احمد شعلان
عدد الرسائل : 17047 الموقع : جريدة الامة تاريخ التسجيل : 24/09/2008
| موضوع: الزواج المختلط في لبنان- زواج مكلف وتشوبه المعوقات الجمعة 12 نوفمبر 2010 - 1:10 | |
| الزواج بين المسيحيين والمسلمين ليس الزواج الوحيد الذي يلاقي اعتراضا من قبل الكثير من الأسر اللبنانية، بل أيضاً بين المسلمين السنة والشيعة أيضاً. لا تعرف تشريعات لبنان الزواج المدني الذي ُيعقد عادةً في مكتب الأحوال الشخصية بين الجنسين،بغض النظر عن طائفة أو مذهب أحدهما. فالزواج والطلاق والإرث كلها مسائل من اختصاص المحاكم الدينية لكل طائفة فقط. وعادةً ما يكون ثمة توقع في أن يعتنق أحد الشريكين طائفة الآخر أو دينه. وتتم حفلات الزفاف التقليدية في لبنان في العادة بين شريكَي حياة من ذات الطائفة أو المذهب، فالسنة يتزوجون من السنة، والشيعة من الشيعة، والدروز من الدروز، والمسيحيون من المسيحيين. الزواج بين شريكي حياة من طائفتين مختلفين من الطوائف الــ 18 الموجودة في لبنان أمر لا يمكن تصوره بالنسبة لمعظم الأسر اللبنانية، بل إنه "وصمة عار"، كما يقول اللبناني علي خليفة: "لقد كانت مشكلتي الأولى في أسرتي التي لم تتقبل زواجي بفتاة من طائفة أخرى".ويحكي علي خليفة قصة زواجه وهو جالس في إحدى القاعات الأنيقة والعصرية لمقهى فاخر في قلب العاصمة بيروت. إلا أنه لا يبدو أن المجتمع اللبناني قد وصل إلى المستوى ذاته من العصرية فيما يتعلق الزواج المختلط بين الطوائف و المذاهب. فعلي خليفة، الذي يُدرس الرياضيات والحقوق المدنية في مدرسة خاصة، ينتمي إلى المذهب الشيعي، وهو غير ممارس لمعتقدات هذا المذهب كما أنه متزوج منذ ستة أشهر من لبنانية سنية. ويرى علي خليفة أن عمق الفجوة الاجتماعية في لبنان بين هاذين المذهبين الإسلاميين كبير تماماً، كعمق الفجوة الاجتماعية بين الدين المسيحي والإسلامي في هذا البلد. وكما يقول فإن زواجه هذا سبب له ولزوجته الكثير من المشاكل حتى أن أسرتيهما كادتا ترفضان المشاركة في عرسهما. زواج مدني على الطريقة اللبنانية وللخروج من هذه الفجوة الاجتماعية على وجد اللبنانيون حلا، وتوضح ميشلين خوري، موظفة في إحدى وكالات السفر في بيروت، أن "اللبنانيين الذين لا يستطيعون أو لا يرغبون في الزواج عن طريق المحاكم الطائفية يسافرون إلى قبرص أو إلى اليونان مع تسهيلات وخدمات فيما يتعلق بالأوراق اللازمة للسفر وللإقامة في الفنادق". وبحسب المحامي باسل عبد الله، أحد المدافعين عن الزواج المدني في لبنان، فإن أغلب هؤلاء العرسان يحجزون رحلاتهم ليس إلى قبرص واليونان فحسب، بل أيضاً إلى بلدان كتركيا وأوكرانيا وروسيا، ثم يعودون إلى لبنان وبحوزتهم أوراق زواجهم. وتقول ميشلين خوري: "العرسان يستفيدون حتى من الشبكة الاجتماعية على الانترنت فيس بوك أثناء سفرهما"، مشيرة إلى صفحتها على الفيس بوك وتقول: "لقد وصلني هذا البريد الإلكتروني من إحدى العرائس"، وتظهر في الصور جولات هذه العروس في شهر عسلها مع عريسها في أرخبيل جزر سانتوري اليونانية وغيرها من الصور، كصور أنواع الأطعمة المتوفرة هناك وكل ما له علاقة بالاحتفال بالزواج. القانون اللبناني لا يعترف بالزواج المدني إلا في الخارج كما أن هناك مسئولين عن "السياحة الزوجية" في جزيرة قبرص، التي تستغرق الرحلة إليها من بيروت نصف ساعة فقط بالطائرة، يتم تعيينهم لتسهيل إجراءات هذا النوع من الزيجات. وفور إتمام اللبنانيين لزيجاتهم في قبرص أو في أي بلد آخر في الخارج فإن السلطات اللبنانية تعترف بهذه الزيجات فوراً دون أي اعتراض، رغم أن الأمر يتطلب بعض الإجراءات الإدارية البيروقراطية. ويقول علي خليفة: "يسري مفعول عقد الزواج في قبرص فور صدور رسالة تأكيدية من السفارة اللبنانية في قبرص وتوجيهها إلى وزارة الخارجية، والتي توجهها إلى وزارة الداخلية وبالتالي يتم تسجيل الزواج رسمياً". زواج مكلف تصاحبه ضغوط نفسيه ويقول علي خليفة إنها فعلاً مفارقة، فالبرغم من أن حدث الزواج سعيد إلا أن هذه الإجراءات عادةً ما تثير سخط العديد من اللبنانيين المتزوجين بهذه الطريقة، لأنها طريقة مكلفة ومعقدة كما أنها غالباً ما تكون أقل رومانسية من الزواج داخل البلد، فضلاً عن أنه ليس من الجميل ألا يكون الأهل والأصدقاء متواجدين أثناء عقد القران. ولا تزال "حركة المجتمع المدني" اللبنانية تكافح من أجل إقرار قانون مدني لا يجعل عقد القران في أيدي القساوسة والشيوخ فحسب. غير أن قوة الأديان في لبنان، المتعدد الطوائف، لا تزال هي المسيطرة. وترى "حركة المجتمع المدني" أن رفض الزيجات بين الأديان أو الطوائف المختلفة وعدم السماح بعقد القران داخل البلد يعتبر تعديا على الحقوق الأساسية للإنسان. و يقول المحامي باسل عبد الله ،الذي يكافح منذ سنوات لإقرار الزواج المدني: " هناك عقبات صعبة، فنحن نعيش في مجتمع يلعب فيه الأهل والعشيرة دوراً مهيمناً، ويبقى الدين فوق الجميع. فمن يشذ عن خط أهله، من خلال رغبته في الزواج من شخص يعتنق اعتقاداً دينياً آخر، فإنه تلحق به كثير من المتاعب، وقد يصل الأمر إلى يتبرأ منه أهله". وما يعقب ذلك هو شعور الأهل بالصدمة، ودخول شريكَي الحياة في عزلة اجتماعية ودائرة من الضغوطات النفسية على أيدي أفراد العائلة، لا يقدر على تحملها الكثير منهم إلا بشق الأنفس. كما أن حالات الانتحار الناتجه عن ذلك ليست بالنادرة.ولن يتمتع علي خليفة، المتزوج منذ فترة وجيزة، بجميع حقوقه المدنية كمتزوج مدنياً إلا بعد أن أن يتم سن قانون يساوي الزواج المدني بالزواج الديني. أمل وتشكك لقد تمكن علي خليفة، وأصدقاؤه من "حركة المجتمع المدني"، من لفت انتباه الرأي العام من خلال المظاهرات والاحتجاجات التي قاموا بها أمام البرلمان إلى هذه المشكلة الاجتماعية. ويأمل المحامي باسل عبدالله أن يكون ذلك قد حفز نواب البرلمان للبدء في مناقشة تشريعات قانونية جديدة، قد تتخذ قبل نهاية السنة الجارية. ويقول موضحاً أهداف "حركة المجتمع المدني": "إن حركتنا تكافح من أجل تعزيز الحقوق المدنية في لبنان، ومن أهمها تسهيل الزواج غير الديني وذلك بموجب القانون. فهناك عدة لجان لدينا تعمل في هذا الموضوع، وقد بدأنا بتنظيم حملات وورش عمل، وقمنا بتوزيع الاستبيانات في الجامعات لمعرفة رأي الطلاب في الزواج المدني، وسنقدم نتائجنا في آخر السنة".
وحتى الآن باءت كل محاولات إقرار الزواج المدني بالفشل، والتي قدمت إلى رجال الدين والسياسيين مثل رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري، والذين اعتبروا أن لبنان غير ناضج بعد لذلك. ويشك القس الألماني يوناس فايس لانغه، راعي الجماعة الإنجيلية الألمانية في بيروت، في أن يحدث أي تقدم على هذا الصعيد. ويقول القس الألماني الذي يصف نفسه بأنه على دارية بمشكلات الزيجات المختلطة بين الطوائف وذلك من خلال تجاربه اليومية: "قصة حب بين درزي ومسيحية؟ من المستحيل أن تتوج بالزواج. فالأهل يقولون: لا، بكل بساطة. والطريقة الوحيدة هو سن قانون للزواج المدني حيث تكون الحقوق الشخصية مكفولة بقانون الدولة، وليس من قبل الطوائف المختلفة. إلا أنني أشك في أن هذا سيتحقق في يوم من الأيام". وبذلك تبقى الخدمات التي تقدمها وكالات السفر، لتسهيل سفر العرسان الراغبين في الزواج المدني خارج لبنان، عملاً مربحاً، قد يستمر طويلاً.
| |
|