نرجو الإفتاء في هذا الأمر لأنه هام جداً: أوصى والدي قبل موته بثمانية عشر قيراطاً لي وهو على فراش الموت أخبر إخواني بذلك والآن رفضوا أن يسلموني الأرض علماً بان هذه المساحة أقوم عليها منذ 15 سنة وقبل وفاة والدي وبعلمهم. | السؤال |
بسم الله، والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد..
اختلف الفقهاء في الوصية للوارث، فذهب المالكية في المشهور والشافعية في غير الأظهر وكذا ابن حزم إلى أنه لا وصية لوارث، وذهب الشافعية في الأظهر والمالكية في غير المشهور إلى أن الوصية للوارث جائزة في حدود الثلث، وتنفذ من غير إجازة الورثة، وتصح بما زاد على الثلث، ولا تنفذ فى الزيادة إلا إذا أجازها الورثة.
فإن كان ما يرثه السائل أكثر من الثلث فإنه لا يملك الأكثر إلا بموافقة الورثة أما إذا بلغ مجموع ما يرثه بالإضافة إلى ما جاءه من طريق الوصية أقل من الثلث فإنه يتملكه دون إجازة الورثة.
وقد أخذ القانون المصري بالرأي الأخير بالقانون رقم 71 لسنة 1946. على أن يؤخذ في الاعتبار أن مثل هذا الصنيع قد يتسبب في إيحاش القلوب، وبث روح العداء بين الورثة إلا وجد سبب وجيه يقتضي هذا العمل. يقول فضيلة الشيخ محمد مجاهد ـ مفتي مصر الأسبق: قد اختلف الفقهاء في الوصية للوارث :
1- قال ابن حزم والشافعية في غير الأظهر والمالكية في المشهور عندهم:
لا تجوز الوصية لوارث أصلا سواء أجاز الورثة أم لم يجيزوا لقوله صلى الله عليه وسلم ( لا وصية لوارث ) وعلل ابن حزم بأن الله سبحانه منع من ذلك فليس للورثة أن يجيزوا ما أبطله الله تعالى على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم وإذا أجاز الورثة فابتداء عطية من عند أنفسهم فهو مالهم .
2- وقال الشيعة الإمامية: تصح الوصية للوارث، وإن لم تجز الورثة لعموم قوله تعالى:{ كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف حقا على المتقين } البقرة 180 .
3- وقال الشافعية فى الأظهر عندهم وهو ظاهر مذهب الإمام أحمد وقول غير مشهور للمالكية: الوصية للوارث صحيحة موقوفة على إجازة الورثة بعد الموت؛ فإن ردوها بطلت وأن أجازوها صحت لحديث البيهقى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( ولا وصية لوارث الا أن يجيز الورثة ) فدل قوله صلى الله عليه وسلم: ( إلا أن يجيز الورثة ) على أن الحق لهم؛ فإن أجازوها فقد رضوا بإسقاط حقهم، فارتفع المانع .
4- وقال الحنفية: الوصية للوارث ولو بالقليل لا تجوز إلا بإجازة الورثة بعد موت الموصى؛ أما عدم جوازها عند عدم الإجازة فلقوله صلى الله عليه وسلم: ( إن الله أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث ) ولأن البعض يتأذى بإيثار البعض ففي تجويزه قطيعة الرحم ويعتبر كونه وارثا أو غير وارث وقت الموت لا وقت الوصية؛ لأنها تمليك مضاف إلى ما بعد الموت فيعتبر وقت التمليك .
وأما الجواز عند إجازة الورثة بعد الموت فلأن المنع كان لحقهم، وقد أسقطوا حقهم برضاهم فيزول المنع وفى بعض الروايات عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( لا وصية لوارث إلا أن يجيزها الورثة(.
وقد أخذ القانون رقم 71 لسنة 1946 الخاص بأحكام الوصية والمأخوذة أحكامه من بعض المذاهب الفقهية الإسلامية بقول الشعية الامامية فأجاز الوصية للوارث في حدود الثلث من غير توقف على إجازة الورثة، وذلك في المادة 37 ونصها تصح الوصية بالثلث للوارث وغيره.
وتنفذ من غير إجازة الورثة وتصح بما زاد على الثلث ولا تنفذ في الزيادة إلا إذا أجازها الورثة بعد وفاة الموصى وكانوا من أهل التبرع عالمين بما يجيزون .
هذا والذي ترتاح إليه النفس، ويؤخذ من روح الشريعة ومقاصدها النبيلة السامية أنه لا يجوز إدخال الوحشة على الأولاد وسائر الأقارب بإيثار بعضهم لا في الحياة ولا بعد الممات إلا إذا وجد سبب وجيه يقره الشرع والعقل لإيثار بعضهم على بعض .
ويقول فضيلة الشيخ عطية صقر ـ رئيس لجنة الفتوى الأزهر ـ سابقاً: تنص المادة 37 من قانون الوصية رقم 71 لسنة 1946م على جواز الوصية بالثُّلُث للوارث وغيره، وتَنْفُذ دون توقف على إجازة الورثة، كما أجازت الوصية بأزْيدَ من الثُّلُث، ولا تَنْفُذ الزيادة إلا بموافقة الورثة.
فإن كانت الممتلكات التي وَرِثها السائل عن أبيه أكثر من ثلث ما يَملِكه فلا تنفذ الزيادة إلا بإجازة الورثة.
وذلك موافق لمذهب الإمام الشافعي، فقد روى أصحاب السنن أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: "لا وصية لوارِثٍ"، وروى البيهقي بسند قال الذهبي: إنه صالح أنه قال:" لا وصية لوارث إلا أن يُجِيزَها باقي الورثة" فقد أخذ الشافعي بالحديث الثاني المقيِّد للحديث الأول المطلق.
وقد أخذ به قانون الوصية المعمول به في مصر .
والله أعلم.