صحيفة البيان إحدى صحف حزب الأمة كتب أحد الكتاب مقالة ساخرة تحت عنوان ...) الاستعمار .. والإستحمار ( قال فيها : إن ما يفعله فينا الإنجليز هو استعمار ... أما ما يفعله فينا فؤاد فهو استحمار!!!!!
وكانت هذه هي آخر كتابات هذا الكاتب .. إذ لم يعثر أحد على أثر له بعدها
الحكاية الثانية :
وأظنكم تعرفونها من قبل ولكن لا مانع من حكايتها من باب التكرار.
يروى في الأساطير أنه كانت هناك غابة فى الهند (تذكر أننا نتحدث عن غابة فى الهند وليس فى أى مكان آخر) وكان فى هذه الغابة قرد ظريف وذئب مفترس وكان الذئب عندما يقابل القرد الظريف يلطمه على وجههه ويقول له: لماذا لا تلبس الطاقية؟ فيحتار القرد إذ أنه لا يوجد حيوان واحد فى الغابة يرتدى طاقية!! فكان القرد يسأل أصحابه الحيوانات عن هذه الطاقية فلا يجيبه أحد وظل السؤال حائراً إلى أن قال له بعض العارفين من قدامى الذئاب فى الغابة: إن هذه الطاقية هى التى تعطى لك الحق فى القفز على فروع الأشجار وبدونها تفقد هذا الحق ، وإستطردوا قائلين إن هذه هى شريعة غابتنا ومن أراد العيش معنا فعليه أن يلتزم بالقانون والشرعية ( أعيد تذكيركم بأننا فى إحدى غابات الهند) غير أن هذا الكلام لم يقنع أحد وتعاطف أهل الغابة مع القرد تعاطفاً كبيراً ، فمن قديم وأهل الغابة يتعاطفون مع من تضطهده الذئاب ، ولذلك تجمع عدد كبير من أهل الغابة وذهبوا للأسد حاكم الغابة وملكها وأشتكوا له تصرفات الذئب فابتسم الأسد وقال لهم سأحل لكم المشكلة فلا تقلقوا ، ثم أرسل الأسد فى استدعاء الذئب وتقابل معه على إنفراد ثم قال له ينبغى يا ذئب أن تكون أكثر ذكاءً من ذلك ؛ فإذا أردت ضرب القرد فيجب أن تبحث عن سبب منطقي حتى لا يقول عنك الناس أنك ظالم ... فقال له الذئب: مثل ماذا يا مولانا الأسد ، فقال الملك الغضنفر: كلفه مثلاً بأن يحضر لك بلحاً من فوق النخلة فإذا ما أحضر لك بلحاً أحمراً إضربه وقل له لماذا لم تحضره رطباً؟ فإذا أحضره رطباً أضربه وقل له لماذا لم تحضره أحمراً؟
فخرج الذئب منتفشاً مشرأباً ثم نظر إلى القرد وقال له إصعد أيها " العريان " ويا أيها " الشاطر " إلى النخلة ولاتكن " عاكفا " في مكانك وإحضر لى بلحاً فقال له القرد: بلح أحمر أم رطب ؟ فما كان من الذئب إلا أن نظر يميناً ويساراً فى حيرة من أمره وحك رأسه بأظافره ... ثم ضرب القرد على وجههه وقال له: لماذا لا تلبس الطاقية؟.....
وهنا إنتهت حكاية الهند الثانية فإذا كنت ايها القارىء اللبيب قد تورطت في قراءة المقال إلى آخره فاعلم أن المقصود هم الهنود ونحن بهذه المثابة .... " هنادوة