الشاعر اللبنانى محمد شمس الدين
الشاعر اللبنانى محمد على شمس الدين اسم كبير فى عالم الأدب، صدر له 12 ديواناً شعرياً منها "قصائد مهربة إلى آسيا" و"ممالك عالية" و"حلقات العزلة" و"شيرازيات"، وانتهاء بديوانه الصادر عن دار النهضة العربية "الغيوم التى فى الضواحى"، ويستعد لإصدار ديوانه الجديد "اليأس من الوردة"، بالإضافة إلى أكثر من كتاب نثرى، كما صدرت طبعة من أعماله الشعرية الكاملة عن دار سعاد الصباح.
اليوم السابع التقاه فى ملتقى القاهرة الدولى للشعر، وكان هذا الحوار الذى فتح فيه صدره لأسئلة تتعلق بالشعر والشاعر ونجوميته وقصيدة النثر، وغيرها من الإشكاليات التى تحيط بشعرنا العربى، وإلى الحوار ..
كيف ترى اشتعال المعركة القائمة بين قصيدة النثر والتفعيلة فى السنوات الأخيرة، خاصة فى مصر، رغم أنه معترف بها تماماً فى لبنان؟
إثارة مشكلة مثل قصيدة النثر بهذا الإلحاح وهذه العصبية، دليل على مرور الشعر العربى منذ بداية النهضة حتى اليوم بأكثر من اختناق وأكثر من متنفس، الاختناق الكبير الذى رافق الشعر العربى واللغة العربية فى عصور الانحطاط وجد متنفساً له عن طريقين، الأول إحياء الكلاسيكيات واستعادتها بتمثل أهم عناصرها فى المعنى والوزن والأسلوب من خلال أحمد شوقى والأخطل الصغير وحافظ إبراهيم وخليل مطران، ومن تلاهم من الكلاسيكيين المحدثين أمثال بدوى الجبل وعمر أبو ريشة وصولاً على صلاح لبكى وسعيد عقل، هذا هو المسرب الأول للتنفيس، المسرب الثانى هو تجديد روح النثر العربى من خلال ترجمة إبراهيم اليازجى للعهدين القديم والجديد، وما قام به البنانيون، خاصة من كتابة نثر جميل وعلى حدود الشعر مثل ميخائيل نعيمة وجبران خليل جبران.
بعد رحيل محمود درويش ومن قبله نزار قبانى، اختفت ظاهرة الشاعر النجم، هل هناك ضرورة لوجود هذا الشاعر الآن؟
مسألتان ضروريتان لصنع الشهرة، هما الفن والإعلام، وفى الفن مسائل وفى الإعلام مسائل أخرى، فأما الفن فربما دخلت فيه عناصر غير فنية كالسياسة أو قضية ما.
إن الرافعة الفلسطينية السياسية وضعت شعر محمود درويش فى الواجهة، وجوهر شعره لا يخرج عن ذلك، حتى إن كثيراً من قصائده يمكن أن تجد لها معادلاً من سياسة أبى عمار أو أخيراً من سياسة السلطة ممثلة فى محمود عباس.
هذا الاتجاه هو جوهر القول الشعرى الفلسطينى لمحمود درويش، وهو نفس السياسة السائدة التى تتبناها السلطة الفلسطينية، وحين ذهب إلى حيفا ليقول شعراً، لم يكن فى حاجة إلى ذلك لأن شعره يصل إلى أبعد من حيفا، ولكنه قام بعمل سياسى كرافعة سياسية لشعره وأرسل تصريحاً سياسياً ضد حماس.
الشرط الثانى إعلامى أى اتجاهات الإعلام واهتماماته من صحافة وتليفزيون، ولا الجزء الأول من هذه المعادلة الثنائية بصحيح ولا الثانى بصحيح، وكلاهما فيه غش وتضليل، ويبقى الشعر فى مكان آخر، وهو بالضرورة عميق وشفاف وقليل، وليس بأى معنى من المعانى جماهيرياً.
لماذا؟
لأن الشعر يمتنع بسبب عمقه وألقه وسريته عن أن يكون عاماً، هل تظن أن كل الناس يفهمون أسرار أشعارنا؟، كلاً طبعاً، بل لعله الأجمل حين يكون الأقل، أنا لا ثقة لى بالعامة ولا أهدى ديوانى إلا لقلائل أثق أنهم تصلهم الرسالة.
هل تقصد أن الشعر نخبوى؟
أنا أقصد أن أقول عن القصيدة أنها تختار قارئها، أكثر مما يختار القارئ قصيدته، فالعامة تختار الشعار والسمعة والاسم أحياناً، لكن قارئ القصيدة يقتضى أن يكون شبيهاً بها.
لكن فى بعض الأحيان تكون هناك ضرورة لوجود هذا الشاعر النجم ليصنع على الأقل علاقة بين الجمهور والشعر؟
أنت مازلت تتكلم عن النجومية، مع أن أتفه سياسى فى لبنان أكثر نجومية وشهرة من أكبر شاعر، فهو أمر لا يقاس عليه، أنا ضد الظهور الإعلامى الكثير للشاعر الحقيقى، لأن أسراره لا تحتمل ذلك، فهنا يصبح الشعر الحقيقى شبيهاً بجسد امرأة جميلة لا يجوز أن يعرض، خاصة أن الإعلام والتليفزيون سراق، وقد يتلصص على الدواخل، ودواخلى الشعرية على الأقل دواخل حساسة وسرية، وأربأ بها عن أن تعرض للتلصص الإعلامى والتليفزيون، وإذا أصبحت شاعراً جماهيرياً، ساعتها سأعيد النظر فى نفسى، وأقول إننى لست شاعراً، وأعيد النظر فى شعرى، الجماهيرية شىء مخيف.
النقد والشعر على الدوام علاقة ملتبسة، كيف ترى هذه العلاقة؟
النقاد يحاولون بقدرات متفاوتة قراءة وتحليل القصائد، وأرى أن أهم من يقرأ القصيدة هو شاعر آخر، لأن كل ناقد لا ينطوى على شاعر فى داخله هو ناقد ناقص، فإذا كان فى داخله شاعر فلماذا يكون ناقداً وليس شاعراً.
إذن سيكون فى داخل كل ناقد شاعر ناقص أو فاشل، أو معاق، وهكذا يصبح النقد فعالية مجانية ولا ضرورة لها.
كيف ترى تجربتك بعد كل هذا العمر مع الشعر؟
كلما تقدمت فى التجربة الشعرية شعرت بصعوبة الشعر، وازداد وسواسى وليس يقينى، قصيدة "دموع الحلاج" التى كتبتها أخيراً شكلت لى قلقاً وهاجساً، والشعر صعب ولا أستسلم لأى يقين فيه، هذا ما أشعر به الآن بعد 12 مجموعة شعرية.
قلت من قبل إنك لست من شعراء الجنوب، مع أنك من الجنوب؟
أنا شاعر من الجنوب، لكن علاقة الجنوب بالشعر علاقة رحمية ثم انفصلت عن الرحم، وأذكره كما يذكر الابن أمه.
من ناحية أخرى ما يبقى من هذه العلاقة هو العصب، لأن عالمى الشعرى أبعد من أن يقاس بالجنوب، أنا أقنعة وغصص وتراب، إذا كان العصب الذى أكتب به حاراً وجنوبياً، وينطوى على الخوف والبطولة، فإنه عصب إنشاد وملحمى.
ما رأيك فى إقامة مؤتمر بديل لملتقى القاهرة الدولى الذى تشارك فيه؟
هذا عادة ما يجرى على هامش الشعر، وهو جزء من السياسة، ولكن لا بأس أن يعقد مؤتمر لقصيدة النثر باعتبارها إما مهددة أو ترغب فى الاعتراف بها، فى رأيى الأنجح من ذلك كتابة قصيدة جميلة، ووقتها ستصبح أكبر دفاع عن قصيدة النثر.