نقل العرب بشكل تدريجي العلوم والتقنيات الحديثة إلى شبه الجزيرة الايبرية. فبتوسع الإمبراطورية الإسلامية، شرقاً وغرباً، وشمالاً وجنوباً، أسس لعلاقات تجارية نشيطة بين الإمبراطوريةالإسلامية والشرق الأقصى ـ الهند والصين ـ مما أدى إلى تطور الحضارة العربية الإسلامية. وكانت الأندلس قد حافظت على علاقات مميزة ودائمة مع العالم العربي الإسلامي، حيث استفادت من التقدم التقني على مختلف الأصعدة وفي كل المجالات الذي ادخله الخلفاء العباسيين إلى إمبراطوريتهم.
الاختراعات وتطوير وسائل الري
أدخل العرب المسلمون الري بالتنقيط إلى الأندلس للتغلب على شح المياه
ارض الأندلس، هي من الأراضي الخصبة، ولكن بالمقابل هناك مساحات شاسعة من الأراضي الجافة التي يصعب زراعتها، إلا أن العقل العربي الإسلامي، والأسبان المسلمين الخبراء والمهرة في الزراعة، ابتدعوا أنظمة ري مكنتهم من استغلال هذه الأراضي الجافة بواسطة حفر الآبار ونقل المياه إليها بواسطة القناطر والنواعير والترع والسواقي المتعددة الإشكال. فقد تمكن العرب إدخال وإصلاح وتطوير نظام الري الروماني حيث ادخلوا الكثير من التقنيات عليها، كما أدخلوا المحاريث التي تجرها البغال والثيران، وبنوا القناطر لجر المياه من المناطق البعيدة إلى الحقول المنوي زراعتها.
وفي القرن العاشر، اكتشف العرب اختراعاً حول أراض شاسعة جافة إلى أراض مروية خصبة وغنية: وذلك باستخدامهم للمياه الجوفية، عندما يحدد المزارع وجود تيار من المياه الجوفية يقوم بحفر الآبار ويجرها بواسطة القنوات الجوفية (وهي ما يطلق عليه في اليمن وعمان اليوم بالا فلاج) حتى تصل إلى المناطق الزراعية التي تكون مناطقها منخفضة عن مستوى المياه التي تتدفق بفعل وزنها وقوتها وبفعل الجاذبية.
ولتوفير المياه ومعالجة شح المياه، فقد استنبط العرب أسلوب الري بالتنقيط، حيث كان يتم وضع جرار مثقوبة إلى جانب ساق الشجرة، ليتم ملأها بالمياه، كلما فرغت منه، وبهذه الطريقة وفر العرب نحو 70% من هدر المياه.
وبهدف استغلال مياه الأنهار قام العرب ببناء النواعير (وهي عبارة عن عجلات ضخمة تدفع بواسطة شلال من المياه المتدفقة من الأنهار وفوقها توضع الجرار لتمتلىء بالمياه ومن ثم تفرغها في القنوات المائية المبنية فوق القناطر. وكذلك كانوا يستخرجون المياه بواسطة النواعير الصغيرة التي تحركها البغال أو الحمير أو الثيران، وبواسطة رافعات مثبت عليها أكواب أو جرار فخارية وكل جرة معاكس للأخرى ويتم تجميع هذه المياه في البرك وخزانات المياه ليتم توزيعها في القنوات والترع والسواقي (acequis). وهناك اختراع آخر هام في مجال الري، وهو حفر الآبار الارتوازية، فحسب ميلان الأرض كان المزارع يحفر بئراً أكثر أو اقل عمقاً، وكانت المياه تصعد إلى السطح لوحدها.
وبهدف جر المياه إلى المدن والمنازل الصالحة للشرب فقد استخدم الأسبان المسلمون القناطر الرومانية الموجودة، كما أقاموا ببناء قناطر جديدة بالطوب الناري، وتم طليها بالقار والدهان الأحمر، حتى لا تنفذ المياه وتتماسك، وكانت توصل هذه القناطر الى المدن، ومن ثم تخزن في أحواض أو خزانات مائية كبيرة وفي الآبار الخاصة في المنطقة الأعلى من المدينة وبثقلها وبالجاذبية تنحدر بواسطة مواسير فخارية وخزفية جوفية، وكانت مدينة قرطبة وحدها تحظى بنحو (600) مصدر مائي عام. حيث تقوم النسوة بنقل المياه بواسطة الجرار إلى المنازل.
وبفضل التكنولوجيا الحديثة التي ادخلها العرب، تمكن المزارعون الأسبان المسلمون من يستجلبوا أصناف زراعية جديدة من الخارج، وأن يوطنوا العديد منها مثل: زراعة الأرز، وقصب السكر، والحمضيات، وشجر التوت لتربية دودة القز، وصناعة الحرير، والزعفران، والنخيل. وتوسعوا في زراعة القمح. ونتيجة لاستخدام الطاقة المولدة من المياه التي ابتدعها العرب، فقد تمكن الأسبان المسلمون من طحن الدقيق في المطاحن المائية التي أقيمت على ضفاف الأنهار، إضافة إلى اختراعهم للمطاحن المتحركة والتي تركب على أحواض المياه وتنقل بسهولة من مكان إلى آخر بواسطة الدولايب، حيثما يوجد تيار مائي.
بالرغم من تعلم العرب لمعارفهم الهيدرولكية من كتب الإغريق، وبخاصة ARQUIMEDESK, HERÓN DE ALEJANDRÍA إلا أنهم استطاعوا تطبيقها في العديد من المجالات، كما هو الحال في الساعة المائية، حيث ما زالت الساعة الموجودة في مدينة طليطلة الأسبانية ماثلة للعيان وتحكي قصة التقدم التقني العربي الإسلامي. وهذه الساعة مبنية على حوضين من الرخام والمرمر يدخل الماء بينهما لوحده حسب أوجه الشهور القمرية العربية.
وهناك اختراع فذ من تطبيق القوة الهيدرولكية، وهي التماثيل المتحركة (تماثيل تتحرك بواسطة المياء)، وهذه التماثيل على شكل خدم يقومون بتقديم المشاريب للجمهور. وهذه التماثيل تستخدم كتزيين في الحدائق العامة.
طواحين الهواء، والمجمدات، والمكابس، والعربات بالعجلات
بنى الأسبان المسلمين أيضاً طواحين الهواء، مستخدمين أشرعة السفن التي تحرك المحور العمودي بفعل اندفاع الرياح، والذي بدوره يقوم بتحريك الحجر الذي يقوم بطحن القمح. وفي المناطق الجبلية تمكن الأسبان المسلمين، من حفظ الثلج داخل الكهوف الكبيرة التي استخدمت كثلاجات، ويقوم التجار والمسوقين والباعة بنقله إلى أسواق المدينة لبيعه للجمهور. وفي معاصر الزيتون تمكن الأسبان المسلمون من طحن الزيتون وإخراج الزيت، بواسطة المكابس التي تتحرك بطريقة حلزونية بواسطة البغل أو الجاموس التي تدور حول المحور الرئيسي.
وتمكن البناءون الأسبان المسلمون من صنع قوالب لصناعة الطوب الأحمر المشوي، والذي يجفف تحت أشعة الشمس. (الآن أساس البناء في جميع أنحاء أوروبا، هو الطوب الأحمر الذي جلب العرب صناعته إلى الأندلس من بغداد)، وبما أن بعض الأزقة والشوارع ضيقة فلا تسمح للعربة التي تجرها الخيول بالدخول، فقد اخترع الأسبان المسلمون أداة بسيطة، وهو تم نقلها عن الصينيين، وهي عربة بعجل واحد، بإمكانها الدخول وحمل البضائع عليها.