]
[/url]
الأشلاء من الشهداء وأجساد الأطفال المبعثرة مع صيحات الثكالى والمروعين في عدوان السبت السابع والعشرين من ديسمبر/كانون الأول الجاري -ونحن نكتب في مسائه- لم تكن تشير فقط إلى تصريح ليفني قبل العدوان بساعات في القاهرة بأن تل أبيب قد قررت إحراق غزة ومن أين من القاهرة، فيما كان وزير الخارجية في موقف نظيف جدا يشير إلى نصائح التهدئة، ومن غير شك بأن ما دار بينهم أكثر من تبادل النصح." ما يجري في غزة وما سيتطور في الأيام القادمة كان قراراً عربياً رسمياً شريكاً -وليس مغلوباً على أمره- بالمشاركة مع فريق أوسلو بقيادة محمود عباس، يسعى لإحباط أي محاولة توافق وطني " |
ولكن هذه الإشارات الواضحة والأدلة القطعية الدلالة -كما يقول الفقهاء- تكشف أن هذه الشراكة العربية في تغطية العدوان الإسرائيلي هي الأكثر وضوحا منذ تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي.لذا فإن هذا المنعطف قرِئ مبكرا منذ أنابوليس في نوفمبر/تشرين الثاني 2007 ولم يكن قرارا غائماً ولكنه برنامج عمل واضح تجاه تنفيذ حماس للحركة التصحيحية في غزة في يونيو/حزيران من العام نفسه منذ ذلك التاريخ اتخذ القرار إسرائيليا وأميركيا وأخذت التعهدات على النظام الرسمي العربي بتنفيذه ولم تكن تلك التعهدات اضطرارية في كل الأحوال ولكنها اختيارية لدى بعض هذه الأنظمة، لماذا؟
لأن ما جرى في غزة وقبله صعود برنامج المقاومة وإعادة حضورها التاريخي شكّل قاعدة انطلاق جديدة وتاريخية للمشروع التحرري الفلسطيني وعبر فكر إسلامي ووحدة عربية في اتجاه الهدف النهائي للمشروع, وهي قضية تشعر أطراف رئيسية في النظام الرسمي العربي بأنها لا تستطيع البقاء مع زوال إسرائيل، وهذه الحقيقة لم تعد تقريرا إعلاميا مكررا ولكنها تُرجمت إلى سياسات شاملة وبرنامج عملي على الأرض لإقناع أو تطويع الشعوب بأن "إسرائيل" كيان مهم للمنطقة ومحور في التعاون الدولي للحوار أو التطبيع الاقتصادي أو مواجهة المشروع الإيراني الاستعماري الذي ساهم النظام الرسمي العربي بنفسه في إطلاق يده وعدوانه لاختراق وتفتيت قوة الممانعة العربية.
ثم أصبح يحتج به الآن ليس لمواجهته فهو أعجز عن ذلك وينتظر برامج الصفقات بين طهران وبين الأميركيين ولكن لتثبيته كمسمار تُعلّق عليه برامج التطبيع والتواصل الثقافي والتنسيق الأمني مع إسرائيل الذي تجسد الآن في محرقة غزة.
من هنا نعرف أن ما يجري الآن وما سيتطور في الأيام القادمة كان قراراً عربياً رسمياً شريكاً وليس مغلوباً على أمره، ولو أننا استعرضنا التصريحات التي أطلقها هؤلاء الساسة على حماس حتى من قبل حركة التصحيح في يونيو/حزيران 2007 لوجدنا أنها تتصاعد ضد هذا البرنامج بل وهي ذاتها بالمشاركة مع فريق أوسلو بقيادة محمود عباس تسعى لإحباط أي محاولة توافق وطني لكون قرار تصفية مشروع المقاومة وليس حماس قرارا دوليا إسرائيلياً برغبة أطراف عربية رسمية.
ولكن التوافق الشامل على إسقاط غزة ظن أن الأمر سيتحقق بإحكام الحصار خاصة أن النظام الرسمي العربي، وهنا يبدو نظام الرئيس مبارك في طليعة قيادة هذا الحصار مع حملة إعلامية نالت من شعب غزة وأبناء فلسطين وليس حماس فقط.
ورغم كل الفرص لتحقيق تهدئة مشروعة يُرفع فيها الحصار الذي يقتل الشعب تدريجيا فإنّ الجانب المصري وشركاءه في النظام الرسمي العربي كانوا يُعيقون ويُحبطون أي اتفاق نوعي يضمن جزءا من حقوق الحياة لغزة, وكان ما يجري نُسخا من اتفاقات ترتب مع تل أبيب لتعلن استسلام حماس في هذه القضية, وخاصةً في أساسيات مبادئها لصالح الكيان الصهيوني وهو ما تجلّى في محاولة النظام المصري إسقاط ورقة شاليط الجندي الصهيوني، حتى بدا بعد كل هذه المحاولات وتصريحات عمر سليمان التحريضية لإسرائيل قبل العدوان بأيام قليلة أن نظام الرئيس مبارك لا يقل حماسة لتصفية غزة كقضية من تل أبيب نفسها.
لكن الحصار بدأ يتصدع دوليا ويشكل بقاؤه حالة صداع وأرق واضطراب في مفاصل الأنظمة الرسمية العربية ليس حرجا منه ولكن لكونه أصبح مادة متصاعدة في ضمير الشعوب العربية، مع أنّ هذه الأنظمة أعلنت وقوفها مع عباس وفريقه الأمني ضد غزة وأعطت مشروعية للحصار ولكنه لم يستمر، رغم كل ما تجسد على الأرض وكشف عنه من حجم التنسيق الأمني لفريق عباس وتحريضه على غزّة وصبّه جام غضبه على كل يد تُعين ولو إنسانيا.
" تصريح المسؤول الإسرائيلي بعد الساعات الأولى للعدوان بأننا أطلعنا دولا عربية وغربية على القرار قبل البدء (في العدوان) تذكير من تل أبيب لشركائها بواجباتهم في تغطية المحرقة ولو كان الصدع للضمير الإنساني مروعا " |
لكن الفريق الأمني -وهو فريق ميداني اهتمت به واشنطن وتل أبيب- فشل في زحزحة حماس من غزّة أو زحزحة الشعب عنها ولذا أُكدّت الدعوة لتل أبيب ببدء المحرقة.ولو تأملنا في وجه ياسر عبد ربه وهو يتحدث عن المحرقة لوجدنا هناك حالة ارتياح نفسية يتحدث بها -رغم أنه يردد الدم ما يصيرش ميه– بل إن تصريحات الطيب عبد الرحيم مستشار عباس بعد بدء العدوان -بأن الشرعية (أوسلو) ستعود لغزة وعلى أهلها الصبر- تؤكد الشراكة الأمنية مع المحرقة ميدانيا وإستراتيجياً.
ومن هنا نقف عند تصريح مهم لمسؤول إسرائيلي بعد الساعات الأولى للعدوان وهو قوله إننا أطلعنا دولا عربية وغربية على القرار قبل البدء (في العدوان)، وجاء هذا التصريح في وقت أخذت فيه صور المجازر تعصف وجدانيا بالرأي العام العربي والإنساني، وكأنّما أرادت تل أبيب تذكير شركائها بواجباتهم في تغطية المحرقة ولو كان الصدع للضمير الإنساني مروعا.
أسئلة البيضة والدجاجة
وما عكف عليه الإعلام العربي الرسمي والخاص -المعروف بعلاقته المباشرة بالإستراتيجية الأمنية الإسرائيلية من قنوات عربية في الخليج وغيرها- من تنظيم خروج الفريق الآخر للحديث، كان معروفاً في الضمير العربي الجمعي, وهو أيضاً ليس مفاجأة للتاريخ الإنساني حين تُستغل صور الشهداء والضحايا العظيمة على كرامة أهلها وأمتها ثم تقلب القضية. (إنها صورايخ المقاومة وليست عدوانية إسرائيل)!! أو شراكة النظام الرسمي العربي الذي كان وسيطاً محرضا على الهدنة مع العدو إذا كانت تحترم خيار الشعب والأمة وتعترف ببرنامج المقاومة. وهذا الإرباك للمشاهد مع صورة الضحايا مع التعليق السياسي هو في الأصل جزء من الحرب النفسية التي يخوضها العدو، ولكنه الآن بلسان وقنوات عربية حتى يضمن استمرار المحرقة باحتواء أكبر لردود الأفعال وبتغطية على مجرم الحرب وإدانة للضحية.