كلما سُئل الرئيس مبارك عن توريث الحكم ونقل السلطة إلى نجله جمال مبارك يبادر بالنفى المطلق , مع أن هذا النفى لم يعد متوافقـًا مع الطرح السياسى والإعلامى الذى شهد تقديم نجل الرئيس على أنه الرئيس الفعلى لمصر , يتضح ذلك على صفحات الصحف القومية التى أشرف نجل الرئيس على اختيار رؤساء تحريرها , هذه الصحف لا تخلو كل يوم من صورة لنجل الرئيس مع تصريحات له على صفحاتها الأولى تحت عنوان زيارات (السيد) بطريقة توحى بأن جمال مبارك هو رئيس مصر الفعلى رغم أنه لا أحد يعرف بأى صفة يتحرك ويزور ويتابع ويصطحب وزراء المجموعة الاقتصادية التى أشرف هو أيضا على تعيينها , وبأى صفة يطلق اسمه على بعض الميادين والمدارس وهو لا يملك أى منصب رسمى يكفل له ذلك حيث أن منصبه فى الحزب استشارى فقط وبلا أى سلطات تنفيذية , الأمر الذى لا يمكن فهمه إلا فى سياق واحد وهو أن الجميع يرى أن الرئيس القادم هو جمال مبارك , هذا ما يعرفه المصريون كلهم ويرفضونه فى الوقت نفسه .
يرفض المصريون جمال مبارك رئيسًا لأنه أمر يناقض النظام الجمهورى الذى أقسم الرئيس مبارك على احترامه والحفاظ عليه .
يرفضونه لأنهم يعرفونه جيدًا وهو لا يعرف عنهم شيئا , يعرفون أنه الابن الأصغر للرئيس مبارك الذى عاش طفولته فى مصر الجديدة ولم يدخل مدرسة حكومية ولم يجلس على مقعد أكل عليه الدهر وشرب , يعرفون أنه خريج الجامعة الأمريكية الذى سافر إلى لندن ليعمل فى أحد البنوك هناك وليؤسس شركته " ميدا نفستمنت " التى تصل قيمة أصولها إلى أكثر من 100 مليون دولار أى أكثر من 600 مليون جنيه , حيث كانت أول أنشطتها بيع ديون مصر فى الأسواق العالمية , يعرفون أنه بعد عودته للقاهرة تنافست العديد من البنوك على الفوز به ليكون عضوًا فى مجالس إدارتها , فانحاز لرجال الأعمال وتم بيع القطاع العام لذلك لم يكن غريبـًا أن تقدر مجلة " بيزنس ويك " الأمريكية ثروة جمال مبارك بحوالى 750 مليون دولار .
يرفض المصريون جمال مبارك رئيسا لأنهم تصوروا أنه يريد أن يعمل بالسياسة لكنهم صُدموا عندما وجدوه يريد أن تعمل السياسة عنده .
يرفضونه منذ عام 2002م مع دخوله الحزب الوطنى واستحداث أمانة السياسات بالحزب ليرأسها فضمت الأمانة إلى الآن متهمًا بالقتل ومتهمًا بتلويث الدم ومتهمًا بالرشـــوة
ومتهمًا بإغراق أكثر من ألف مواطن فى البحر .
يرفضونه لأنه منذ سطع نجمه شاهدنا معه شخصيات بلا تاريخ تحتكر الحياة السياسية من محتكرى السلع وسارقى الأراضى وناهبى البنوك .
يرفضونه لأنه لم يكن ليصل إلى ما هو فيه الآن لو لم يكن نجل الرئيس باعترافه هو شخصيًا فى أحد حواراته , ولكان أفضل ما يمكن أن يصل إليه هو عضوية الروتارى أو الليونز أو مديرًا لفرع بنك أو رئيسًا لبنك .
يرفضونه لأنه مولود سياسيًا وفى فمه ملعقة من ذهب فلم ير فى يوم من الأيام طابور العيش الذى استشهد فيه عدد كبير من المصريين فى معركة لا طائرة فيها ولا جيش .
يرفضونه لأنه أول مليونير يطرح نفسه رئيسًا لمصر معتقدًا أن مصر شركة ومواطنيها عمال عند صاحب الشركة .
يرفضونه لأنه ليس له أى مرجعية شعبية أو تاريخية أو عسكرية حتى الزى العسكرى لم يرتده يومًا .
يرفضونه لأنهم وجدوه ممثلا ً يتعامل معهم وفقًا لتعليمات أكبر أخصائى العلاقات العامة على مستوى العالم , وطبقا لكورسات مكثفة فى بريطانيا وذلك ليظهر على أنه واحد منهم .
يرفضونه لأنه لو صار رئيسا لمصر فسوف يكون تابعا لقرارات غيره من رؤساء الدول لعدم خبرته وسينزل بنفسه وببلده عند حد تهتز معه صورة البلد .
يرفضونه لأنه متورط فى كل السياسات التى نناضل لتغييرها والتى تناولتُ بعضًا منها فى مقالى " حصاد الثلاثين عامـًا الأخيرة " و " من أين لكم هذا ؟ " الذى نشر تحت عنوان " النظام المصرى فى الميزان " . ( راجع العدد على موقع الأمة )
يرفض المصريون جمال مبارك رئيسًا لأنه لم يستوعب قرار نظيره سيف الإسلام القذافى النجل الثانى للرئيس الليبى عندما قال " سبب إعلانى اعتزال العمل العام هو أنى اكتشفت أننى أصبحت أنا نفسى العقبة والمشكلة فى تحقيق الإصلاحات التى أدعو إليها وتأكدت أن وجودى فى الصورة هو الذى يعوق الإصلاح الدستورى المنشود " .
نعم يعرف المصريون كلهم أن الرئيس القادم هو جمال مبارك , ويرفضونه فى الوقت نفسه لأنه ما يزال فيهم من يرفع شعار " لن نورث بعد اليوم " منذ ما يزيد على قرن من الزمان.