تتواصل جلسات الحوار الفلسطيني في العاصمة المصرية القاهرة , والجميع ينتظر الأخبار السارة من هناك , على أمل أن يتم تجاوز محنة الانقسام وإنهائه, بما يعزز وحدة الشعب الفلسطيني الذي لازال يخضع لأبشع احتلال عنصري في التاريخ المعاصر. إلا أن العقبة الأساس في الواقع الفلسطيني , وكما كشفت عنه تطورات الأحداث أن الساحة الفلسطينية لم تلتزم ببرنامج وطني واحد , وجامع لكل الأطراف من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار بالشكل الذي يرعي فيه فسيفساء المشهد الفلسطيني , ويخلق حالة من الانسجام والقبول بين فصائل وتنظيمات الوطن والشعب الواحد , الذي لازال يرزح تحت نير المحتل الصهيوني وطريق التحرر طويلة وتحتاج إلى جهد الجميع بلا استثناء. لقد وقع الانقسام الفلسطيني والانقلاب على الواقع الوطني , منذ توقيع اتفاقيات أوسلو وهذا ما صدح به الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي د. رمضان شلح حينما قال بتاريخ 23/1/2008 في وقائع الجلسة الافتتاحية للمؤتمر الوطني الفلسطيني للحفاظ على الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني , أن أوسلو أول انقلاب في تاريخ القضية الفلسطينية فالواقع الفلسطيني يضم العديد من الأيدلوجيات والأفكار المختلفة , وغير محكوم عليها التناقض والاختلاف فهناك الكثير من القواسم المشتركة التي يجب تعزيزها , بالشكل الذي يخدم القضية والشعب , إلا إن الأمور اتجهت بشكل دراماتيكي نحو الانفراد بالساحة الفلسطينية وقيادة السلطة والعملية السياسية , وما صاحب ذلك من قمع قوي المقاومة الفلسطينية في الداخل واستمر هذا الوضع حتى جاء الإعلان الرسمي عن موت عملية التسوية , بعد مباحثات كامبد ديفيد صيف 2000 والتي رفض فيها الرئيس الراحل ياسر عرفات توقيع اتفاقية إنهاء الصراع مع الكيان الصهيوني , وهنا جاء رد الاعتبار لتيار المقاومة والذي كان جاهز ومتأهب لهذه اللحظة ولم يفوتها واشتعلت الانتفاضة بوتيرة عالية وبرزت تنظيمات المقاومة سيدة الموقف والحدث على المستوي السياسي والعسكري , وفى نفس الوقت استمر تيار التسوية حتى بعد حصار واستشهاد الرئيس عرفات في نفس الخط التفاوضي والذي لم يحرز تقدما وأصبحت اللقاءات عبثية وطغي عليها جانب العلاقات الشخصية. كان من الطبيعي أن يصطدم تيار المقاومة والذي أحرز تقدما سياسيا بارزا بفوز حركة حماس بغالبية ساحقة في الانتخابات التشريعية , وبين تيار التسوية الذي يعيش مأزقا حقيقيا وهو يلاحق وعود الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش , واستفادت أطراف دولية خاصة أمريكا ومعها الكيان الصهيوني من حالة العداء التاريخي بين التيارين , لتعزيز حالة الرفض لتسيد تيار المقاومة للمشهد السياسي الفلسطيني , وقامت بتغذية الخلاف عبر أساليب شيطانية لاقت رضاء وقبولا لذا بعض أطراف التيار الأخر , ونشبت فتنة الاقتتال الداخلي وحدث الانقسام وانتعش للحظات تيار التسوية وشكل حكومة جديدة , وفتحت قنوات التمويل والدعم المالي والسياسي وانفصل المشهد السياسي في الضفة عن غزة , ولقد حسم تيار التسوية أموره وشرع في تطبيق خارطة الطريق بإشراف الجنرال دايتون , وتوالت اللقاءات التفاوضية التي وصلت إلى أكثر من خمسين لقاء بين وزير الخارجية الصهيوني تسفي ليفني والسيد أبو العلاء قريع , بالإضافة إلى اللقاءات الدورية بين السيد أبو مازن ورئيس الحكومة الصهيوني , ونالت حكومة فياض الاعتراف الدولي والعربي وتم عقد مؤتمرين دوليين هامين مؤتمر أنابوليس ومؤتمر باريس لدعمها , إلا أن كل ذلك لم يحقق اختراق على المستوي السياسي واستمرت المفاوضات دون نتائج , وانتهت ولاية بوش دون دولة وأنتج المجتمع الصهيوني حكومة متطرفين , أدخلت تيار التسوية وخلفه النظام العربي الرسمي في حالة عدم الاتزان السياسي. في المشهد الأخر ازداد الحصار على غزة وقطع الغاز والسولار والبنزين , ومنع الدواء وقتل المرضى في مشهد إعدام ميداني , لا دواء ولا علاج في خارج غزة وارتفعت وتيرة الاعتداءات الصهيونية , من خلال التوغلات وارتكاب المجازر في محرقة جباليا مارس 2008 إلا أن حكومة غزة صدمت وصبرت وعملت تحت ظروف قاسية وفرت الأمن , واستطاعة تحصيل رواتب موظفيها ومن قطعت حكومة فياض رواتبهم , واستمر التضيق عليها بالمزيد فمنع موسم الحج , وعمت الإضرابات قطاعات هامة خاصة الصحة والتعليم بأوامر من حكومة فياض والنقابات التابعة لها , بضغط حاجة الموظف للراتب إلا أن الحكومة الفلسطينية بغزة استطاعت العمل وتجاوزت كل هذه المراحل الصعبة , وعززت من صمودها بفعل التأيد الشعبي الذي تحظى به . إلي أن جاء المشهد الأخير والذي لازال ماثل في الأذهان , حرب همجية شنها الجيش الصهيوني على قطاع غزة "الشعب والمقاومة والحكومة" وقدمت الحكومة الفلسطينية في هذه المعركة كل ما تملك في مواجهة هذا العدوان , وكانت بحق حكومة مقاومة تضع كل إمكانياتها وتضحي بكل مؤسساتها المهمة بل يتقدم وزرائها صفوف المجاهدين ويزاحم الشهداء ليصنعوا نموذج لم نعهده من قبل , في حكومة تدعم المقاومة سياسيا وإعلاميا وعسكريا , وانتصرت غزة بشعبها ومقاومتها وحكومتها رغم التضحيات الجسام وازدادت جماهيرية تيار المقاومة , في الضفة الفلسطينية والشتات والعواصم العربية والمدن العالمية التي خرجت تهتف لمقاومة وشعب غزة الصابر الصامد . لقد جاء الفرز لصالح المقاومة حتميا وناتج طبيعي لكل هذه الأحداث , وكان طبيعيا أن يتمدد وينتشر تيار المقاومة بفعل صمود جماهيره , وفشل تيار التسوية العقيمة أمام عدو متجبر ومتسلط إلا أن هذا الفرز لن يخلف حالة تصادمية , لأن الجماهير الفلسطينية بمجملها مع خيار المقاومة وأن الفصائل الحقيقة , بالحضور الدائم في ساحات الفعل المقاوم وتسجل ذلك بالدماء والأشلاء , هي طليعة هذه الجماهير التي تطمح بالوحدة على أساس التمسك بالحقوق والثوابت وبالمقاومة كجامع أساس بين الفصائل الفلسطينية. حركة فتح ورغم ما يشوبها من دعم لتيار التسوية إلا أنه لا يمكن أن ننسي دورها في المقاومة , وهنا يقع الواجب على القيادات الفتحاوية باستعادة المبادرة والالتزام ببرنامج المقاومة , والتخلي عن طريق التيه التي هوت بحركة فتح إلى وضع لا تحسد عليه , ولما كانت الفصائل الفلسطينية مجمعة على حق الشعب الفلسطيني بالمقاومة والتمسك بالحقوق والثوابت , فلماذا لا يكون الجامع لنا خيار المقاومة سياسيا وعسكريا , فالحكومة التي تجمعنا ذات برنامج مقاومة والأجهزة الأمنية تساند المقاومة , والمنظمة تنطق باسم المجاهدين والمقاتلين وتضمهم في مشروع تحرري , وشعبنا حاضر لاحتضان المقاومة والتضحية , وهنا يمكن أن نواجه عدونا موحدين ونكسر حصارنا مجتمعين , بعد سقوط وعود السلام الزائف وتهرب الإدارة الأمريكية من التزاماتها وتطرف المجتمع الصهيوني , فأن المقاومة هي كلمة السر للمرحلة القادمة.