إذا أردت معرفة أسباب هروب اللاعبين والأبطال من قيود وفقر الرياضة المصرية، ابحث عن الأخلاق، ثم الجهل، وأخيراً القهر.. ولو رجعنا إلى الوراء سنوات، لتذكرنا أن أبطال دول المعسكر الشيوعى قبل تفكيك الاتحاد السوفيتى، كانوا يسيطرون على المراكز المتقدمة فى البطولات والدورات العالمية والأوليمبية، وفى الوقت نفسه كانوا يمنون النفس أن يهربوا من المجتمع المغلق المتقشف الذى يستخدمهم - وهم بشر - مثل الآلة، أو المعدة العسكرية، أو أنظمة البرمجة إلى المجتمع المفتوح المتحرر الذى يهتم بحقوق الإنسان فى الترف والثراء والحياة الكريمة، وتربية النفس البشرية قبل تربية الأبدان ونفخ العضلات..
من هؤلاء من كان يغامر ويهرب ويسهل عليه الحصول على جنسية أى دولة أوروبية غربية أو الجنسية الأمريكية.. طبعاً لأسباب سياسية وقتها فى إطار الصراع التاريخى بين الرأسمالية والاشتراكية، الذى كان لابد وأن ينتهى بهزيمة أحدهما، ولأسباب رياضية تنافسية، حيث يلعب البطل الهارب باسم دولته الجديدة..
كان الأبطال يغنون النشيد الوطنى لبلدانهم ويضعون أيديهم على صدورهم إيحاء بأن أوطانهم فى قلوبهم.. وهم بعقولهم يفكرون، وبخيالهم يحلقون فى جنة الدولة الرأسمالية، التى يعيش أبطالها فى قصور عيشة الملوك بينما هم يحصدون الميداليات دون أن يحصدوا معها أية مغانم شخصية.. لأن الفكر الشيوعى يجعل الجميع تروسا فى آلة الدولة والحزب..
ومناسبة الحديث فى هذا الماضى العالمى.. ما نراه فى هذا الحاضر العربى حيث تتعدد حالات هروب الرياضيين، وآخرهم كانوا رباعين مصريين فى دورة ألعاب البحر المتوسط.. لم يهتم الهاربون العرب بأخلاقيات الارتباط بالأوطان لأنهم - إذا كانوا فاهمين- اضطروا مع الخلل فى العلاقة بين الحقوق والواجبات، إلى أن يفصلوا بين الارتباط بالوطن، والارتباط بمن يدير هذا الوطن.. هم لم يهربوا من بلادهم وأهلهم، بل هربوا من أنظمتهم بدرجاتها المختلفة ابتداء من اتحاد اللعبة وحتى أعلى قيادة.. ولذلك نحن نحتار فى التفسير الأخلاقى لحالات الهروب، وهو ما توقف عنده البعض بعد واقعة هروب عصام الحضرى من الأهلى إلى سيون السويسرى..
وعدم حل هذه الإشكالية، فى دول تدعى الديمقراطية، والأخذ بنظام السوق الحرة، يعبر عن جهل شديد يؤدى فى النهاية إلى قهر.. لأن قيادات هذه الدول، مازالت تنظر إلى الرياضيين نظرة الريبة، ولا يقتنعون بأن النشاط البدنى لابد وأن يصاحبه نشاط ذهنى.. فالحديث عن الرياضة هو حديث عن الفكاهة والأراجوزات، بينما هم فى الوقت نفسه يحترمون فكر المبدعين فى الثقافة والعلم والأدب بالكلام فقط، وليس بالفعل، بدليل أن الوطن العربى ملىء بالشعراء والأدباء الكبار الفقراء والتعساء.
هذا الجهل الإدارى الذى يقضى على حوافز ودوافع الرياضيين، يقابله شعور بالقهر من الأبطال الذين يملكون شيئاً متميزاً ومغايراً عن الآخرين، لكنهم لا يحصلون على ما يحصل عليه الناس العاديون، ومن هنا تأتى فكرة الهروب ليس كرهاً فى الوطن، بل كرهاً فى العقول الغبية، والقلوب الخشنة.. ولذلك أنا متعاطف مع هذا الرباع الهارب، لأننى أعرف أنه سوف يعود من باسكارا ليقف فى حر وزحمة القاهرة، يبحث عن ميكروباص ينقله من البيت إلى الملعب.. وأنا ضد «غشم» اتحاد اللعبة الذى يريد شطب لاعب، شطب نفسه أصلاً.