احمد شعلان
عدد الرسائل : 17047 الموقع : جريدة الامة تاريخ التسجيل : 24/09/2008
| موضوع: أخطار علي نهر النيل!! السبت 22 مايو 2010 - 11:23 | |
| سواء كانت مصر هبة النيل, أو أن مصر هي هبة المصريين, الذين نجحوا في إقامة حضارة كبري علي نهر النيل, فإن هناك أخطارا باتت حالة علي النهر التاريخي بعد أزمان كثيرة من الاطمئنان.
علي أن مياها كثيرة سوف تمضي بلا انقطاع من المنبع إلي المصب. وببساطة استيقظنا ذات صباح, يقول البعض إنه منذ عام, والبعض الآخر يقول إنه منذ أعوام, علي أن ما تم الاستقرار عليه طوال التاريخ لم يبق علي ما كان, وأن هناك من يريد أن يغير شرائع وقوانين ظلت مستقرة منذ عقود طويلة عبر أعوام1902 و1929 و1959 لكي تنظم ما جري عليه العرف واستقرت فيه التقاليد قبل عدة آلاف من السنين. كانت المناسبة هي توقيع اتفاقية إطارية لتنظيم التعاون ما بين دول حوض النهر, فما كان من دول المنبع إلا أن أصرت علي إضافة فقرة تقول بحقها في إقامة مشروعات علي نهر النيل دون موافقة دول المصب, ودون مراعاة بالضرورة لما استقرت عليه الحقوق التاريخية. وكانت هذه الفقرة كافية لكي تمنع اتفاقية التعاون من المضي في طريقها, وعلي العكس أوجدت حالة من التساؤل حول الأسباب والدوافع التي قادتنا إلي نقطة كان' التعاون' فيها متوقعا, لكي يتحول إلي لحظة من التوتر والتشاحن. من ناحيتنا جري التعامل مع الموقف بمنهجين إضافيين لما اعتدنا الحديث عنه من حقوق تاريخية: أولهما أن القضية قانونية من أولها إلي آخرها, فتم استدعاء الاتفاقيات والمعاهدات, والبحث في الكتب عن المعاهدات العالمية الخاصة بالحقوق في الأنهار والبحار, والمراجعة والتأكيد علي المواد والحقوق الواردة في الاتفاقيات. ومثل ذلك يدعمه بشدة أن مدرسة وزارة الخارجية المصرية مولعة بالقانون الدولي, ولديها, أو لدي بعض دبلوماسييها, اعتقاد بأن العالم مثله مثل الدول يحكمه قانون وتنظمه شرائع, ويجدون لذة بالغة في مقارعة الحجة القانونية بالأخري. ولسبب ما ـ بعد أن شبت قضية مياه النيل, وجرت مع المياه إعادة التذكير بالحجج والمعاهدات من قبل كتيبة من فقهاء القانون والدبلوماسيين ـ تذكرت تلك المباريات الطويلة التي جرت ذات يوم لتفسير المادة تلو المادة من القرار242 الصادر عن مجلس الأمن في نوفمبر1967 وظل حاكما للمفاوضات العربية الإسرائيلية طوال العقود الماضية. ولم تكن المشكلة في المنهج القانوني الذي يثبت الحقوق بقدر ما كانت في أن المنهج جعل المسألة من الوضوح والعدالة بحيث يصعب تفهم تلك الحالة من الانقلاب التي باتت تعيش عليها دول حوض النيل. وعندما ظهر أن الوضوح والعدالة غير كافيين لحسم القضية ووضعها في مسارها الذي يعطي المصالح لأهلها قفزنا فورا لمنهج آخر بدا مناقضا للمنهج الأول حيث الشرع والشرعية والقانون. هنا كان المنهج الاقتصادي, أو ما يعبر عنه بالمصالح الاقتصادية الذي بدا كما لو كان طريقا سريعا للخروج بسرعة من طريق مسدود مع دول حوض النيل, حيث يمكن إلقاء اللوم علي غياب التفاعل الاقتصادي مع الدول المعنية. وبسرعة كانت صفقة اللحوم مع إثيوبيا أو الصفقات المشابهة, التي بدا وكأن غيابها هو السبب في الحالة الجديدة التي دفعت زملاء وأشقاء النهر إلي أن يصروا علي قلب أوضاع مستقرة منذ زمن بعيد, أو كان وجودها يمكن أن يمنع وقوع ذلك. وجري المنطق علي أنه لو كان لدينا ما يكفي من الصفقات والمعونات والاهتمام بدول حوض النيل لما جري الذي جري, وكانت العلاقات يمكن أن تصبح سمنا علي عسل أو نوعا من السكر والزبد حسب ما يحصل عليه الجميع من فوائد وعوائد. لم يكن بعيدا عن هذه الحجج, والصفقات, منهج يجري في العلاقات الدولية يقول إنه كلما تكاثفت علاقات الاعتماد المتبادل بين الدول فإنه لا يصير من تقاليدها الصدام ونشوب الأزمات, وإنما يصبح طريقها إلي التعامل مع ما تختلف فيه هو التوافق والمفاوضات والصبر حتي التوصل إلي اتفاق. وبقدر ما كان اللوم موجها في المنهج التاريخي, والآخر القانوني, إلي الآخرين من دول حوض النيل, فإن المنهج الاقتصادي كان ممتلئا حتي آخره بتقريع الذات ونقدها, لأنها لم تقم بما كان واجبا القيام به وهو عقد الصفقات السخية مع الدول الشقيقة. والحقيقة أن المشكلة لم تكن قائمة بالنسبة لهذه المناهج ـ علي أهميتها البالغة ـ إلا في عدم كفاية أي منها لمناسبة مقتضي الحال الذي بات معقدا للغاية خاصة بعد اجتماعات متتالية في الإسكندرية وشرم الشيخ وعواصم دول إفريقية متعددة. ولذلك, وخوفا من عدم الاقتناع باكتمال المناهج بدا أن منهجا آخر يحل كل القضايا يمكنه أن يحل هذه القضية هي الأخري وهو إلقاء اللوم علي إسرائيل والولايات المتحدة أو دول خارجية غامضة وكفي. والنظرية هنا تقوم علي أن في مصر من القوة الحقيقية أو الكامنة ما يكفي لكي يثير الرعب في قلوب دول عظمي وكبري, بحيث إنها تريد إرباك وإشغال مصر بقضية حيوية بحيث لا تتفرغ لبناء قوتها التي يخشي منها. وهنا لا توجد حاجة لإثبات مدي ضلوع إسرائيل في تقليب دول النهر علي مصر لكي تضغط عليها وتمنعها من المساندة الكاملة للشعب الفلسطيني في استعادة حقوقه المشروعة. ومن المدهش أن كثرة ممن يتبنون وجهة النظر هذه ينتمون إلي مدرسة متكاملة تري أن مصر لا تفعل الكثير للقضية الفلسطينية من الأصل; ولكن, وعلي أي حال, متي كان المنطق مستقيما دائما في مصر المحروسة؟ لاحظ هنا أنه أيا كان المنطق المطروح تاريخيا أو قانونيا أو اقتصاديا أو خارجيا فإنه يوجد غياب كامل للطرف الآخر الذي لا يعود له تاريخ أو حجج قانونية أو حتي وجهة نظر في المصالح الاقتصادية المشتركة أو مدي علاقته بالدول الغربية أو الشرقية المختلفة. ولا كان معلوما أبدا كيف تطورت هذه الدول في التاريخ المعاصر من الناحية السياسية والاقتصادية والسكانية حتي باتت هويات تظهر أحيانا معادية للمنطق والحق, ولا يوجد من ناحيتها مبادرات اقتصادية تذكر أو تقييم للأوضاع الدولية والإقليمية يشكل تحالفاتها العالمية والإقليمية. وبصراحة يبدو العالم الذي وضع القانون الدولي الذي نتمسك به, وأعطي المنح والمعونات والقروض التي نتمني القيام بها, متهما مرة بالتواطؤ في مؤامرة من نوع ما, ومرة أخري بيده الحل لأن شرط عدم جواز تقديم الأموال ـ قروضا أو معونات ـ لمشروعات تقام علي نهر النيل, أو أي نهر آخر, يرتبط بإرادة وأموال هذه الدول. ووسط ذلك كله فإن أحدا لم يبادر لكي يقدم تقييما متكاملا لسياستنا الخارجية, ويبحث بشجاعة عن أسباب المفاجأة التي جاءت علي رؤوسنا فجأة, والتي محورها وجود حالة من عدم التوازن في سياستنا الخارجية لصالح المشرق العربي سرعان ما ظهرت آثارها علي مصالحنا الحيوية في الجنوب حيث وادي النيل كله, بل القارة الإفريقية كلها. ولم يكن ذلك لغياب في التحذير, بل كان لثقة مبالغ فيها بالقدرة علي الحركة بنفس الكفاءة علي محاور متعددة دون حساب لعلاقة القدرات الوطنية بالأهداف التي نسعي إلي تحقيقها; وفي أحيان كثيرة كانت لغة القوميين العرب, وكوارث المشرق التي لاتنتهي, كلها تضغط علي أجهزة صناعة السياسة الخارجية كلها إلي الدرجة التي تجد نفسها تدفع بمواردها المحدودة, وكفاءاتها السياسية في اتجاه المشرق. وبصراحة فإن الأمر كله يحتاج إلي إعادة تقييم ومراجعة لكل سياساتنا السابقة تجاه مجموعة دول حوض النيل وموقعها من مجمل سياستنا الخارجية, لأن الأخطار علي هذه الجبهة تبدأ من حدودنا الجنوبية مباشرة حيث مستقبل السودان, ومن بعده تمتد جبهة استراتيجية عريضة ممتدة من حدود تشاد غربا حتي مضيق باب المندب والبحر الأحمر والمحيط الهندي غربا, ومن الحدود المصرية السودانية حتي منابع النيل والبحيرات العظمي جنوبا. هذه المراجعة تحتاج أفضل العقول وأنضجها, سواء تلك التي تزخر بها أجهزة صنع السياسات الخارجية والأمن القومي, أو تلك التي توجد في مدرسة الري المصرية أو في مدارس أخري ذات صلة, ولا بأس في كل الأوقات من التشاور والبحث مع الحلفاء والأصدقاء لكي نعرف التقييم الحقيقي لما يثار ويطرح مع آخرين من خارجنا, لأن كثرة الصياح الداخلي كثيرا ما يعطي نتائج مضللة. فخلال الفترة الماضية جري تضليلنا مرتين: مرة بأن دول حوض النيل لا تستطيع توقيع اتفاق دون موافقة مصر, ومرة بأن الاتحاد الدولي لكرة القدم سوف يحكم لصالحنا في مسألة النزاع مع الجزائر حول ما جري في المباريات التمهيدية لكأس العالم. وفي المرتين لم تكن النتيجة مرضية, وجري توقيع اتفاق من نوع أو آخر في حالة النيل, وتم توقيع العقوبات علينا في حالة كرة القدم, وبات علينا أن نبحث الأمر ليس فقط مع الآخرين, ولكن مع أنفسنا قبل كل الأطراف الأخري لكي نعرف أسباب ما حدث. إن نقطة البداية ـ كما ذكرنا ـ أن نعرف عن الآخرين بعضا من المعلومات الضرورية, حيث لا توجد دراية كافية بشأن الأوضاع الداخلية للدول التسع المطلة علي حوض النيل والتي تشهد كلها بمجموعة من الخصائص التي لابد من وضعها في الاعتبار عند رسم إستراتيجية للتعامل ليس فقط مع قضية المياه, بل للنظر في شراكة كبري للتقدم والتنمية. فالمسألة هي أننا إزاء مجموعة من الدول الفقيرة للغاية, التي رغم فقرها الشديد فإنها تواجه زيادة سكانية كبيرة, حتي وصل العدد في أثيوبيا ـ أهم دول الحوض ومصدر85% من إجمالي المياه القادمة إلي مصر ـ إلي أكثر من85 مليون نسمة تضعها في المكانة الثانية ـ بعد نيجيريا ـ من حيث عدد السكان في القارة الأفريقية. وإذا أضفنا إلي ذلك التغيرات المناخية, والنزوح السكاني من مناطق الجفاف التي كانت تعتمد علي المطر إلي المناطق المروية لواجهنا إلحاحا علي فهم جديد للقضية يأخذ احتياجاتنا واحتياجات الآخرين في الحسبان. وباختصار هناك ضرورة أن تتبلور رؤية مصرية جديدة إزاء المسألة النيلية, بحيث تقوم علي ترسيخ أسس جديدة للعلاقات بين دولتي الممر والمصب( مصر والسودان) ودول المنبع, لا تنحصر في تقسيم المياه, بل تشمل مشروعات تنموية أخري من خلال زيادة حجم التجارة والاستثمارات المتبادلة, والحرص علي عدم تسييس مسألة المياه. بعبارة أخري يجب التأكيد علي عدم اختزال العلاقات مع دول الحوض في قضية تقسيم مياه النهر, أو تبني مبدأ المشاركة بدلا من الشراكة في التعامل مع هذه الدول, بشكل يقلص من الأهمية والزخم اللذين تحظي بهما العلاقات مع هذه الدول والتي يمكن أن تنتج تداعيات إيجابية عديدة علي المصالح الإستراتيجية والأمن القومي المصري. والواقع أن الحجة المصرية ضمن هذا الإطار سوف تكون أقوي مما كانت وهي تصاغ في إطار من المواجهة السياسية أو القانونية, أو في مجال المن والمنح والمنع حيث تشير التقديرات إلي أن حوالي1650 مليار متر مكعب من مياه الأمطار تسقط سنويا علي دول المنبع لا يصل لمصر منها إلا55.5 مليار متر مكعب فقط, وهي الحصة التاريخية التي تحصل عليها مصر منذ عام1959, ويزداد التمسك المصري بهذه الحصة مع وجود توقعات بأن مصر ربما تواجه شحا مائيا, حيث يعيش معظم سكان مصر علي مياه النيل. وفي هذا السياق, توقع تقرير صادر عن مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء في أغسطس2009, حدوث عجز في الموارد المائية المصرية بحلول عام2017, إذ من المرجح أن تصل إجمالي كمية الموارد المائية المتاحة إلي حوالي71.4 مليار متر مكعب مقابل الاحتياجات المائية التي يصل في العام نفسه إلي86.2 مليار متر مكعب. ورجح التقرير أن يتراجع متوسط نصيب الفرد في مصر من المياه خلال الأعوام المقبلة, حيث يصل إلي582 مترا مكعبا سنويا عام2025 مقابل860 مترا مكعبا سنويا عام2003 و1138 متر مكعب سنويا عام1986, ووفقا للتقرير, فإن نهر النيل يمد مصر بحوالي55.5 مليار متر مكعب بما يمثل حوالي86.7% من إجمالي الموارد المائية المتاحة في مصر عام2006, ومن المتوقع أن تنخفض مساهمته في إجمالي الموارد المائية المتجددة المتاحة في مصر إلي80.5% عام2017. وسوف تكون حجة مصر أقوي أمام دول حوض النيل, وأمام دول العالم إذا ما أضافت إلي احتياجاتها جهودا جادة من خلال الاستخدام الأفضل والأكثر رشادة لمياه النيل, والبحث عن مصادر جديدة للمياه سواء من خلال تكنولوجيا إعادة الاستخدام, أو تكنولوجيا تحلية المياه. ومثل هذه المهمة مطروحة علي مصر في كل الأحوال, وسواء نجحنا في إقناع دول الحوض بحقنا في الحصة المقررة لنا بحكم الاتفاقيات السابقة, أو حتي نجحنا في العمل المشترك معها من أجل زيادة حصص جميع دول الحوض من خلال مشروعات مائية مختلفة, أو فشلنا في هذا وذاك فإننا نحتاج إلي نظرة فاحصة إلي احتياجاتنا المائية تجمع ما بين إضافة موارد جديدة, والحفاظ علي الموارد القائمة والاستخدام الأفضل لها. فالثابت أن مصر سوف تظل في حالة من النمو السكاني لفترة طويلة مقبلة, كما أن احتياجاتها التنموية المتصاعدة للمياه علي ضوء السعي لتحقيق معدلات مرتفعة للنمو تقطع بأننا نحتاج إلي أكثر مما هو متاح حاليا, وهو الذي يجب أن نحافظ عليه ونضيف له أيضا. المسألة هكذا معقدة ومتشابكة الحدود والأطراف, بعضها يكمن داخلنا, وبعضها الآخر في علاقتنا مع دول حوض النيل, وبعضها الثالث يوجد مع دول العالم التي لها دخل في كل القضايا العالمية, فلا يوجد حل بسيط أو سهل, وفي مثل هذه الحالات المركبة لا ينفع مع الموضوع إلا التفكير الهادئ والمتأني والبعيد عن نوبات الحماس التي عندما تخرج عن الحد فإنها ـ كما يقال ـ تقود إلي الضد مما نريد ونرغب, مع يقين داخلي بأن لدينا خيارات مؤجلة ـ يجب ألا نشغل أنفسنا بها حاليا ـ في نهاية الأمر, مادامت المسألة تتعلق بأمننا القومي. وحتي نفلح فيما نحن بصدده فربما يحتاج الأمر إلي حشد للجهود تقوده لجنة رئاسية نافذة علي القدرات والموارد البشرية والمادية, فقد انتهي وقت التصريحات والتصورات الأكاديمية, وجاء وقت عمل الخبراء الذي نرجو ألا ينتظر طويلا!!.
| |
|