يسعى الفنان التشكيلي أسامة بعلبكي إلى رسم متاهة واضحة في لوحاته، وهذه المتاهة تتلقفها العين ولا تحيد عن تداخلاتها مهما بدت متأرجحة ومتعرجة وتدخل في مسارب الشكل المفتوح على حقول المعنى، مهما بدت اللوحة مفتوحة نحن مسارب التفسير، ومهما احتشدت الصور بتفاصيل، وخيّم عليها الغموض اللوني ومساحات القلق، تبقى النتيجة الحسية واضحة، وتتدلى منه تفاسير واضحة، ولا يخرج المتابع من مساحة التعرف إلا اذا خرج عن مسار الإشارة الأولى في اللوحة.
اللون في لوحة بعلبكي يخطو بصعوبة، وتكاد تبرز الريشة بحركتها المرتبكة رغم غيابها المباشر، ورغم ذلك لا يمكن لهذا الارتباك ان يخربط المعنى، بل يساهم في بناء الارتباك، الذي يعجل بولادة الفكرة.
المعنى
أما المواضيع التي يرسمها الفنان ويترجمها فانها مواضيع بالغة المعنى، ودلالاتها لا تعد، وتكاد تكون أكبر من الصورة نفسها، اذ تحمل قناعة كبيرة، ونقاشاً واسعاً، وكأن الفنان أراد من اللوحة ان تناقش قضايا كبيرة وتخوض مسار الفكر بكل تعقيداته وتجلياته ومشتقاته المعرفية.
الفكر حاضر بقوة في اللوحة، والصورة التي تعكس هذا الفكر تحمل شحنات هائلة التفسير، ولا تتوقف عند تفسير واحد، ولكن تتعدد الشحنات، والقصد واحد.
اللون
اللون الواحد هو المحطة التي ينطلق منها الفنان في تشكيل اللوحة وتحويلها باتجاهات المعنى الشامل، وان تحولت هذه الألوان وتدرجت، فإنها لا تحيد عن خطر يجمع ولا يفرق، ثم ان اللون الواحد يجمع الفكرة التي يتقصدها الفنان، ولا يمكن لهذا (التوحد) ان يخيب آمال الدلالات المرجوة في اللوحة، وهذا فعل نجاح للوحة.
عناية مجتزأة
تفاصيل كثيرة تحضر في لوحة اسامة بعلبكي، وان بدت اللوحة احيانا، مشغولة بعناية مجتزأة، اي ان الفنان انطلق من افق محدد وتوقف في محطة تعبيرية واحدة، ثم اشتغل او ادار (المحرك) التعبيري بخفة او حركة اقل من هادئة، وهذا ما اعطى صمتا لا ينطبق، تماما، على معنى الاصل الذي اراد ابرازه جليا للعين المتلقفة، او للخيال الذي أرادة للآخر.
خربطة
يسعى اسامة بعلبكي في لوحاته في معرضه الجديد الى خربطة اصول وبناء اصول، وفي الحالتين ترتسم الصورة وتتجلى، ان كانت ناجعة او نافلة، لكنها تفي بفرض الرأي والقناعة والفكرة التي ينطلق منها الفنان. ومهما رفض المتابع والمهتم هذه القناعة فلا يمكنه القفز فوق قناعة راسخة داخل اللوحة وفي مناخ اللون وتفاصيله.
مساحة انطلاق
يقول اسامة ان اللوحة عنده ليست مكانا ثابتا للقول، انما هي مساحة للانطلاق نحو آفاق لا يمكن التوقف عند حدودها النهائية. ففي اللوحة الواحدة لا يمكن القبض على المعنى الشامل وتكريسه كتفسير نهائي، هناك بقية في المساحات الأخرى تلك المساحات التي تبدأ من اللون والخطوط وتمتد في المساحة التشكيلية ولا تنتهي في المساحة نفسها اي في اطار اللوحة فحسب، انما هناك البقية الواسعة التي تبدأ، اصلا، في خيال الفنان، ثم تمتد الى خيال المتلقي، وبين هذين الامتدادين تولد مساحة الخيال الفوارة والمدارة احيانا، وما على العقل الا تفسير ما يمكن تفسيره للوصول الى خلاصة او قناعة تحد من قوة هذا الخيال».
سخرية
• هل من سخرية في لوحات بعلبكي؟
ــ يقول اسامة: ربما توجد سخرية، لكن لا أتقصدها كسخرية متداولة او تهكم، انما هي رأي معبر ويحمل دلالات الفكرة الرافضة او المؤيدة. ولكن، بشكل عام لا تسعى هذه السخرية الى بناء حائط او جدار فاصل مع الفن التشكيلي التعبيري، بل تسعى الى بلورة مفهوم متجذر في قناعتي واخراجه للآخر كي يعرف ويتعرف على تفاصيل ما اصبو اليه من خلال اللون اللوحة والحركة».
إيقاع بصري
• هل تعتمد لوحتك على الايقاع البصري اكثر من سواها؟
ــ يقول: الايقاع البصري هو الاساس الذي يشحن العقل ويرسم له صورة الفعل والمعنى، ولكن الاعتماد الكلي على الايقاع البصري، ليس هدفا في لوحاتي، الايقاع البصري فاعل ومتفاعل ويساهم في بناء المدخل لفهم الاساس الذي تقصده اللوحة، لكنه ايقاع مفتوح على ايقاعات من لون آخر، كايقاع الخيال المتواري والخيال الحسي الذي يشبه الواقع والمعيش.