جاء "صدام حسين" حكم قدر ما حكم.. ورحل، جاءت القوات الأمريكية الغاصبة وظلت قدر ما ظلت.. ورحلت غير مأسوفٍ عليها. منذ ست سنوات وثلاثة أشهر، جثمت أحذية الجنود الأمريكيين على صدر العراق، استباحت شوارعه ودنست "بغداد" العظيمة، ست سنوات.. غيرت العالم.. وربما تاريخ العراق إلى الأبد، لكن المشهد لم يكن ليتشابه اليوم وذلك الزمان الذى أضحى بعيداً؛ سوى فى شىءٍ واحد: لم يستقبل أهالى العراق الجنود الأمريكيين بالورود.. ولا ودعوهم بها.
ست سنوات.. دفعت المواطنين الأمريكيين لإعادة حساباتهم، وضغطوا بقوة على إدارتهم كى تسحب جنودهم من هناك؛ حين اكتشفوا حجم الخديعة، لكن هل أعدنا نحن العرب حساباتنا؟
ست سنوات.. اغتصبت فيها نساء العراق، وتيتم أطفاله، وبات شبح الواقع المشابه فى كل بيتٍ عربى، فماذا فعلنا؟ ست سنوات.. دمرت فيها تربة أرض الرافدين الخصبة، وستظل كذلك لسنواتٍ لا يعلم مداها إلا الله.
ست سنوات.. ورغم ذلك فإن العراق سيبقى، ليس لأنه مر دوماً بأزمات ومصائب مشابهة؛ لكن لأن الشعوب التى تمتلك حضارة حقيقية.. لا تموت بسهولة.فى الماضى، سمعت من أهل العراق كلاماً، كنت أظنه محض خرافات، كانوا يقولون إن بلادهم موعودةٌ بالشدائد، وإن القدر قد حكم عليهم بألا تمر سنين طويلة، دون حدوث كارثة يموت فيها الكثيرون، كانوا يقولون ذلك ببساطة، على اعتبار أنه أمرٌ مسلمٌ به، وكنت أعتبرها من خرافات الشعوب، لكن يبدو أنهم كانوا أكثر درايةً بمصير بلادهم منى.
مرت السنون الست، وانسحبت القوات الأمريكية من المدن، وستخرج من العراق كله يوماً ما، وسيبقى أهله.. ولعنةً ستدوم للمحتلين.