ا جرى مساء أمس فى إستاد القاهرة أثناء وبعد مباراة الأهلى والترجى نموذج جديد على أن الجمهور المتعصب أصبح يتزايد ويتوالد وأن الأغلبية للألتراس والبلطجية. فقد تصرف بعض أشقائنا التوانسة بشكل غاضب، واعتدوا بالضرب على جمهور الأهلى وعلى رجال الأمن. واندمجوا فى وصلة من التعصب كادت تنتهى بكارثة أكبر، كل ما جرى أن مباراة انتهت بفوز الأهلى بهدفين لواحد، وهى نتيجة يفترض أن تسعد الترجى الذى ينتظر مباراة العودة على أرضه. وفى الوقت نفسه نتيجة غير مرضية لجمهور الأهلى.
لكن بعض جماهير الترجى عقب المباراة أنهم هاجموا الجنود والضباط المصريين وحطموا جزءا من الإستاد وخرج بعضهم إلى الشوارع للاعتداء على السيارات وتحطيمها، والحقيقة فقد تصرف الأمن المصرى بشكل خفف كثيرا من كارثة كادت تقع ومجزرة كان يصعب تصورها، وبخبرة اللواء إسماعيل الشاعر مدير أمن القاهرة تم حصار التراس الأهلى ولولا هذا لوقعت مجزرة.
الجمهور التونسى كان غاضبا، لكن عدد منه هو الذى حطم وشارك فى الضرب، وهؤلاء هم "الألتراس" أو متعصبو الكرة والذين يشكلون ظاهرة ليس فى تونس فقط لكن فى الجزائر وفى مصر وفى أوروبا، ومنذ أيام رأينا كيف اشتبك ألتراس الأهلى والزمالك بسبب مباراة فى اليد، وكيف حطمت جماهير الزمالك سيارات وواجهات النادى الأهلى، وانطلق بعضهم إلى جامعة الدول العربية، ليواصلوا التحطيم والتكسير وأصابوا المواطنين بالرعب.
ومازالت مصر والجزائر رهنا لتعصب الألتراس فى البلدين ممن دمروا العلاقة بين الشعبين، وتحولت المباريات إلى معارك يسقط فيها القتلى. الألتراس المتعصب لا يتعامل مع المباراة على أنها مجرد لعب ومنافسة يفترض أن تنتهى بعد صفارة الحكم، لكن يطلب فوز فريقه ويعترض إذا لم يحدث ذلك.
والتعصب للكرة موجود فى كل دول العالم، وكان جمهور الكرة البريطانى هو أكثر جمهور يظهر تعصبه ويحطم ويحرق فى حالة عدم رضاه عن نتائج مباريات فرقه، وقد جرت محاكمات متعددة لجماهير الكرة فى بريطانيا بسبب مباريات محلية أو فى أوروبا لمباريات أوروبية، لكن لم تتحول المباريات إلى حروب شعبية وإعلامية تنتهى بقطيعة.
لكن ظاهرة التراس انتشرت وتوسعت، وفى عالمنا العربى كان التعصب موجودا بين الأهلى الزمالك، لكن الأمر اتسع ليتحول إلى ظاهرة فى الدول العربية، وكان التعصب ظاهرا بدرجة بين الجمهور المصرى والتونسى ثم المصرى والجزائرى والذى تطور إلى عراك وحرب يشارك فيها الإعلام بنصيب، وعن جهل فى بعض الأحيان. يحولون مباراة لعب إلى معارك فى الكرامة، مع أن أغلبهم يعجز عن مواجهة إهانات وضغوط يومية، ويفرغ كبته فى صراع أو تدمير. فالجمهور المتعصب فى كل من مصر وتونس والجزائر يعانى من تسلط ومن فقر ومشكلات اقتصادية وانسداد سياسى متشابه يعجز عن مواجهة، فيبدو أنه يحول هذا الغضب إلى طاقة عنف وتدمير.
وقد رأينا كيف تتحول مباريات بين الأهلى والإسماعيلى إلى مباراة فى الحرق والتدمير أو بين الأهلى والزمالك، وما تزال حوادث الألتراس ماثلة بما يعنى أن التعصب لا يرتبط بجمهور الأهلى والترجى أو الجزائر ومصر، لكنه حالة أصبحت تتصاعد وتهدد بما هو أخطر، والتعصب لم يعد فى الكرة فقط، لكنه يظهر فى علاقات الناس فى الشارع وفى الصراعات العرقية والمذهبية التى تقوم على سوء الفهم والشحن الخالى من العقل.
وحسنا فعلت السفارة التونسية فى القاهرة التى انتقدت تصرفات مشاغبى الترجى، الذين ليسوا هم الشعب التونسى، لكنهم من متعصبى الكرة الذين يمارسون التعصب كهواية، ويعتبرون الحرب هدفا للتشجيع.
واعتبرت السفارة الـ11 شخصا الذين تم إلقاء القبض عليهم بسبب أعمال الشغب فى مباراة الأهلى والترجى التونسي.. يستحقون تطبيق القانون. وحرصت السفارة التونسية على التأكيد أنه يوجد على المستوى العالمى "ألتراس" يسىء للكرة بشكل عام، موضحاً أن هذه الحفنة الصغيرة من التونسيين أساءت إلى الكرة التونسية وإلى ناديهم "الترجى".
حسنا فعلت السفارة التونسية التى لم تدافع عن عدوان بعض المتعصبين. وهو تصرف عاقل يكشف عن وعى الأشقاء فى تونس بأن الأمر كله مباراة لا يجب أن تتحول إلى حرب، ولم تفعل مثل أطراف فى مصر والجزائر تربحت من الأزمة أشعلتها لتحقيق مكاسب ضيقة.
ونتمنى أن يتوقف زعماء الشحن عن إطلاق التصريحات التافهة التى تحيل المباريات إلى حروب بلا داعى. وهؤلاء هم من يشعلون النار ويستدفئون عليها. وهؤلاء لا يعجبهم العقل ويفضون التعصب