مصائب قوم عند قوم فوائد» ربما يشرح هذا المثل الشعبى بعض تداعيات الأزمة المالية العالمية، التى راحت تؤثر على اقتصاديات معظم دول العالم، النامية منها والمتقدمة، إلا أنه يعتبر التجسيد الواضح لتأثير هذه الأزمة على عنصر أساسى من مكونات الاقتصاد المصرى، وهو السياحة.
هذا التأثير بدأ بالفعل فى الظهور وبشكل تدريجى مما جعل عددا من خبراء السياحة يتوقعون وصوله إلى ذروته فى غضون أسبوعين على الأكثر، لذا فزيارة واحدة إلى منتجعات وفنادق أكثر مناطق الجذب السياحى فى سيناء كفيلة بأن تجعل المشهد أكثر وضوحا.
حيث أجبرت الأزمة مسؤولى الفنادق إلى تخفيض الأسعار، وبالتالى إتاحة الفرصة أمام قطاع من المصريين لزيارة هذه المنطقة التى طالما اعتبروها حلماً بعيد المنال.
هنا شرم الشيخ، وبالتحديد خليج نعمة، منذ بدأت إجازة نصف العام وحتى هذه اللحظة بدت وكأنها إحدى ضواحى القاهرة، باستثناء سلسلة الجبال التى تصاحبك طوال رحلتك منذ خروجك من نفق الشهيد أحمد حمدى، وحتى وصولك إلى المكان المنشود، أو تلك الأرضية التى تتباين بين الأصفر والأزرق والأخضر، إذا ما قررت الذهاب بالطائرة.. عدا كل ذلك، فلن تجد سوى وجوه مصرية ممزوجة مع قلة من الجاليات العربية والأجنبية تملأ الطرقات والأسواق ليلاً، وتتراص أمام البحر وحمامات السباحة بقية أوقات النهار.
«كل شىء تبدل بعد الأزمة المالية العالمية التى عصفت بالأخضر واليابس، الأسعار هنا انخفضت إلى النصف، ونسبة إشغال الغرف فى الفنادق التى تقدم خدمة ٥ أو ٤ نجوم باتت ضعيفة».. هذه هى وجهة نظر هادى المندوه، مدير أحد الفنادق بخليج نعمة، والذى وصلت نسبة إشغال الأجانب فى فندقه إلى ٩%، فى حين يشغل المصريون حوالى ٥٠%،
وهو ما اضطره لخفض قيمة الغرفة من ٥٠٠ جنيه لليلة شاملة وجبتى الفطور والعشاء للمصريين إلى ٣٥٠ جنيها، وللأجانب من ١٥٠ دولاراً إلى ١٠٠ دولار، حتى أنه لجأ إلى تسريح بعض العمالة لديه الأقل خبرة أو الأحدث فى التعيين لتوفير النفقات، أما الفنادق التى تقدم خدمة ٣ نجوم، فقد وصل سعر الغرفة فيها إلى١٥٠ جنيهاً فى الليلة الواحدة.
فى الوقت نفسه أكد محمد عبدالعزيز، مدير شركة ترافل لاين للسياحة، أن إشغال أغلب الفنادق فى شرم الشيخ أصبح لا يتجاوز ٤٠% شاملا الأجانب والمصريين، وأن نسبة تسريح العمالة تجاوزت ٢٥%، مشيرا إلى أن تبعات هذه الأزمة سوف تتأكد خلال شهر مايو القادم لتظهر هل سيكون هذا الموسم السياحى «أسودا» أم أقل إحباطا مما هو متوقع، خاصة أن الأسعار السياحية عند المنافسين الأساسيين وهما إسبانيا وتركيا لم تتراجع بنفس القدر الذى تراجعت به فى مصر، وهو ما يعطى بصيصاً من الأمل فى تحسن محتمل فى مستهل موسم الصيف.
وقال عبدالعزيز إنه قرر خلال الفترة الماضية تقليص هامش الربح فى شركته إلى ١٥%، ويسعى إلى زيادته ليصل إلى ٢٠% خلال الأسبوع القادم وانقضاء إجازة نصف العام .
أما عن آثار الأزمة المالية العالمية على عمله، فذكر أنها اضطرته إلى تغيير ربط أسعاره من الجنيه الإسترلينى الذى تراجع بقيمة ٣ جنيهات مصرية مؤخرًا، إلى الجنيه المصرى لأنه هو الأكثر ثباتا حاليا والأقل فى نسبة الخسارة.
فى حين يقول أحمد صلاح، «شيف» فى أحد مطاعم الهضبة، إن الخدمة التى يقدمونها حاليا اختلفت عن نفس التوقيت من العام السابق، إذ إن الفترة ما بين شهرى أكتوبر وأبريل من العام تعتبر موسم جذب سياحى للأوربيين والروس، لأن شرم الشيخ تتحول إلى «مشتى» دافىء يهرب إليه السياح من برودة الشتاء فى بلدانهم.
ويستطرد أن ما حدث هذا العام غريب جدا.. فنسبة الأجانب فى فندقه ذى الأربع نجوم لم تصل حتى إلى النسبة نفسها بعد التفجيرات الإرهابية التى شهدتها المنطقة فى أكتوبر ٢٠٠٤، والسبب كما يراه هو الأزمة المالية، خاصة أن نوعية السائحين الذين يقصدون مصر هى من الفئة المتوسطة، مشيرا إلى أن تغيير نوع الـ«guest» يؤثر بشكل كبير على العمالة فى الفندق وفى كل أشكال السياحة.
وتابع: الـ«tips» أو البقشيش يمثل نسبة ٦٠% من رواتبنا، فنحن نحصل على نسبة ١% من نسبة الإشغال، إضافة إلى البقشيش، والآن نسبة الإشغال وصلت إلى أقل مستوياتها، علاوة على أن المصريين لا يدفعون البقشيش مثل الأجانب، لأن هذا جزء من ثقافتهم وعند المصريين «إكرامية»، وبالتالى نشعر نحن بالفجوة فى رواتبنا عندما يتحول الزبون من أجنبى إلى مصرى.
محمد جمال، شاب فى بداية الثلاثين، لكنه يعد أقدم رسام فى شرم الشيخ، انتقل هو وأخوه بين ساحات الفنادق ليقدما أعمالهما الفنية التى تلقى رواجا وشهرة كبيرة بين الأجانب، يبدأ عمله فى الثامنة مساء وحتى الساعات الأولى من الصباح، فهو يفضل أن يلتقط صورا للوجه الذى يقرر أن يرسمه مع لحظات شروق الشمس ليسهر على رسمها ليلا، امتنع منذ سنوات عن رسم العرب، بعد ما لمسه منهم من تحكم وتعاملهم معه بأسلوب يرفضه كلية، واقتصر تعامله فقط مع الأجانب،
لذا فتستطيع أن تتعرف على حالة الكساد السياحى من خلال البورتريهات التى راح يرسمها منذ فترة، فكما يقول إن الجميع يترقب بشدة الفترة القادمة خاصة بعد انتهاء إجازة نصف العام وعودة المصريين إلى مدنهم، فهم الآن بمثابة ورقة التوت التى تستر عورة السياحة فى سيناء، أو العكاز الذى تستند عليه، فلا هو يمنعها من الوقوع ولا يمكنها من الحركة بشكل سليم، فأصحاب الفنادق التى كانت تجبر المصرى الذى يرغب فى الإقامة وسط الاجانب