النار والدخان ورجال الإطفاء والشرطة.. مشهد أصبح معتاداً مع تكرار حرائق وسط البلد- تصوير: ياسر عبدالله وأحمد اسماعيل
هل هى صدفة من صنع القضاء والقدر أم مؤامرة على طريقة ممدوح حمزة؟
حرائق العقارات التاريخية بوسط البلد تسير فى الاتجاه الذى حذر منه الدكتور ممدوح حمزة الاستشارى الهندسى الشهير يوم 13 يناير الماضى «على صفحات اليوم السابع» عندما قال بالحرف الواحد: «هناك شركات تخطط لشراء منطقة وسط البلد لهدم مبانيها وطمس معالم القاهرة».
مسلسل حريق العقارات التاريخية بدأ بالعقار رقم 59 شارع رمسيس، الذى يعد واحدا من أجمل عقارات القاهرة الخديوية ويرجع تاريخ بنائه إلى عشرينيات القرن الماضى وتم تشييده على طراز «النيوباروك» الممزوج بالفن الجديد والنيو كلاسيك، مع استخدام أشكال تعبيرية مثل رؤوس أبوالهول، بالإضافة إلى زخارف رائعة.
ولم تمض أقل من 36 ساعة إلا وشب حريق فى عقار تاريخى آخر يقع أسفله محل جروبى الشهير الذى أنشأه السويسرى «جاكومو جروبى» الذى جاء إلى مصر فى ثمانينيات القرن التاسع عشر، ولم يكن جروبى مجرد مطعم ومقهى على الطراز الفرنسى، وإنما مشروع ثقافى يرسى ذوقا وتقاليد جديدة, حيث اعتبر مركزا من مراكز الحداثة, فكان يقيم العديد من الحفلات الراقصة, ويستقدم الفرق الموسيقيّة, ويعرض فى حديقته الخلفيّة عددا من الأفلام السينمائيّة. كما أدخل جروبى إلى مصر للمرة الأولى أنواعا جديدة من الشيكولاتة والعصائر المركزة والمربى والجبن.
ولم تكن هذه الحرائق وليدة الصدفة وإنما تصب فى مسار مخطط تم رسمه بحنكة لتشويه العقارات التاريخية، ثم بيعها لشركات أجنبية والتى اشترت من قبل 6 عقارات هى:
1 - 20 و20 أ شارع عدلى.
2 - العقار رقم 18و18 أ شارع عدلى.
3 - العقار رقم 16 شارع عدلى.
4 - العقار رقم 165 شارع عدلى.
5 - العقار رقم 42 شارع عبدالخالق ثروت.
6 - العقار رقم 29 شارع هدى شعراوى.
بالإضافة إلى 7 عقارات أخرى جاهزة للبيع وتنتظر التوقيع. سيناريو إخلاء القاهرة الخديوية والمناطق المجاورة لها من أهم الأهداف غير المعلنة لمخطط القاهرة 2020 وهو ما يؤكده الدكتور رضا حجاج أستاذ التخطيط العمرانى بجامعة القاهرة، لافتا إلى أن قانون تحرير العلاقة بين المالك والمستأجر لن يصدر قبل بيع المبانى التاريخية بالقاهرة فالقانون ستصدره لجنة السياسات وموافقة مجلس الشعب عليه ستكون مضمونة فما الذى يمنع شركة «سماى هيلز» المملوكة لأحد رجال الأعمال من التحرك بكل حرية لشراء ما يحلوا لها من مبان؟ ويشير حجاج إلى «أن سيناريو إخلاء المبانى التاريخية حاليا يعيد إلى الذاكرة نفس السيناريو الذى كان يتم تطبيقه قديما عندما يمتنع الفلاح عن بيع الأرض يتم حرق المحصول».
أما الدكتور ممدوح حمزة الاستشارى الهندسى والموجود فى لندن حاليا والذى حذر من مخطط بيع وطمس هوية القاهرة التاريخية فأكد فى اتصال تليفونى مع «اليوم السابع» أن هذه الحرائق نقلة خطيرة وغير متوقعة للقضاء على العقارات التاريخية، موضحا أنه توقع ومن خلال المعلومات التى كانت لديه أن هناك خطة لبيع العقارات بشتى الطرق عن طريق إحراقها وتدميرها أو طمس هويتها التاريخية والأثرية.
وقال «حمزة»: إن خطة حرائق المبانى تهيئة لأوضاع جديدة أمام ملاك جدد يخططون منذ فترة للاستحواذ على المناطق التى بناها الخديو إسماعيل فى القرن 19 مستعينا فى ذلك بكبار المعماريين فى العالم فى ذلك الوقت أمثال الفرنسى «ليونا فيليان»، و«هاوس مان»، و«كاستمان»، و«أنطونيو لاشاك»، و«فرانشيسكو باتيجلى» لتحقيق حلمه الذى مازال يطلق عليه حتى الآن القاهرة الخديوية، التى تبدأ من كوبرى قصر النيل وحتى منطقة العتبة، بما تحويه من شوارع وطرق باتت تشكل قلب العاصمة.